قال المؤلف رحمه الله: [والخلافةُ ثلاثونَ سنةً ثُمَّ بعدَها ملكٌ وإمارةٌ].
(الشرحُ): أنَّ مدةَ الخلافةِ الراشدةِ بعد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثونَ سنةً تنتهِي بانتهاءِ خلافةِ الحسنِ لأنَّ الحسنَ بنَ علِيٍّ استُخْلِفَ بعد أبيه واستمر خليفةً ستة أشهر ثم تنازل لمعاوية بن أبي سفيانَ حقنًا لدماءِ المسلمين وبتنازلِهِ انتهتِ السّنون الثلاثون ثم يَلِي تلك الخلافةَ حكامٌ يحصلُ منهم ظلمٌ في الأحكام كما يدلُّ على ذلك ما رواه ابن حبان وغيره الخلافة بعدِي ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا اهـ. وفي بعض الرواياتِ عند أبي داود وغيرِهِ ملكًا عضوضًا أيْ ظالمًا. وهذا لا ينفِي تَوَلِّي بعضِ الحكامِ الأتقياءِ العادلين لكنهم يكونون قلةً بالنسبةِ للظلمةِ.
قال المؤلف رحمه الله: [والمسلمون لا بُدَّ لهم مِن إمَام ليَقُوم بتنفيذِ أحكامِهِم وإقامَةِ حُدُودِهِم وسَدّ ثُغورِهم وتجهيزِ جيوشِهِم وأخذِ صَدَقَاتِهِم وقهرِ المتغلبَةِ والمُتَلصّصَةِ وقُطّاعِ الطَّرِيقِ وإقامةِ الجُمَع والأعيادِ وقطعِ المُنَازَعَاتِ الواقِعَةِ بينَ العبَادِ وقَبُولِ الشَّهَادَاتِ القائمَةِ علَى الحُقوقِ وتَزويجِ الصغارِ والصغائِرِ الذين لا أولياءَ لهم وقِسْمَةِ الغَنَائِمِ ونحوِ ذلكَ].
(الشرحُ): أنه لا بدَّ للمسلمين مِن إمامٍ يقومُ بالأمورِ التي لا يقومُ بها ولا يتولاها ءَاحَادُ الأمة ويجب أن يكون الخليفة على المسلمين شخصًا واحدًا كما كان الخلفاء الراشدون في عهدهم. قال التفتازانِيُّ فإن قيل لِمَ لا يجوز الاكتفاءُ بذِي شوكةٍ في كل ناحية ومن أين يجب نَصْبُ مَن له الرئاسة العامة، قلنا لأنه يؤدِّي إلى منازعاتٍ ومخاصماتٍ مُفضيةٍ على اختلافِ أمر الدين والدنيا كما نشاهده في زماننا هذا اهـ. ثم قالَ فإن قيل فَلْيُكْتَفَ بذِي شوكة له الرئاسة العامة إمامًا كان أو غيرَ إمامٍ فإنَّ انتظام الأمن يحصل بذلك كما في عهد الأتراك قلنا نعم يحصل بعضُ النظام في أمر الدنيا ولكن يختلُّ أمرُ الدين وهو المقصود الأهم والعمدة العُظْمَى اهـ.
قال المؤلف رحمه الله: [ثُمَّ يَنبغِي أنْ يكونَ الإمامُ ظَاهرًا لا مُختفيًا ولا مُنتظرًا، ويكونَ من قريشٍ ولا يجوزُ من غيرِهِم، ولا يختصُّ ببنِي هاشمٍ وأولادِ عليٍّ رَضِيَ الله عنه].
(الشرحُ): أنَّ الإمامَ لا بدَّ أنْ يكونَ ظاهرًا حتَّى يُرْجَعُ إليه فيقوم بالمصالح ليحصل معه الغرض من نصب الإمام فلا ينبغِي أن يكون مختفيًا عن أعين الناس أيْ ملتزمًا الاختفاء لأن ذلك ينافِي المقصود مِن الإمامة.
كما أنه ليس مِن شأن الإمام أن يكون مُنتَظَرًا يعنِي مختفيًا عن الناس يُنتظر خروجه عند تغير حال الزمان وانقطاع مواد الشر والفساد وانحلال مظالم أهل الظلم والعناد.
ويجبُ أن يكون مِن قريش ولا يجوز من غيرهم وذلك لحديثِ النسائيِّ والبيهقيِّ وغيرِهِما الأئمةُ من قريش اهـ. لكن هذا ما دام فيهم من هو صالح للإمامة فإذا فُقد فيهم مَن هو صالحٌ لذلك فيجوز أ، يتولى الإمامة غيرُه. وإنما خصَّ الشرع قريشًا بهذا الأمر لأنَّ قريشًا أقوى نُبْلًا في الرَّأْيِ مِن غيرهم.
قال المؤلف رحمه الله: [ولا يُشتَرَطُ في الإمامِ أن يكونَ معصُومًا].
(الشرحُ): أنه ليس من شرط الخليفة أن يكون معصومًا كما يجبُ ذلك للأنبياء.
قال المؤلف رحمه الله: [ولا أن يكونَ أَفضَل أَهلِ زَمَانِهِ].
