الأربعاء سبتمبر 18, 2024

الحمد لله حمدًا يرضاه لذاته والصلاة والسلام على سيدِ مخلوقاتِه ورضي الله عن الصحابة والآل وأتْباعِهم من أهل الشرع والحال والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدًا عبدُه ورسولُه وأنّ عيسى عبدُ اللهِ وابنُ أمَتِه وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وأنّ الجنة حقٌّ وأنّ النارَ حق.

اللهم صل صلاةً كاملة وسلم سلامًا تامًّا على سيدِنا محمدٍ الذي تنحلُّ به العقد وتنفرجُ به الكرب وتُقضى به الحوائج وتُنالُ به الرغائبُ وحسن الخواتيم ويُستسقى الغمامُ بوجهِه الكريم وعلى آله وصحبه وسلِّم.

نسألُ اللهَ تبارك وتعالى أنْ يجعلَ نيّاتِنا في هذا المجلس الرفاعي خالصةً لوجهِه الكريم.

يقولُ شيخُ طريقتِنا وإمامُنا أحمدُ الرفاعيُّ الكبير رضي الله عنه في جملةِ ما قالَه من مقالاتٍ في البرهان المؤيد

“ونوِّروا كلَّ قلبٍ من قلوبِكم بمحبةِ آلِه الكرام عليهم السلام  فهم أنوارُ الوجودِ اللامعة وشموسُ السعودِ الطالعة، قال الله تعالى {قل لآ أسألُكم عليه أجرًا إلا المودةَ في القربى}[الشورى/٢٣] وقال صلى الله عليه وسلم “اللهَ اللهَ في أهلِ بيتي” مَن أرادَ اللهُ به خيرًا ألزَمهُ وصيةَ نبيِّه في آلِه فأحبّهم واعْتَنى بشأنِهم وعظَّمَهم وحَماهم وصانَ حِماهم وكان لهم مُراعيًا ولحقوقِ رسولِه فيهم راعيًا المرءُ مع من أحب، ومَن أحبَّ اللهَ أحبَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ومَن أحبَّ رسولَ الله أحبَّ آلَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ومَن أحبّهم كان معهم وهم مع أبيهم عليه الصلاة والسلام، قدّموهم عليكم ولا تقَدّموهم وأعينوهم وأكرموهم يعودُ خيرُ ذلك عليكم.

أما مَن ماتَ على غيرِ دينِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولو كان مِن قرابتِه فلنْ تنفعَه شفاعة ولا قرابةٌ من المُقَرَّبين.

كان بعضٌ من أقاربِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ومنهم مَن كان قد دافعَ عنه ولكنْ لم يؤمن كأبي طالب، فماذا قال فيه عليه الصلاة والسلام؟

إنّ أهونَ أهلِ النارِ عذابًا يومَ القيامة رجلٌ على أخمَصِ قدمَيه -وهنا ليس المرادُ بأهون أنه يُخفَّفُ عنه فيما بعد إنما من أولِ دخولِه على ذلك الحال أخفُّ أهلِ النارِ عذابًا، هذا حالُه من أولِ ما يدخل، النارُ لا تأخذُ منه إلا إلى القدم، جمرتان يغلي منهما دماغُه كما يغلي المِرجَلُ بالقُمقم

وأنزل اللهُ تعالى {ما كان للنبيِّ والذين آمنوا أنْ يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى مِن بعدِ ما تبيّنَ لهم أنهم أصحابُ الجحيم}[التوبة/١١٣]

وأنزلَ اللهُ قولَه {إنك لا تهدي مَن أحبَبت ولكنَّ اللهَ يهدي مَن يشآء وهو أعلمُ بالمهتَدين}[القصص/٥٦]

دخلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عمِّه أبي طالب وهو في مرض الوفاة وحولَه مشرِكو مكة فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم “يا عمّ قل لا إله إلا الله محمد رسولُ الله أشهد لك بها عند الله” معناه أنا أريد منك هذه الكلمة إذا أنت قلتَها صرتَ مسلمًا فأنا أشهد لك وأشفعُ  لك يا عم قل هذه الكلمة لأنّ كل الذي عملتُه معي إذا أنت لم تؤمن فليس لك شفاعة لأنّ القرآنَ الكريم هكذا يقول، لأنّ الوحيَ الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا جاء وأبو طالب يعلم بأنّ رسولَ الله هو رسولُ الله حقًّا، مشركو مكة حول أبي طالب يقولون يا أبا طالب لا تُعطِه لا تقل له، فنظر أبو طالب إلى رسولِنا صلى الله عليه وسلم قال لوْلا أن تعيّرَني بها  قريش لأقررْتُ بها عيَنك، معناه هو يعلم أنه على الحق وما رضيَ أنْ يقولَها فخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو في حزنٍ وغضب شديد لأنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام يحبُّ اهتِداءَ أبي طالب فقال عليه الصلاة والسلام وهو خارجٌ من المجلس “لأسْتَغفِرَنَّ لك ما لمْ أُنْهَ” أي لَأطلُبَنَّ من الله أنْ يُدخِلَك في الإسلام -هذا معنى لأستغفرنّ لك- ما لم أُنَه عنك إلا إذا نزلَ عليَّ وحيٌ بأنك تموتُ على غير الإسلام.

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو إلا أنْ جاء عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه وقد مات أبوه فقال يا رسولَ الله إنّ عمّكَ الشيخَ الضالّ قد مات.

حزنَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام حزنًا كبيرًا وقال “اذهب فوارِه” فما خرجَ عليه الصلاة والسلام في جنازتِه لأنه لم يُسلِم ولا ترحّمَ عليه {ولو كانوا أُولي قربى من بعدِ ما تبيّنَ لهم أنهم أصحابُ الجحيم}[التوبة/١١٣]

نزل قولُه سبحانه {إنك لا تهدي مَن أحببْت}[القصص/٥٦] أي مَن أحببَتَ اهْتِداءَه لأنّه عليه الصلاة والسلام لا يحبُّ ذاتَ كافر، {ولكنّ اللهَ يهدي من يشآء}[القصص/٥٦]

كما أنّ اللهَ سبحانه وتعالى أنزلَ قرآنًا يُتلى إلى قيامِ الساعة يبيّنُ مصيرَ عمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أبي لهب الذي لم يُغْنِه نسبُه وقربُه من النبيّ صلى الله عليه وسلم عن عذاب الله له  عندما بقيَ على كفرِه بالله، فنزلَت سورةٌ كاملة في ذمّ أبي لهب {تبَّت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه مالُه وما كسَب سيصلى نارًا ذاتَ لهَب وامرأتُه حمّالةَ الحطب في جِيدِها حبلٌ مِن مسَد}[المسد/١-٥] وبيّن اللهُ تعالى كذلك مصيرَ زوجةِ عمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أمِّ جميل وقد حصل مثلُ ذلك مع والدِ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ عليه السلام حيثُ قال سبحانه وتعالى {وما كان استغفارُ إبراهيمُ لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدَها إياه فلمّا تبيّنَ له أنه عدوٌّ لله تبرأَ منه إنّ إبراهيمَ  لَأوّاهٌ حليم}[التوبة/١١٤]

استغفارُ إبراهيمُ لأبيه معناه طلبُ إبراهيم من الله عز وجل أنْ يُدخِلَ أباه في الإسلام فلمّا تبيّنَ له أنه عدوٌّ لله تبرّأَ منه، وبذلك يُفهَمُ قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم “ومَن بَطَّأ به عملُه لم يُسرِعْ به نسبُه” رواه مسلم.

فشرفُ النسب لا يقَدّمُ ولا ينفعُ في الآخرة مَن أخّرَه تفريطُه في الإيمانِ في الدنيا لذلك نبّهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عشيرَتَه إلى ذلك عندما قال لهم “لا أملكُ لكم من الله شيئًا”

فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد خاطبَ ابنتَه وعمّه وقرابتَه ونحوَهم بهذا الخطاب كان تنبيهًا لذريّتِهم ونحوِهم على ذلك.

لقد قال الله سبحانه وتعالى لِمَنِ اكتفى بالانتسابِ إلى الأنبياء عن مُتابعتِهم {تلكَ أمةٌ قد خلَت لها ما كسبَت ولكم ما كسبتُم ولا تُسئَلونَ عما كانوا يعملون}[البقرة/١٣٤]

وما على المؤمن إلا أنْ يجدَّ في عمل الطاعة ويزدادَ حرصًا في عمل الأوامر وتركِ النواهي ليلْقَى اللهَ سبحانه وتعالى غدًا وهو راضٍ عنه.

