الحمد لله حمدًا يرضاه لذاته والصلاة والسلام على سيدِ مخلوقاتِه ورضي الله عن الصحابةِ والآل وأتْباعِهم مِن أهلِ الشرعِ والحال والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
أشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له وأنّ محمدًا عبدُه ورسولُه وأنّ عيسى عبدُ الله وابنُ أمَتِه وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وأنّ الجنةَ حقٌّ وأنّ النارَ حق.
اللهم صل صلاةً كاملة وسلم سلامًا تامًّا على سيدِنا محمد الذي تنحلُّ به العقد وتنفرجُ به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال بن الرغائب وحسنُ الخواتيم ويستسقى الغمامُ بوجهِه الكريم وعلى آله وصحبِه وسلِّم.
نسألُ اللهَ تبارك وتعالى أنْ يجعلَ نيّاتِنا في هذا المجلس الرفاعي خالصةً لوجهِه الكريم.
يقولُ شيخُ طريقتِنا وإمامُنا أحمدُ الرفاعيُّ الكبير رضي الله عنه في جملةِ ما قاله من مقالاتِه في البرهان المؤيد “ونوِّروا كلَّ قلبٍ من قلوبِكم بمحبةِ آلِه الكرامُ عليهم السلام فهم أنوارُ الوجودِ اللامعة وشموسُ السعودِ الطالعة، قال اللهُ تعالى {قل لآ أسألُكم عليه أجرًا إلا المودةَ في القربى}[الشورى/٢٣]
وقال صلى الله عليه وسلم “اللهَ اللهَ في أهلِ بيتي” مَن أرادَ اللهُ به خيرًا ألزمَه وصيةَ نبيِّه في آلِه فأحبَّهم واعتَنى بشأنِهم وعظّمَهم وحماهُم وصانَ حِماهم وكان لهم مُراعيًا ولحقوقِ رسولِه فيهم راعيًا، المرءُ مع مَن أحبّ ومَن أحبَّ اللهَ أحبَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ومَن أحبَّ رسولَ الله أحبَّ آلَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ومَن أحبَّهم كان معهم وهم مع أبيهم عليه الصلاة والسلام، قدِّموهم عليكم ولا تقَدَّموهم وأعينوهم وأكرِموهم يعودُ خيرُ ذلك عليكم”
أزواجُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من أهلِ بيتِه وكلّهنّ رضي الله تعالى عنهنّ وليات تقيات عفيفات نقيّات صالحات طاهرات قانتات أزواجُه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة هذا وإني سأخصُّ بالذكرِ بينهنّ وكلّهنّ سادة، أخصُّ بالذكرِ أمَّنا عائشة الصدّيقة رضي الله عنها لكثرةِ ما افتُرِيَ وما يُفترى عليها
فلنَستَمِعْ إلى شىء مما ذكرَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومما ذكرَه بعضُ أهلِ البيت في فضلِ وشرفِ عائشة الصديقة رضي الله عنها.
عن عائشة رضي الله عنها قالت “قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومًا يا عائشُ، هذا جبريل يُقرِؤُكِ السلام -من مباسطتِه لها عليه الصلاة والسلام يقول يا عائش- قالت فقلتُ وعليه السلام ورحمةُ الله وبركاتُه ترى ما لا أرى” -يعني أنت يا رسولَ الله حاضر معنا وأنا ما رأيتُه، وهذا رواه البخاري واللفظُ له رواه مسلم عن عائشة مرفوعا. وهذا الحديث فيه تصريحٌ بقراءةِ جبريل السلامَ لعائشة وهذا فيه فضلٌ عظيمٌ لها رضي الله عنها.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كمَلَ من الرجالِ كثير ولم يكمُلْ من النساء غيرُ مريمَ بنتِ عمران وآسية امرأةِ فرعون وإنّ فضلَ عائشة على النساء كفضلِ الثريدِ على سائرِ الطعام” أخرجه البخاري ومسلم.
