الأحد نوفمبر 9, 2025

قال المؤلف رحمه الله: [والاستطاعة مع الفعلِ وهِيَ حقيقة القُدرَةِ التي يكونُ بها الفِعلُ ويقعُ هذا الاسمُ على سلامةِ الأسبابِ والآلاتِ والجَوَارِحِ وصحةُ التكليفِ تَعتَمِدُ هذه الاستطاعة وَلا يُكَلَّفُ العبدُ بما ليسَ في وُسعِهِ].

(الشرحُ): أنَّ الاستطاعةَ لها إطلاقان الإطلاق الأول هو الاستطاعة التي يوصف بها العبدُ وتكون مقترنة بالفعل وهِيَ صفةٌ يخلقها اللهُ تعالى عند قصدِ العبدِ اكتسابَ فعلٍ ما بعد سلامة أسباب الفعل وءَالاتِهِ كاللسان واليد فيخلق اللهُ تعالى في العبدِ القدرةَ على فعلِهِ خيرًا كان أو شرًّا وتكون هذه القدرةُ مِنْ حيثُ الزمانُ مقترنةً بفعلِ العبد لا سابقةً عليه ولا متأخِّرةً عنه فيكونُ استعمالُهُ هذه القدرة لفعل الشر بمشيئتِهِ واختيارِهِ ويستحقُّ على ذلك الذم والعقاب.

والإطلاقُ الثانِي هو سلامة الأسباب والآلات والجارح وذلك كما في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [ءال عمران: 97] فُسِّرت استطاعة السبيل بالزاد والراحلة وهِيَ متقدمةٌ على الفعل.

وقوله: [وصحةُ التكليفِ تَعتمِدُ هذه الاستطاعة] يعنِي أنَّه إنما يُكلَّفُ بالفعلِ مَنْ كان متَّصِفًا باستطاعةِ فعلِهِ بالمعنَى الثاني الذي هو سلامةُ الآلاتِ فإنَّ اللهَ تعالى لا يُكَلِّفُ العبدَ إلَّا ما فشي وسعِهِ. قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فلم يُكَلَّفِ العبدُ بما ليسَ فِي وسعِهِ سواءٌ فِي ذلك ما كان ممتنعًا في نفسه كاجتماع الضدين أو ممكنًا في نفسه لكن لا يمكن للعبد كخلق الجسم فإن هذين كليهما لا يصح تكليف العبد بهما، وأما ما يمتنع بمعنى أن الله تعالى علم وأراد خلافه كإيمانِ الكافر وطاعة العاصِي فلا نزاع في وقوع التكليف به لكونه مقدورًا للمكلف بالنظر إلى نفسه وسلامةِ ءَالاتِهِ فيصح تكليفُ العبدِ بهِ وإن كان المرجِعُ في وقوعِ هذا الشَّيْءِ منه أو عدم وقوعه إلى موافقة إرادة الله تعالى وعلمِهِ.

قال المؤلف رحمه الله: [وما يُوجَدُ مِنَ الألم في المضرُوب عَقيبَ ضَربِ إنسان والانكسارِ في الزُّجاجِ عقيبَ كَسرِ إنسانٍ وما أشبَهه كُلُّ ذلكَ مَخلوقُ الله تعالى لا صُنعَ للعبدِ في تخليقِهِ].

(الشرحُ): أنَّ ما ذكره المصنف رحمه الله داخلٌ في الممكناتِ العقليةِ وما كان جائزَ الوجودِ عقلًا يستحيل حصوله بغير تخليق الله تعالى فيمتنع من العبد أن يحدثه من العدم فعلى ذلك يكون الألم الذي يحصل في المضروب عَقِيب ضرب الضارب بخلق الله تعالى ليس بخلق العبد وكذلك الانكسار في الزجاج عَقِيب كسر إنسان فهو إنما يقع بتخليق الله تعالى ليس من العبد بمعنى الإحداث من العدم، وكذلك ما أشبهه كالموت عقيب القتل فإذا قتل إنسان شخصًا فهذا القتل ليس القاتلُ أحدثه بمعنى الإخراج من العدم بل هو بفعل الله تعالى وتكوينه وذلك لِمَا ثبت أن الله تبارك وتعالى هو المنفرد بالإحداث من العدم إلى الوجود ولذلك قال المؤلف: [لا صنع للعبد في تخليقه].