قال سبحانه {فإذا نُفِخَ في الصورِ فلآ أنسابَ بينَهم يومَئذٍ ولا يتسآءلون* فمَن ثقُلَت موازينُه فأولئكَ همُ المفلحون* ومَن خفّت موازينُه فأولئك الذين خسروا أنفسَهم في جهنمَ خالدون* تلفَحُ وجوهَهمُ النارُ وهم فيها كالِحون}[المؤمنون/١٠١/١٠٤] نعوذ بالله من حر النار

في ذلك اليوم لا يسألُ القريبُ عن قريبِه وهو يُبصرُه ولو كان عليه من الأوزارِ ما قد أثقلَ ظهرَه ولو كان أعزَّ الناسِ عليه في الدنيا فإنه لا يلتفُ إليه ولا يحملُ عنه وزنَ جناحِ بعوضة كما قال سبحانه {ولا يَسئلُ حميمٌ حَميمًا يُبَصَّرونَهم}[المعارج/١٠-١١] يفِرُّ كلُّ قريبٍ ظالمٍ من قريبِه المظلوم {يومَ يفرُّ المرءُ من أخيه* وأمِّه وأبيه* وصاحبتِه وبَنيه}[عبس/٣٤-٣٦]

وقال سبحانه {إنّ يومَ الفصلِ ميقاتُهم أجمعين* يومَ لا يُغني موْلًى عن موْلًى شيئًا ولا هم يُنصَرون* إلا مَن رحِمَ الله إنه هو العزيزُ الرحيم}[الدخان/٤٠-٤٢]

فالحذرَ الحذرَ من بعضِ المُفترَيات التي تُخالفُ الشرعَ الشريف ويظنُّ بعضٌ أنها من جملةِ محبةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأهلِ بيتِه، ونقولُ ما خالفَ القرآنَ والسنةَ وإجماعَ الأمةِ فهو ضلال، وهل بعدَ كلامِ اللهِ تعالى كلام؟

بعضٌ ممن انتسبَ إلى التصوف -أما الصوفيةُ الصادقون فلا يقولون ذلك- يروي شيئًا عن أبي لهب والعياذ بالله يقولون بأنّ أبا لهب يُخفَّفُ عنه العذاب في كل يومِ اثنين لأجلِ أنه أعتقَ جاريةً  له يقالُ لها ثويْبة عندما جاءت مبَشرةً له بأنه قد وُلِدَ لأخيه عبد الله ولدٌ اسمُه محمد، فنقول هذا الذي يذكرونَه مخالفٌ للنصوص القطعية للآياتِ الكريمة لحديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولإجماعِ هذه الأمة، وإنما الذي رُويَ في بعضِ كتبِ الحديث أنّ  هناك رؤيا منامية وليست نصًّا من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، رأى تلك الرؤيا المنامية بعضُ أقرباء النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقال بأنه العباس، ورآها العباس قبل أنْ يُسلِم ولم يعرِضْها على النبيّ صلى الله عليه وسلم فكيف يُبنى عليها حكمٌ شرعي بأنّ أبا لهب يُخفَّفُ عنه العذاب كلَّ يومِ اثنين وأنه يُسقى بقدرِ كذا؟

هذا الخبرُ المَروي هو مُرسَلٌ أرسلَه عُروة ولم يذكر مَن حدّثَه به فليس متصلًا وهو في كل الأحوال ليس قولًا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ليس الرسول الذي قاله ولا العباس قال أنه عرضَه على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأقرَّه فكيف يُبنى على ذلك حكمٌ شرعي؟

وكيف يقال بأنّ هذا الذي نزلَت سورةٌ كاملةٌ فيه في كتابِ الله تعالى {تبّت يدا أبي لهبٍ وتب}[المسد/١] كيف يقال بأنّ هذا يُخفَّفُ عنه العذاب واللهُ تعالى يقول {والذين كفروا لهم نارُ جهنمَ لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخفَّفُ عنهم مِن عذابِها كذلك نجزي كلَّ كفور}[فاطر/٢٦]