هذا الحديث يبيّن أنّ فضلَ عائشة الصديقة رضي الله عنها على النساء زائد كزيادةِ فضلِ الثريد على غيرِه من الأطعمة.
كما أنّ هذا الحديث ليس فيه بتفضيل عائشة على مريم وآسية إنما فيه بيان مزِية لعائشة رضي الله عنها، لأنه في التفضيلِ بين نساء المؤمنينَ عامةً
أفضلُ نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية ثم عائشة.
أما بالفقهِ فأفقهُ نساءِ العالمين عائشة الصدّيقة رضي الله تعالى عنهنّ أجمعين.
عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها “أُرِيتُكِ في المنام ثلاثَ ليال جاءني بكِ الملَك في سَرَقة -المراد بصورة، هذه صورةُ زوجتِك قبل أنْ يتزوجها عليه الصلاة والسلام- من حرير فيقول -أي الملَك- هذه امرأتُك فأكشفُ عن وجهِك فإذا أنتِ هي فأقول إنْ يكُ هذا مِن عندِ الله يُمضِه”
فكانت البشارةُ إذًا أنّ عائشة ستكونُ زوجةً لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدلُّ أيضًا على شرف الصدّيقةِ عائشة رضي الله تعالى عنها.
تروي أمُّ المؤمنينَ عائشة رضي الله عنها أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال “يا أمَّ سلَمة لا تُؤذيني في عائشة فإنّه والله ما نزلَ عليَّ الوحيُ وأنا في لِحافِ امرأةٍ منكنَّ غيرُها” وهذا أيضًا يدلُّ على عظيمِ شرفِ عائشة رضي الله عنها.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها اسْـتَعارَت من أسماء قِلادة فهلَكَت كانت عائشة في الطريق فسقطَت هذه القلادة ضاعت منها فتأخرت عائشة مع القلادة تبحثُ عنها ومشَت القافلة فأرسلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من أصحابِه في طلبِها يبحثونَ عنها فأدرَكتهمُ الصلاة فصَلّوا بغيرِ وضوء ما كانوا قد وجدوا ماءً فلما أتَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم شكَوا له ذلك فنزلَت آيةُ التيمم فقال أسَيدُ بنُ حُضَير من سادةِ الأنصار رضي الله عنه: جزاكِ الله خيرًا فواللهِ ما نزلَ بكِ أمرٌ قط إلا جعلَ اللهُ لكِ منه مخرجًا وجعلَ فيه للمسلمينَ برَكة-أي يقول لعائشة، وهي بلاؤُها كان كثيرًا، قصة الإفك حصلت بعد هذه الحادثة وصبرَت حتى برّأها اللهُ تعالى- نزلَت آيةُ التيمم وهذه الرخصة والتيمم هذا من خصائص الأمة المحمدية، وهذا الحديث أخرجَه البخاري.
تروي عائشة رضي الله عنها أنّ الناسَ كانوا يتَحَرَّوْنَ بهداياهم يومَ عائشة، أليس النبيُّ عليه الصلاة والسلام كان بين أزواجِه يقسِم يعدِل عليه الصلاة والسلام في القسمِ بينهنّ في المبيت فكان من الناس مَن يتحرّى ما هي الليالي التي يكونُ فيها النبيّ عليه الصلاة والسلام عند عائشة فيأتي بالهدايا في تلك الليلة يبتغونَ بذلك مرضاةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخرجَ ذلك مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إنْ كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول “أين أنا اليوم أين أنا غدًا” استبطاءً ليومِ عائشة كأنه عليه الصلاة والسلام يقول كم بقيَ إلى يومِ عائشة، قالت “فلما كان يومي قبضَه الله” وفاةُ النبيّ عليه الصلاة والسلام كانت في حجرةِ عائشة الآن عندما نزورُ النبيّ عليه الصلاة والسلام نكونُ في الحجرة النبوية الشريفة في حجرة عائشة- تقول عائشة “لما كان يومي قبضَه الله بين سَحْري ونَحْرِي” أخرجه البخاري ومسلم.
