التَّقْوَى
قَالَ الإِمَامُ الْهَرَرِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ ءَادَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ فَالْعَيْنُ تَزْنِى وَزِنَاهَا النَّظَرُ وَالْيَدُ تَزْنِى وَزِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ تَزْنِى وَزِنَاهَا الْخُطَى وَاللِّسَانُ يَزْنِى وَزِنَاهُ الْمَنْطِقُ وَالْفَمُ يَزْنِى وَزِنَاهُ الْقُبَلُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ. النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ أَىْ بِتَلَذُّذٍ لِلأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ وَتَكْلِيمُهَا لِيَتَلَذَّذَ بِهَذَا الْكَلامِ حَرَامٌ وَلَمْسُهَا بِدُونِ حَائِلٍ أَيْضًا حَرَامٌ. أَغْلَبُ الْبَشَرِ لا يَسْلَمُونَ مِنْ هَذَا، وَأَكْثَرُ هَذَا كُلِّهِ النَّظَرُ زِنَا الْعَيْنِ. بَعْضُ النَّاسِ يُكَلِّمُونَ خَطِيبَتَهُمْ قَبْلَ الْعَقْدِ بِشَهْوَةٍ بِتَكْلِيمِهَا يَتَلَذَّذُونَ هَذَا أَيْضًا حَرَامٌ. لَكِنْ كُلُّ هَذَا مِنَ الصَّغَائِرِ. إِذَا تَوَضَّأَ الشَّخْصُ وُضُوءًا شَرْعِيًّا مَعْنَاهُ الْفَرْضُ مَعَ السُّنَّةِ تَذْهَبُ مَعَاصِى الْعَيْنِ مَعَ الْمَاءِ تَنْزِلُ. عِنْدَمَا يَغْسَلُ وَجْهَهُ مَعَ هَذَا الْمَاءِ تَنْزِلُ مَعَاصِى الْعَيْنِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ الإِنْسَانُ إِذَا أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَمَا بَيْنَ رَبِّهِ فَلا يُبَالِ بِالنَّاسِ، قَالَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَمَا بَيْنَ رَبِّهِ فَلا يُبَالِ بِالنَّاسِ مَعْنَاهُ إِذَا كُنْتَ فِى حَالَةِ الرِّضَى عِنْدَ اللَّهِ تُطِيعُهُ فِيمَا أَمَرَ وَتَنْتَهِى عَمَّا نَهَى وَتَقُومُ بِالْوَاجِبِ فِى حَقِّ نَفْسِكَ وَفِى حَقِّ غَيْرِكَ مِنَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَأَنْتَ بِخَيْرٍ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ رَضِىَ النَّاسُ عَنْكَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ حَظُّ الأَغْنِيَاءِ مِنَ التَّقْوَى قَلِيلٌ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ عَلامَةِ الْمُفْلِحِ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاعْتِنَاؤُهُ بِذَلِكَ فَوْقَ اعْتِنَائِهِ بِالنَّوَافِلِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ الْقُرْبُ الْحَقِيقِىُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْقُرْبُ النَّافِعُ الَّذِى تَعْلُو بِهِ الدَّرَجَاتُ هُوَ تَقْوَى اللَّهِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ تَرْكُ مَعْصِيَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عَمَلِ أَلْفِ حَسَنَةٍ الَّذِى يَكُفُّ نَفْسَهُ عَنْ مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ اللَّهِ أَعْلَى دَرَجَةً مِنَ الَّذِى يُوَاقِعُ الْمَعَاصِىَ وَيُكْثِرُ مِنَ النَّوَافِلِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَامِلُوا اللَّهَ بِحُسْنِ النِّيَّاتِ وَاتَّقُوهُ فِى الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْعَدُ الْخَلْقِ فِى هَذِهِ الْحَيَاةِ هُوَ مَنْ وُفِّقَ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَدَّى الْوَاجِبَاتِ وَوُفِّقَ لِاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ فَاجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ هَذَا أَسْعَدُ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ أَرْضَى خَالِقَهُ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَالِمُ التَّقِىُّ لَهُ هَيْبَةٌ، لَوْ كَانَ وَحْدَهُ يَمْشِى بَيْنَ النَّاسِ لَهُ هَيْبَةٌ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّهُ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَحْفَظَ جَوَارِحَهُ عَيْنَهُ وَلِسَانَهُ وَيَدَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ. كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لا يَحْفَظُونَ أَلْسِنَتَهُمْ فِى هَذَا الزَّمَنِ إِذَا غَضِبُوا يَسُبُّونَ اللَّهَ يَسُبُّونَ الدِّينَ وَبَعْضُهُمْ فِى حَالِ الْمَزْحِ يَكْفُرُ وَلا يَشْعُرُ أَنَّهُ يَكْفُرُ، كُلُّ كَلامٍ فِيهِ اسْتِخْفَافٌ بِالرَّسُولِ أَوْ بِاللَّهِ أَوْ بِشَرِيعَةِ اللَّهِ فَهُوَ كُفْرٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ يَكْفُرُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَتْرُكَ الإِسْلامَ وَيَنْتَقِلَ إِلَى غَيْرِهِ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَيْنَا أَنْ نَحْفَظَ أَيْدِيَنَا وَأَلْسِنَتَنَا وَقُلُوبَنَا مِنْ هَذِهِ الْمَعَاصِى. اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ فِينَا الْيَدَ وَالْفَمَ وَالرِّجْلَ وَالْقَلْبَ لِنَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ بِالطَّاعَاتِ وَيَكُونُ لَنَا الثَّوَابُ إِنِ اسْتَعْمَلْنَا هَذِهِ الأَشْيَاءَ فِى طَاعَةِ اللَّهِ وَإِنِ اسْتَعْمَلْنَاهَا فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ صَارَتْ وَبَالًا عَلَيْنَا. هَذِهِ الْجَوَارِجُ خَلَقَهَا اللَّهُ فِينَا أَمَانَةً أَىْ لِنُسْأَلَ عَنْهَا فِى الآخِرَةِ إِنِ اسْتَعْمَلْنَاهَا بِالْخَيْرِ وَإِنِ اسْتَعْمَلْنَاهَا فِى الْمَعْصِيَةِ. الرَّسُولُ أَخْبَرَ فِى حَدِيثِهِ الَّذِى هُوَ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الأَنَامِلَ تُسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُسْتَنْطَقُ أَىْ فَتَنْطِقُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ كَمَا يَنْطِقُ اللِّسَانُ ذَلِكَ الْيَوْمَ هَذِهِ الأَنَامِلُ تَنْطِقُ بِمَا فَعَلَ الشَّخْصُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ الَّذِى يَسْتَعْمِلُهَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَشْهَدُ لَهُ.
وَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة]. خَيْرُ مَا يَتَزَوَّدُهُ الإِنْسَانُ فِى هَذِهِ الْحَيَاةِ تَقْوَى اللَّهِ. مَعْنَى التَّقْوَى أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ الَّتِى فَرَضَهَا اللَّهُ وَتَجَنُّبُ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِى حَرَّمَهَا اللَّهُ. ثُمَّ التَّقْوَى لا تَكُونُ إِلَّا بِالْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الْعَقِيدَةِ لا يَكُونُ تَقِيًّا مَهْمَا عَمِلَ مِنَ الطَّاعَاتِ مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَحَجٍّ وَزَكَوَاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
بَعْضُ هَؤُلاءِ الْفِرَقِ الَّتِى شَذَّتْ بَعْضُهُمْ وَصَلُوا إِلَى الْكُفْرِ خَرَجُوا مِنَ الإِسْلامِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ لَكِنَّهُمْ خَرَجُوا وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا مِنَ الإِسْلامِ لَكِنَّ عَقِيدَتَهُمْ هَذِهِ مَعْصِيَةٌ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ مَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ ﷺ وَالصَّحَابَةُ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَقِيدَتُنَا الْعَقِيدَةُ الَّتِى كَانَ عَلَيْهَا الرَّسُولُ وَالصَّحَابَةُ ثُمَّ تَنَاقَلَهَا الْمُسْلِمُونَ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.
أَهْلُ بَيْتِ الرَّسُولِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى هَذِهِ الْعَقِيدَةِ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.