يقولُ القاضي عياض وهو مِن أئمةِ التصوف ومن كبار المالكية في كتابه إكمال المُعلِم بفوائدِ مسلم -أي بفوائدِ صحيح مسلم- “وقد انعقدَ الإجماعُ على أنّ الكفار لا تنفعُهم أعمالُهم -معناه إذا لم يُسلِموا لا تنفعُهم أعمالُهم- ولا يُثابونَ عليها -هذا إجماع- بنعيمٍ ولا تخفيفِ عذاب لكنْ بعضُهم أشدُّ عذابًا من بعض”

يعني مَن كان من أقرباء النبي عليه الصلاة والسلام أو مِن غيرِهم من الذين لم يُسلِموا، مَن كان عادى النبيَّ أكثر وآذى النبيّ أكثر عذابُه أشد لكنْ كلُّ مَن لم يؤمن برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وبلغَته الدعوة من أهلِ العذاب، وكيف يقولُ هؤلاء بأنّ أبا لهب يُسقى في النارِ ماءٍ من بين إصبعيه كلّ يوم اثنين، كيف يقولون ذلك واللهُ تعالى يقول {وإنْ يستغيثوا يُغاثوا بمآءٍ كالمُهلِ يشوي الوجوه بئسَ الشرابُ وسآءتْ مُرْتَفَقًا}[الكهف/٢٩]

كيف يقولون هذا عن أبي لهب وهو الذي سبّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وآذاه؟

ونزلت فيه سورةٌ قرآنيةٌ كاملة في ذمِّه، وهذا دليلٌ على شدةِ كفرِه وعذابِه.

لم يحصُلْ أنّها نزلَت سورةٌ كاملة من أولِها إلى آخرِها في ذمّ كافر إلا فيه، فبعد هذا لا يُقبَلُ من أحد أنْ يتركَ كلامَ الله وكلامَ رسولِه صلى الله عليه وسلم ويَتْبَع رؤيا منامية لم تُعرَضْ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوزُ أنْ يُبنى عليها حكمٌ شرعيٌّ أصلًا.

يكفينا في ردّ هذا التحريف الذي يرَدِّدُه بعضُ الناس في أيام المولد الشريف يقولون إذا كان هذا أبو لهب فرِحَ بمولد الرسول فانظروا ماذا حصل له من التخفيف فكيف بغيرِه؟

نقول لهم: الفرحُ بالنبيّ عليه الصلاة والسلام مطلوب والاحتفالُ بمولد النبيّ صلى الله عليه وسلم سنةٌ حسنة لكنّ الفرحَ بمحمد لا يكونُ بتكذيبِ ما جاء به محمدٌ عليه الصلاة والسلام

يكفي في رد هذا التحريف ما جاء في كتاب الله عز وجل من آياتٍ كثيرة، رؤيا منامية وانظروا في مقابلِها كم من النصوص القرآنية القطعية، فهل تُرَدُّ تلك النصوص القطعية لأجلِ رؤيا منامية ليست الرؤيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُقال عنها وحي ولم تُعرَض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت فيما يُروى عن العباس قبلَ أنْ يُسلِم فكيف يُبنى عليها حكمٌ شرعي؟

من الآيات التي جاءت في بيانِ أنّ الكفارَ لا يخفَّفُ عنهم العذاب قولُ الله تعالى {فلا يُخَفَّفُ عنهم العذابُ ولا هم يُنصَرون}[البقرة/٨٦]

وقولُ الله تعالى {يُضاعَفْ له العذابُ يومَ القيامة ويخلد فيه مُهانًا}[الفرقان/٦٩]

وقولُ الله {إنّ المجرمينَ في عذابِ جهنمَ خالدون}[الزخرف/٧٤]

وقولُ الله {فلا يُخَفَّفُ عنهم العذابُ ولا هم يُنصَرون}[البقرة/٨٦]

وقولُ الله {لا يُخفَّفُ عنهمُ العذابُ ولا هم يُنظَرون}[آل عمران/٨٨]

وقولُ الله {وما هم بخارجينَ من النار}[البقرة/١٦٧]

وقولُ الله {كلّما نضِجَت جلودُهم بدّلْناهم جلودًا غيرَها ليَذوقوا العذاب إنّ اللهَ كان عزيزًا حكيمًا}[النساء/٥٦]

وقولُ الله {وما هم بخارِجينَ منها ولهم عذابٌ مقيم}[المائدة/٣٧]

وقولُ الله {ليس مصروفًا عنهم}[هود/٨]