وعن عمرو بنِ العاص أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعثَه على جيشِ ذاتِ السلاسل -سُميت هذه الغزوة بذات السلاسل لأنه يوجد اسم لماء من مشارف بلاد الشام مما يلي المدينة المنورة يقال له السلاسل وسُميَ المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضُه على بعض كالسلسلة ويقال أيضًا سمّيَت بذات السلاسل لأنّ المشركين ارتبطَ بعضُهم إلى بعض مخافةَ الفرار، وهذا الغزوة كانت قبلَ غزوةِ الفتح، فالنبيّ عليه الصلاة والسلام بعثَ عمرًا بنَ العاص على جيش ذات السلاسل-
قال فأتيْتُ فقلتُ: أيُّ الناسِ أحبُّ إليك -عمرو بن العاص يسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم- قال عائشة، فقلتُ من الرجال؟ قال أبوها -يعني أبا بكر- قلتُ ثم من؟ قال عمرُ بنُ الخطاب، فعدَّ رجالًا” رواه البخاري ومسلم.
فإذًا بين الرجال كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ من الرجال أبا بكرٍ الصديق، كان أبو بكر في التفضيل الأفضلَ والأقربَ والأحبَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عليه الصلاة والسلام محبّتُه لأبي بكر كبيرة، فمِنَ الرجال أبو بكر كان الأحبَّ إلى رسول الله ثم عمر ثم عثمان ثم علي
ومن النساء عائشة، والمرادُ في زمانِها وإلا فإنّ خديجة رضي الله عنها هي في الفضلِ أعلى وهي كانت بين نساء النبيّ عليه الصلاة والسلام الأعلى في الدرجة، خديجة ثم بعدَها عائشة لكنْ خديجة رضي الله عنها ماتت قبل هجرةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ثم في المدينة المنورة عائشة الصدّيقة رضي الله تعالى في زمانِها صارت الأحبَّ بين بقيةِ أزواجِ المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى قلبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
لذلك السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قد برّأَها الله على رغمِ أنوفِ الروافض الذين يُبغِضونَ عائشة ويتّهمونَها الاتهامات الباطلة.
نقولُ لهم: وهل كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ إلا طيّبًا؟ فإذا كان عليه الصلاة والسلام يُسأل مَن تحبُّ أكثر من النساء -أي في ذلك الزمن- فيقولُ عائشة هل كان عليه الصلاة والسلام يحبُّ إلا طيّبًا؟ ثم أليس اللهُ تبارك وتعالى قال {الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثونَ للخبيثات والطيباتُ للطيبين والطيبونَ للطيبات أولئك مُبَرَّءونَ مما يقولون لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم}[النور/٢٦] نزلَت في النبي عليه الصلاة والسلام وعائشة وكذلك الطيبون والطيبات من هذه الأمة.
رسولُ الله طيّب عائشة طيبة {والطيبون للطيبات أولئكَ مُبَرَّءونَ مما يقولون} هذه في سورة النور فيها براءةُ الصديقة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك.
عن القاسم ابنِ محمد أنّ عائشة رضي الله عنها اشتكتْ فجاء ابنُ عباس رضي الله عنهم فقال يا أمَّ المؤمنين تَقْدَمينَ على فَرَطِ صدق -هذا عندما مرضَت عائشة ضعُفَت وكان ذلك قُبيلَ وفاتِها رضي الله عنها فجاءها ابنُ عباس، إذًا المودة بين آل البيت كبيرة، بين نساء النبي اللاتي هن من آل البيت وعلي وفاطمة والحسن والحسين وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل مودة كبيرة-
مرضت عائشة فجاء عبدُ الله بنُ عباس قبيلَ وفاتِها يَعودُها فقال مُسَلِّيًا لها أي مخفِّفًا عنها “يا أمّ المؤمنين تقدَمينَ على فرَطِ صدق -يبشرُها- على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر” وهذا أخرجه البخاري.
