الجمعة يوليو 26, 2024
          • الألباني يمنع سُنَّة الجمعة القبلية قبل الجمعة وبعد الأذان بحجة أنها بدعة:

          خالف الألباني الأحاديثَ الصحيحة فمنع الصلاة قبل الجمعة، بحجة أنها بدعة وأنها خلاف السُّنَّة حيث قال([1]): «وإن قصد الصلاة بين الأذان المشروع والأذان المحدث تلك التي يسمونها سُنَّة الجمعة القبلية لا أصل لها في السُّنَّة، ولم يقل بها أحد من الصحابة والأئمة».اهـ.


           

          الرَّدُّ:

          ذكر الحافظ زين الدين العراقي في «شرح الترمذي»([2]) أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يُصلّي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا. قال الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير»([3]): «فائدة: لم يذكر الرافعي في سُنّة الجمعة التي قبلها حديثًا، وأصح ما فيه ما رواه ابن ماجه عن داود بن رشيد، عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وعن أبي سفيان عن جابر قال: جاء سُلَيْك الغَطَفاني ورسول الله يخطب فقال له: «أصليتَ ركعتينِ قبل أن تجيءَ؟» قال: لا، قال: «فصلِّ ركعتينِ وتجَوَّز فيهما». قال المجد ابن تيمية([4]) في «المنتقى»: قوله: «قبل أن تجيء» دليل على أنهما سُنَّة الجمعة التي قبلها لا تحية المسجد، وتعقَّبه الـمِزي بأن الصواب: أصليت ركعتين قبل أن تجلس؟ فَصحَّفه بعض الرواة، وفي ابن ماجه عن ابن عباس: «كان النبي يركع قبل الجمعة أربع ركعات لا يفصل بينهن بشيء»، وإسناده ضعيف جدًّا، وفي الباب عن ابن مسعود وعلي في الطبراني الأوسط».اهـ.

          قال الحافظ ولي الدين العراقي عن الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه([5]): «رواه ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح».اهـ. وقال عن حديث جابر الذي رواه ابن ماجه أيضًا([6]): «قال والدي – يعني: الحافظ عبد الرحيم العراقي – رحمه الله في شرح الترمذي: وإسناده صحيح».اهـ.

          وقال الحافظ ابن حجر([7]): «وورد في سُنَّة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزار بلفظ: «كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعًا»، وفي إسناده ضعيف».اهـ. ثم قال([8]): «وعن ابن مسعود عند الطبراني أيضًا مثله، وفي إسناده ضعف وانقطاع، ورواه عبد الرزاق عن ابن مسعود موقوفًا وهو الصواب، وروى ابن سعد عن صفية زوج النبي موقوفًا نحو حديث أبي هريرة».اهـ.

          أما حديث ابن مسعود الموقوف فقد رواه عبد الرزاق([9]) في مصنفه عن معمر، عن قتادة: «أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات وبعدها اربع ركعات».اهـ. صححه الحافظ ابن حجر([10])، وروى ابن أبي شيبة([11]) أن ابن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربعًا، وأخرج عبد الرزاق([12]) أيضًا أن ابن مسعود كان يأمر بأن يُصلى قبل الجمعة أربعًا، قال الحافظ ابن حجر([13]): «ورواته ثقات».اهـ.

          وروى أبو داود وابن حبان وغيرهما([14]) عن نافع قال: «كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويُحدِّث أن رسول الله كان يفعل ذلك».اهـ. وروى ابن سعد في «الطبقات»([15]) عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن صافية سمعها وهي تقول: «رأيت صفية بنت حيي صلت أربعًا قبل خروج الإمام وصلت الجمعة مع الإمام ركعتين».اهـ.

          وروى ابن أبي شيبة([16]) عن أبي مجلز أنه كان يصلي في بيته ركعتين يوم الجمعة، وعن عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان لا يأتي المسجد يوم الجمعة حتى يصلي في بيته ركعتين، وعن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يصلون قبلها – أي: الجمعة – أربعًا.

          وقد ورد عن ابن عمر «أن رسول الله كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين» الحديث، رواه البخاري في صحيحه([17]) تحت باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها، قال الحافظ ابن حجر([18]): «ولم يذكر شيئًا في الصلاة قبلها، يعني: الجمعة، قال ابن المنيّر في «الحاشية»: كأنه يقول الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه، لأن الجمعة بدل الظهر، قال: وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر، ولذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد».اهـ. ثم قال: «وقال ابن التين: لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث، فلعل البخاري أراد إثباتها قياسًا على الظهر.اهـ. وقوَّاه الزين بن المنيَر بأنه قصد التسوية بين الجمعة والظهر في حكم التنفل كما قصد التسوية بين الإمام والمأموم في الحكم، وذلك يقتضي أن النافلة لهما سواء.اهـ. والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب، وهو ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أيوب، عن نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدّث أن رسول الله كان يفعل ذلك، احتج به النووي في «الخلاصة» على إثبات سُنَّة الجمعة التي قبلها».اهـ.