وقولُ الله {كلّما أرادوا أنْ يخرجوا منها مِن غمٍّ أُعيدوا فيها}[الحج/٢٢]

وقولُ الله {لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخَفَّفُ عنهم مِن عذابِها}[فاطر/٣٦]

وقولُ الله {وقال الذين في النارِ لِخَزَنةِ جهنمَ ادْعوا ربَّكم يُخَفِّفْ عنا يومًا منَ العذاب}[غافر/٤٩]

وقولُ الله {فذوقوا فلَن نزيدَكم إلا عذابًا}[النبأ/٣٠]

وقولُ الله {كلَّما دخلَتْ أمةٌ لعَنَتْ أختَها حتى إذا ادّارَكوا فيها جميعًا قالت أُخراهُم لأُولاهُم ربَّنا هؤلآءِ أضَلّونا فآتِهم عذابًا ضِعفًا منَ النار}[الأعراف٣٨]

وقال اللهُ تعالى {الذين كفروا وصدّوا عن سبيلِ اللهِ زِدناهم عذابًا فوقَ العذاب بما كانوا يُفسِدون}[النحل/٨٨]

وقال اللهُ تعالى {تُسْقَى مِن عينٍ آنِية}[الغاشية/٨]

وقال الله {لا يذوقونَ فيها بردًا ولا شرابًا إلا حميمًا وغسّاقًا}[النبأ/٢٤-٢٥]

وقال اللهُ تعالى {مِن ورآئِه جهنّمُ ويُسقى مِن مآءٍ صديد* يتَجَرَّعُه ولا يكادُ يُسيغُهُ ويأتِيهِ الموتُ مِن كلِّ مكانٍ وما هو بمَيِّتٍ ومِن ورآئِهِ عذابٌ غليظ}[إبراهيم/١٦-١٧]

وقال اللهُ تعالى {وسُقُوا مآءً حميمًا فقطَّعَ أمعآءَهم}[محمد/١٥]

وقال الله تعالى {وإنْ يستغيثوا يُغاثوا بمآءٍ كالمُهلِ يشوي الوجوه بِئسَ الشرابُ وسآءتْ مُرْتَفَقًا}[الكهف/٢٩]

وقال اللهُ تعالى {ونادى أصحابُ النارِ أصحابَ الجنةِ أنْ أفيضوا علينا منَ المآءِ أو ممّا رزقَكُمُ الله قالوا إنّ اللهَ حرّمَهُما على الكافرين}[الأعراف/٥٠]

هذا شىءٌ من نصوصِ القرآنِ الكريم، فهل يُرَدُّ كل ذلك برؤيا منامية؟؟؟؟

ممّن ردَّ تلكَ القصة الواهية الحافظُ ابنُ حجر العسقلاني في شرح البخاري حيث يقول “لكنه مخالِفٌ لظاهر القرآن، قال الله تعالى {وقَدِمْنا إلى ما عمِلوا مِن عملٍ فجعلناهُ هباءً منثورًا}[الفرقان/٢٣] وأُجيب أولًا أنّ الخبرَ مُرسَل أرسلَه عُروة ولم يذكر مَن حدّثَه به وعلى تقديرِ أنْ يكونَ موصولًا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجةَ فيه ولعلَّ الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلمَ بعدُ فلا يحتَجُّ به”

ثم نقل بعد ذلك -القاضي عياض- عن ابنِ حجر الإجماعَ على أنّ أعمالَ الكفار لا تنفعُهم ولا يُثابون عليها بنعيمٍ ولا تخفيفِ عذاب وإنْ كان بعضُهم أشدُّ عذابٍ من بعض.

ومثلُ هذا الرد ذكرَه القسطلّاني في كتاب إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري لقد ذكر علماءُ الحديث أنّ الحديثَ إنْ خالفَ صريحَ العقل أو النصَّ القرآني أو الحديثَ المتواتر ولم يقبل تأويلًا فهو باطل يعني يُعلَم أنّ هذا غيرُ صحيح، ذكرَ ذلك الفقهاء والأصوليونَ في كتبِ أصول الفقه كتاج الدين السبكي في جمعِ الجوامع وغيرُه

وكذلك الخطيبُ البغدادي الذي هو أحدُ حفاظ الحديث السبعة، ومثلُ ذلك يذكرُ الحافظُ البيهقي والإمامُ الحافظُ ابنُ الصلاح، هذا وقد بيّنوا أنهم يقبلون بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لكنهم إجماعًا لا يقبَلون بالحديث المكذوب الذي يُعارضُ الإجماع يُعارضُ الكتاب والسنة.

