الخميس نوفمبر 7, 2024
    • الألباني يَكذب على رسول الله :

    قال الألباني في كتابه «التوسل» ما نصّه([1]): «ثمة أمر يجب تبيانه، وهو أن النبيّ وإن أقر الصحابة في غزوة الحديبية وغيرها على التبرك بآثاره والتمسح بها، وذلك لغرض مهم إلا أن الذي لا يجوز التغافل عنه ولا كتمانه أن النبيّ بعد تلك الغزوة رغّب المسلمين بأسلوب حكيم وطريقة لطيفة عن هذا التبرك وصرفهم عنه، وأرشدهم إلى أعمال صالحة خير لهم منه عند الله تعالى وأجدى، وهذا ما يدل عليه الحديث الآتي: عن عبد الرحمـٰن بن أبي قراد  أنّ النبيّ توضأ يومًا فجعل أصحابه يتمسحون بوَضوئه، فقال لهم النبيّ : «ما يحملكم على هذا؟» قالوا: حب الله ورسوله، فقال النبيّ : «من سرَّه أن يُحبَّ اللهَ ورسولَه، أو يُحبَّه اللهُ ورسولُه، فليصدقْ حديثَه إذا حدّث، وليؤدِّ أمانتَه إذا اؤتُمن، وليحسنْ جوارَ مَن جاورَه»». انتهى كلام الألباني بحروفه.

    الرَّدُّ:

    • نسب هذا الرجل إلى النبيّ ما هو بريء منه جزمًا وقطعًا، لأنه عليه الصلاة والسلام أرشد الصحابة ورغّبهم في التبرك بآثاره في حجة الوداع التي ما عاش بعدها إلا نحو ثمانين يومًا، أي: كان ترغيبه لهم في ءاخر أيامه عليه الصلاة والسلام، فعندما حلق شعره وزّعه بنفسه بين بعض أصحابه، وأعطى بعضًا لأبي طلحة ليوزعه على سائرهم، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
    • استدلال الألباني بالحديث غريب عجيب لم يسبقه إليه أحد من قبل من أهل الحديث والعلم والفهم السليم، وليس له دليل عقلي معتبر ولا دليل نقلي ثابت على ما ادعاه، وليس فيه ما زعمه؛ بل الألباني بنى حكمًا على ما توهّمه بوهمه الفاسد، وما بُني على فاسد فهو فاسد، فقد جعل مفهوم الحديث مخالفًا لمنطوقه، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يرغِّبهم بترك التبرك؛ بل ذكر لهم بعض صفات حبيب الله.

    أما الأدلة الداحضة لزعمه وافترائه على النبي الدالة على جواز التبرك والتمسح بآثاره في حال حياته وبعد مماته فكثيرة، لا سيما ما حصل بعد غزوة الحديبية وبعد وفاته .

    روى البخاري([2]) ومسلم([3]) واللفظ له من حديث أنس بن مالك  قال: لـمّا رمى رسولُ الله الجمرة، ونحر نسكه، وحلَق، ناول الحالقَ شِقّه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إيّاه، ثم ناوله الشّقّ الأيسر فقال: «احلِقْ» فحلقه فأعطاه أبا طلحة الأنصاري فقال: «اقسِمْهُ بين الناسِ»، وفي رواية لمسلم من حديث أنس أيضًا: «فقَسَمَ شعره بين من يليه، ثم أشار إلى الحلّاق وإلى الجانب الأيسر فحلقه فأعطاه أم سليم»، وفي رواية لمسلم عن أنس: «فوزّعه الشَّعَرة والشَّعَرَتَيْن بين الناس، ثم قال([4]) بالأيسر، فصنع به مثل ذلك ثم قال: «ههنا أبو طلحة» فدفعه إلى أبي طلحة». فهذا الحديث صريح بأن الرسول ما قسم شعره بين الناس إلا ليتبركوا به في حياته وبعد وفاته، وهذا حصل في حجة الوداع قبل وفاة النبيّ بنحو ثمانين يومًا.

    فاتضح أن الألباني ليس له إلمام بالحديث، وإن زعم أنه محدّث!

    ومن أدلة جواز التبرك بآثار النبيّ بعد وفاته ما أخرجه مسلم في صحيحه([5]) عن عبد الله بن كيسان مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قال: «أخرجت إليَّ (أي: أسماء) جبّة طَيَالِسَةً كسرَوانية لها لِبْنَة ديباج وفَرْجَيْها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قُبضَتْ، فلمّا قُبضت قبضتُها، وكان النبيّ يلبَسُه فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها».

    فلو كان الصحابة  فهموا من رسول الله ترك التبرك بآثاره، ما كانوا يتسابقون إلى التبرك بهذه الآثار، ولنا على ما ذكرناه أدلة كثيرة تجدها في كتاب صريح البيان([6]) لشيخنا العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله تعالى.

    فظهر أن الألباني لا علمَ له بالسُّنَّة، وإن زعم أنه أمضى عشرات السنين في خدمة السُّنَّة، وظهر أن ما نسبه إلى النبيّ لا أصل له بل هذا تزوير وغش وخداع وتلبيس على المسلمين، فالحديث المذكور آنفًا من قِبَل الألباني ليس فيه أي دليل على ما قال، ولم يقل بمقولته أحد من شرَّاح هذا الحديث؛ فالحذر الحذر.

    والألباني بهذا خالف علماء الحديث والفقهاء والعبَّاد في تحريمه التبرك بالأنبياء والأولياء، وكلُّ المحدّثين المتقدمين والمتأخرين على جواز ذلك، يرون ذلك عملًا حسنًا عندما يترجمون للمحدّثين فكثيرًا ما يذكرون: «وقبره هناك يزار ويتبرك به»، وقد يكتبون «وتجاب الدعوة عنده»، فكتب علماء الحديث التي ألفوها في طبقات المحدثين طافحة بذلك. وقال أحمد بن حنبل  عن التبرك بمس قبر النبي ومنبره تقربًا إلى الله. لا بأس، يعني: جائزًا، نقل ذلك عنه ابنه عبد الله في كتاب «العلل ومعرفة الرجال»([7]). وهذا عمل المسلمين علمائهم وفقهائهم من غير خلاف في استحسان ذلك حتى جاء ابن تيمية الذي توفي في القرن الثامن الهجري فحرَّم ذلك وجعله شركًا([8]) فتبعه الألباني وطائفته.

    [1]() الألباني، الكتاب المسمّى التوسل أنواعه وأحكامه (ص162).

    [2]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب: الماء الذي يغسل به الإنسان (1/75).

    [3]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب: بيان أن السُّنَّة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق (4/82).

    [4]() أي: فَعل.

    [5]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء (6/139).

    [6]() عبد الله الهرري، صريح البيان في الرد على من خالف القرءان (ص296 وما بعدها).

    [7]() أحمد بن حنبل، العلل ومعرفة الرجال (2/492).

    [8]() البهوتي، كشاف القناع (2/68) عن ابن تيمية.