          قال الزيلعي([19]): «ولم يذكر الشيخ محيي الدين النووي في الباب غير حديث عبد الله بن مُغَفّل أن النبي قال: «بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ»، أخرجه البخاري ومسلم([20])، ذكره في كتاب الصلاة، وذكر أيضًا حديث نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدث أن رسول الله كان يفعل ذلك.اهـ. قال: رواه أبو داود بسند على شرط البخاري.اهـ. وسُنَّة الجمعة ذكرها صاحب الكتاب – في الاعتكاف – فقال: السُّنَّة قبل الجمعة اربع وبعدها أربع، وأشار إليها في إدراك الفريضة فقال: ولو أقيمت وهو في الظهر أو الجمعة فإنه يقطع على رأس الركعتين، وقيل: يتمها».اهـ.

          قال الحافظ ابن حجر([21]): «وأقوى ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه ابن حبان([22]) من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعًا: «ما من صلاةٍ مفروضةٍ إلا وبين يديها ركعتانِ»؛ ومثله([23]) حديث عبد الله بن مُغَفّل الماضي في وقت المغرب: «بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ».اهـ.

          قال ابن العربي المالكي في «شرح الترمذي»([24]): «وأما الصلاة قبلها – يعني: الجمعة – فإنه جائز».اهـ.

          ويكفي في مشروعية ركعتين قبل الجمعة فعل الصحابي الجليل ابن مسعود وابن عمر وأم المؤمنين صفية بنت حيي ، وفعل أبي مجلز وهو لاحق بن حميد تابعي جليل، وطاوس بن كيسان اليماني أحد أكابر تلاميذ ابن عباس  ومن سادات التابعين وثقاتهم، وإبراهيم بن يزيد النخعي وهو تابعي ثقة ومفتي أهل الكوفة في زمانه وإقرار سفيان الثوري وابن المبارك اللذين هما من أكابر العلماء العاملين، ويكفي تصحيح الحافظ الثقة الثبت الزين العراقي شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني للحديث وغيره.

          لقد خالف الألباني في هذا زعيمه الحراني ابن تيمية المجسم الذي يُسميه شيخ الإسلام، فقد أجاز ابن تيمية صلاة النافلة قبل الجمعة فقال: «فمن فعل لم يُنكر عليه»، كما نقل عنه صاحب الإنصاف الحنبلي([25])، وتبين بذلك التذبذب والاختلاف بين الألباني وزعيمه الحرَّاني ابن تيمية.

          ولقد تبيّن من هذا الرد المختصر مشروعية صلاة النافلة قبل صلاة الجمعة من أقوال أهل العلم والمعرفة، وبهذا أكون قد فنّدت قول الألباني: «إن سُنَّة الجمعة القبلية لا أصل لها في السُّنَّة الصحيحة، وإنه لم يقل أحد من الأئمة بها؛ بل هو أمر محدَث».

          [1])) الألباني، الكتاب المسمّى الأجوبة النافعة (ص41).

          [2])) ولي الدين العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب (3/42).

          [3])) ابن حجر العسقلاني، التلخيص الحبير (2/74).

          [4])) وهو جد أحمد ابن تيمية المشبه، وكان فقيهًا حنبليًّا.

          [5])) ولي الدين العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب (3/42).

          [6])) ولي الدين العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب (3/42).

          [7])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (2/426).

          [8])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (2/426).

          [9])) مصنف عبد الرزاق (3/247).

          [10])) ابن حجر العسقلاني، التلخيص الحبير (2/74).

          [11])) مصنف ابن أبي شيبة (1/463).

          [12])) مصنف عبد الرزاق (2/247).

          [13])) ابن حجر العسقلاني، الدراية في تخريج أحاديث الهداية (ص218).

          [14])) أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة، باب: الصلاة بعد الجمعة (1/438)، وابن حبان في صحيحه الإحسان (4/84)، وابن خزيمة في صحيحه (3/168)، وأحمد في مسنده (2/103).

          [15])) ابن سعد، طبقات ابن سعد (8/491).

          [16])) مصنف ابن أبي شيبة (1/463).

          [17])) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة وقبلها (1/317).

          [18])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (2/426).

          [19])) الزيلعي، نصب الراية لأحاديث الهداية (2/207).

          [20])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب: بين كل أذانين صلاة (1/255)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: بين كل أذانين صلاة (2/212).

          [21])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (2/426).

          [22])) ابن حبان، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/77، 78).

          [23])) ابن حبان، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/48، 49، 7/523).

          [24])) أبو بكر بن العربي، شرح الترمذي المسمّى عارضة الأحوذي (2/312).

          [25])) المرداوي الحنبلي، الإنصاف (2/406).