وابنُ عباس لا يعلمُ الغيب فكيف سيقول لها تقدَمينَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم معناه يذكر لها أنها من المبشرين بالجنة وعائشة رضي الله عنها مبشرة بالجنة، فابنُ عباس رضي الله تعالى عنهما يذكر لها أنها ممن بشّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الجنة.
عن عمار رضي الله عنه قال “إني لأعلمُ أنها -يعني عائشة- زوجتُه في الدنيا والآخرة” وهذا الحديث أخرجَه البخاري وقاله عمار وقت أنْ حدثَت تلك الفتنة
تروي عائشة رضي الله عنها أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة رضي الله عنها قالت “فتكلمتُ أنا” يعني كان النبي عليه الصلاة والسلام يذكرُ شيئًا من فضائل فاطمة، عائشة رضي الله عنها كانت حاضرة، تقول عائشة “فتكلمتُ أنا” يعني كأنها تقول وأنا مالي يا رسولَ الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم “أما ترْضَيْنَ أنْ تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة” قالت “قلتُ بلى والله قال: فأنتِ زوجتي في الدنيا والآخرة”
أخرجَ الترمذي عن عائشة أنّ جبريل عليه السلام جاء بصورتِها في خِرقةٍ خضراء -يعني صورة عائشة كانت في الخِرقة ليس معناه أنّ جبريل جاء في صورة عائشة متشكلًا بها، الملائكة لا يتشكلون بصور الإناث، لا يأتونَ بصورة أنثى، يتشكلونَ بصورة الذكور من غير الآلة، كان جبريل عليه السلام يأتي أحيانًا على صورة دحية الكلبي وبعض الأحيان على غيرِ ذلك، فهذا معنى جاء جبريل بصورتِها في خرقة، يعني جاء جبريل عليه السلام معه خرقة في الخرقة صورةُ عائشة وليس المعنى أنّ جبريل جاء متشكلًا في صورة عائشة رضي الله عنها- فقالت عائشة “جبريل جاء بصورتِها في خرقةٍ خضراء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ هذه زوجتُك في الدنيا والآخرة” وجاء بلفظ عنه صلى الله عليه وسلم “عائشةُ زوجي في الجنة”
رسولُ الله طيب وعائشة طيبة، إن كانت عائشة والعياذ بالله كما يفتري عليها هؤلاء المفترون فكيف يقولُ عليه الصلاة والسلام بأنه يحبُّها؟ وكيف يقول عليه الصلاة والسلام بأنها زوجتُه في الدنيا والآخرة؟
عائشة رضي الله عنها قالت “يا رسولَ الله مَن منْ أزواجكَ في الجنة” هو كل أزواجِه عليه الصلاة والسلام في الجنة لكنْ عائشة تريد أن تسمعَ تخصيصًا،
فقال عليه الصلاة والسلام “أما إنكِ منهنّ” وهذا حديث صحيحُ الإسناد كما قال الحاكم.
تقول عائشة “لما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طيبَ النفس قلتُ يا رسولَ الله، تغتنم عائشة هذا الوقت، رسولُ الله في كلِّ أحوالِه طيب لكنْ رأتْ في وقتٍ من الأوقات فسحةً لعلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخصُّها بشىء، فتقول عائشة “لمّا رأيتُ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم طِيبَ النفس قلتُ يا رسولَ الله ادعُ اللهَ لي، قال: اللهم اغفر لعائشة ما تقدّمَ وما تأخَر وما أسرَّت وما أعلنَت.
يخصُّها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء.
يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه “ما أشكلَ علينا أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ قط فسألْنا عائشة إلا وجدْنا عندَها منه علمًا” وهذا أخرجَه الترمذي، وهذا يدلُّ على سَعةِ علمِ أمِّنا أمِّ المؤمنين عائشة الصدّيقة بنتِ أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.
نفعَنا اللهُ تعالى بأمّ المؤمنينَ عائشة وبأبيها الصديقِ أبي بكر وبعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين وبآلِ بيت النبيّ الأطهار.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميعُ العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
سبحانك اللهم وبحمدِك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك سبحان ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.