(الشرحُ): أنه لا يُشترَطُ أنْ يكونَ الخليفةُ أتقَى أهلِ زمانِهِ ولا أعلمهم ولا أشجعهم ولا أقضاهم ولا أفضلهم. قال التفتازانيُّ وذلك لأنَّ المُسَاوِيَ في الفضيلة بل المفضول الأقل علمًا وعملًا ربما كان أعرفَ بمصالح الإمامة ومفاسدها وأقدر على القيام بمواجبها خصوصًا إذا كان نصبَ المفضولِ أدفعَ للشرِّ وأبعد عن إثارة الفتنة ولِهَذا جعل عمر رضيَ الله عنه الإمامة شُورى بين ستةٍ مع القطع بأن بعضَهم أفضلُ من البعض اهـ. أيْ ولم يُنكِرْ عليه أحدٌ مِن الصحابةِ ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: [ويُشترَطُ أن يكونَ مِن أهلِ الولايةِ المطلقةِ الكاملةِ].
(الشرحُ): أنه يعنِي بالولاية هنا التصرفُ في أمور الناس وليس المقصود الولاية التي تَسْبِقُ على بعض الأذهان وهي أن يكون الرجلُ على استقامةٍ تتبعها كراماتٌ وخوارقُ إنما الشرطُ في الخليفةِ أن يكون مسلمًا قُرَشِيًّا عدلًا ذكرًا عاقلًا حرًّا بالغاً عالمًا الْعِلْمَ المُؤَدِّيَ إلَى الِاجْتِهَادِ في النَّوَازِلِ وَالأَحْكَامِ سليمَ الْحَوَاسِّ مِن السَّمْعِ وَالبَصَرِ وَاللِّسَانِ سليمَ الأَعْضاءِ مِن نقْصٍ يَمْنَعُ عَنِ اسْتِفَاءِ الحَرَكَةِ وَسُرْعَةِ النُّهُوضِ راجحَ الرَّأْيِ الْمُفْضِي إِلَى حُسنِ سِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ وتَدْبِيرِ الْمَصَالِحِ شجاعًا ذا نَجْدَةٍ مُؤَدِّيَةٍ إِلَى حِمَايَةِ البَيْضَةِ وَجِهَادِ الْعَدُوّ لا امرأةً لأنَّ النساء ناقصاتُ عقلٍ ودِينٍ ولا صبيًّا ومجنونًا لأنهما قاصران عن تدبير الأمور.
قال المؤلف رحمه الله: [سَائِسًا].
(الشرحُ): أنَّ المقصودَ مِن قوله: [سائسًا] أنْ يكونَ مقتدرًا على التصرف في أمور المسلمين بقوة رأيه ورويّته ومعونة بأسِهِ وشوكتِهِ.
قال المؤلف رحمه الله: [قادرًا على تَنفيذِ الأحكامِ وحِفظِ حُدودِ دَارِ الإسلامِ وإنصافِ المظلومِ مِن الظَّالِمِ].
(الشرحُ): أنه لا يكفِي كونُ الخليفةِ صالحًا لأن مِن الصلحاء مَن ليس له اهتداءٌ إلى تدبير شؤون البلاد بل لا بُدَّ أنْ يكونَ قادرًا على إنفاذِ أحكامِ الشَّرعِ وما يُؤدِّيه إليه اجتهادُهُ في السياسةِ.
قال المؤلف رحمه الله: [ولَا يَنعَزِلُ الإمامُ بالفِسقِ والجَوْرِ].
(الشرحُ): أنه لا يُشترط أن يستمرَ الإمامَ على صفةِ العدالةِ لأن أغلبَ الذين توَلَّوا أمور المسلمين لم يسلموا مِن خوارم العدالة ومع ذلك فجمهور المسلمين أقروهم على ولايتهم فإذا فسقَ أو ظلمَ بعدما تَوَلَّى لم ينعزلْ لذلك لحديثِ البخاريِّ عن عبادةَ بنِ الصامتِ أنه قال بايعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعةِ في مَنشطِنا ومَكرهِنا وعُسرِنا ويُسرِنا وأثرَةٍ علينا وأن لا نُنازع الأمر أهلَهُ إلا أنْ تَرَوْا كفرًا بَواحًا عندكم من الله فيه برهان اهـ.
قال المؤلف رحمه الله: [وتجوزُ الصلاةُ خَلفَ كُلّ بَرٍّ وَفاجِرٍ].
(الشرحُ): أنَّ البَرَّ هو العدلُ والفاجرُ خلافُهُ وهو هنا المسلم الفاسقُ. يعنِي أن القدوة في الصلاة بالمسلم الفاسق صحيحةٌ كما أنها صحيحةٌ خلف البَرِّ أيِ العدل وسواءٌ كان سببُ الفسق الأعمالَ أو الاعتقادَ كالبِدْعِيِّ الذِي لم يصل إلى حد الكفر، أما البدعيُّ الذي وصل إلى حدِّ الكفر كالقدريِّ فلا تصِحُّ الصلاة خلفه.
قال المؤلف رحمه الله: [ويُصَلّى على كُلّ بَرٍّ وفَاجِرٍ].
(الشرحُ): أنه إذا مات المسلم الفاجر تجب الصلاة عليه كما تجب على المسلم البَرِّ.