كان الإمام أحمد يقول إذا رَويَنا الضعيفَ بالفضائل تساهَلنا وأما في الأحكام فنتشَدّد، أما هذا الذي يروونَه فليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم هذا فيه مخالفةٌ للنصوص القطعية، فيه مخالفةٌ للقرآنِ الكريم ولحديث النبيّ عليه الصلاة والسلام.

ذكر الشيخ عبدُ الله الغُماري رحمه الله في هذا المضمار فقال “وما يوجَدُ في كتب المولد النبوي مِن أحاديثَ لا خِطامَ لها ولا زِمام هي من الغلوّ الذي نَهى اللهُ ورسولُه عنه وتحرُمُ قراءةُ تلك الكتب -أي التي فيها الشىء المكذوب- ولا يُقبَلُ الاعتذارُ عنها بأنها في الفضائل-لأن الفضائل يثُتساهلُ فيها برواية الضعيف- أما الحديثُ المكذوب فلا يُقبَلُ في الفضائلِ أجماعًا بل تحرُمُ قراءتُه وروايتُه.

قال شخصٌ لواحدٍ من هؤلاء: أنت تريدُ أن تقول بأنّ أبا لهب يُخفّفُ عنه لأنه أعتق ثويْبة فرَحًا بمولودٍ وُلِدَ لأخيه، فنقول: هو ما أعتقَها لأنه جاء رسولُ الله إنما وُلِدَ مولودٌ لأخيه، ثم لو كان الأمرُ كذلك نقولُ له فماذا تقول على قولِك فرعون الذي تربّى موسى عليه السلام في بيته على قولِك ماذا يستحق؟ هل يستحقّ الفردوسَ الأعلى؟؟؟

حتى إنّ بعضَ مَن انتسبَ إلى التصوّف والتصوفُ من مقالِه بريء قال مدّعِيًا محبةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه خالف القرآنَ الكريم، قال في أبي لهب والعياذ بالله إذا كان هذا كافرًا جاء ذمُّه وتبَّتْ يداه وفي الجحيمِ مُخَلَّدًا أتى في يومِ الاثنينِ أنه دائمًا

هو يقولُ عنه بأنه كافر يُقرُّ بذلك ثم بعد ذلك يخالفُ صريحَ القرآن ويقول: يُخفَّفُ عنه للسرورِ بأحمدَ

ثم يقول: فما الظنُّ بالعبدِ الذي طولَ عمرِه بأحمدَ مسرورًا ومات موَحِّدًا

فردّ عليه بعضُ مشايخِ أهلِ السنة فقال:

تبّتْ يدا مَن سبَّ حِبي أحمدَا       فغدَا يُرى وفي الجحيمِ مُخَلَّدَا

فاقرَأ هُدِيتَ فلا يُخَفَّفُ عنهمُ       حتى ولو سُرَّ الشقيُّ بأحمدَا

فالدينُ لا يُؤخَذُ مِن رؤيا ولا    من قولِ شخصٍ للمهيْمِنِ عاندَا

أما المنامُ قضيةٌ مشبوهةٌ          مجهولةُ الرّائي لِما قد وَردَا

ما جاء ذلك عن النبيِّ لعمِّه      حتى ولا رؤيا كي تُسْنَدا

هيّا احتفِلْ يا صاحي في يومِ الذي    أبدًا بنصرِه اللهُ كان مُؤَيِّدَا

صلى الإلهُ على النبيِّ وسلمَّ         ما أنشدَ الشادي وحادٍ غرَّدَا 

نسألُ اللهَ تعالى أن ينفعَنا بنبيِّنا صلى الله عليه وسلم وبمولِده الشريف وأن يرزقَنا التمسكَ بهديِه صلى الله عليه وسلم

سبحانك اللهم وبحمدِك نشهدُ أنْ لا إله إلا أنت نستغفركَ ونتوبُ إليك سبحان ربك رب العزةِ عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدِنا محمد وعلى آلهِ وأصحابه الطيبين الطاهرين.