السبت يوليو 27, 2024
            • الألباني يشذّ عن الجمهور فيحكم على نفسه بأنه ليس معهم:

            يقول الألباني في تعليقه على قول الطحاوي «ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة» بقوله([1]): «يعني الشذوذ عن السُّنَّة ومخالفة الجماعة الذين هم السلف كما علمت، وليس من الشذوذ في شيء أن يختار المسلم قولًا من أقوال الخلاف لدليل بدا له، ولو كان الجمهور على خلافه خلافًا لمن وهم، فإنه ليس في الكتاب ولا في السُّنَّة دليل على أن كل ما عليه الجمهور أصح مما عليه مخالفوهم عند فقدان الدليل».اهـ. إلى أن قال: «وأما عند الاختلاف فالواجب الرجوع إلى الكتاب والسُّنَّة، فمن تبيَّن له الحق اتبعه ومن لا استفتى قلبه سواء وافق الجمهور أو خالفهم، وما أعتقد أن أحدًا يستطيع أن يكون جمهوريًّا في كل ما لم يتبيّن له الحق؛ بل إنه تارة هكذا، حسب اطمئنان نفسه وانشراح صدره، وصدق رسول الله إذ قال: «استفتِ قلبَك وإن أفتاك المفتون».اهـ.


             

            الرَّدُّ:

            إن هذه دعوة إلى ترك ما عليه جمهور الأمة، ومخالفة صريحة لحديث النبي : «عليكم بالجماعةِ، وإياكم والفرقةَ، فإن الشيطانَ مع الواحدِ، وهو من الاثنينِ أبعدُ، مَن أراد بُحبوحةَ الجنةِ فلْيلزمِ الجماعةَ»([2]).

            لم يُرد الرسول بالجماعة هنا الجماعةَ في الصلاة، إنما المعنى معنى حديث ابن حبان([3]): «ثلاثٌ لا يُغلُّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمرِ، ولزومُ الجماعةِ، فإنَّ دعوتَهم تُحيطُ مَن وراءهم».

            وقد كتبت مجلة «التمدن الإسلامي» منذ أكثر من أربعين سنة، أنه اجتمع الألباني بالمحدث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله فقال الألباني: نضع أربعة أسس: الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس، ثم بعد أن بدأ بالكلام قال: الإجماع إذا لم يكن معه نص لا أقبل، فقال له المحدث الهرري: أنت متلاعب، اتفقنا على أن الأدلة الشرعية أربعة،

             والآن جعلتها ثلاثة، فأنا لا أمضي معك على هذا، أنت تناقض نفسك، قلتَ: الأدلة الشرعية أربعة، عليها نبني المناظرة، ثم جعلتها ثلاثة.

            ودعوة الألباني أيّ إنسان أن يعمل بحديث([4]): «استفتِ قلبَك»، فيه تشجيع الجهال على ترك العمل بما عليه أهل الاجتهاد، والعمل بما تميل إليه نفوسهم، ولا يخفى أن الجاهل قد يميل قلبه إلى ما يخالف الشرع، فكيف يترك فتوى المجتهدين المعتبرين ويعمل بما تميل إليه نفسه! وهذا الحديث كان الخِطابُ فيه لوابصة بن معبد رضي الله عنه، وهو من مجتهدي الصحابة، فوابصة ومن كان مثله في الأهلية لأخذ الحكم من القرءان والحديث يأخذ بما ظهر له من الأدلة على حسب اجتهاده، وليس المراد كلَّ فرد من أفراد المسلمين، وإلا لأدَّى ذلك إلى الفوضى، قال الأفوه الأودي: [البسيط]

            لا يَصْلُحُ الناسُ فَوْضَى لا سَراةَ لَهُمْ

             

            ولا سَرَاةَ إذا جُهَّالُهم سَادوا

            والسراة: الأشراف من أهل الفهم الذين يصلحون للقيادة.

            ويعلم أنه ليس كل من سمع حديثًا له أهلية الاجتهاد، أي: استنباط الأحكام من الحديث لقوله ([5]): «نضَّر اللهُ امرأً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلَّغها، فربَّ حاملِ فقهٍ على من هو أفقهُ منه»، وفي رواية([6]): «وربَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ» فقد أفهمَ الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك أنه قد يسمع منه الشخص الحديث المتضمن للأحكام ولا يكون عنده أهلية الاستنباط، ويحمله إلى من هو أفقه منه أي إلى من له أهلية الاستنباط، وفي قوله عليه الصلاة والسلام: «وربَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ» دليل على أن الذين لا يستطيعون أن يستخرجوا الفقه من الحديث أكثر من الذين يستطيعون، وهذا موافق لقول النحويين: ربّ للتكثير كثيرًا.

            فكيف يتجرأ الألباني على تأليف فتاوى، وما هو إلا كما قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي([7]): «من لم يأخذ الحديث من أفواه العلماء لا يسمى محدثاً بل يسمّى صحفيًّا»، إنما المحدث حكا قال أبو القاسم الحسين بن هبة الله الشافعي([8]): [الكامل]

            واظبْ على جمْعِ الحَديثِ وكَتبِهِ
            واسمَعْهُ من أَربابِهِ نقلًا كما
            واعرفْ ثقاتِ رواتِه من غيرِهمْ
            فهو المفسرُ للكتاب وإنما
            فتفهَّمِ الأخبارَ تعرفْ حِلَّهُ
            وهو الـمُبيِّنُ للعبادِ بشرحِهِ
            وتتبَّعِ العالي الصحيحَ فإنه
            وتجنَّبِ التصحيفَ فيه فربما
            واتركْ مقالةَ من لحاكَ بجهْلِه،
            فكفى المحدثَ رتبة أن يُرتضى

             

            واجهَدْ على تصحيحِهِ في كُتْبِهِ
            سَمِعُوهُ منْ أشياخِهِمْ تَسْعَدْ بِهِ
            كيما تُميِّزَ صدقَه من كذْبِهِ
            نطق النبيُّ كتابَه عن ربِّه
            من حُرمِه معْ فرضِهِ من نَدْبِهِ
            سننَ النبيِّ المصطفى معْ صحبِهِ
            قُرْبٌ إلى الرحمـٰنِ تحظَ بقربِهِ
            أدى إلى تحريفِه بل قلبِهِ
            عن كتبه، أو بدعةٍ في قلْبِهِ
            ويُعدَّ من أهلِ الحديثِ وحِزْبِهِ

            والألباني لم يقرأ كتابًا في الحديث على محدّث قرأ على غيره من المحدّثين بالاتصال خلفًا عن سلف، ومع كل ذلك يدَّعي أنه محدّث، وأنه من أهل الفتوى، وهو مبتور مقطوع.

            [1])) العقيدة الطحاوية، شرح وتعليق الألباني (ص48).

            [2])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب: ما جاء في لزوم الجماعة (4/465).

            [3])) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/35).

            [4])) مسند أحمد (7/460).

            [5])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم، باب: ما جاء في الحث على تبليغ العلم (5/34).

            [6])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم، باب: ما جاء في الحث على تبليغ العلم (5/33)

            [7])) الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه (2/97).

            [8])) النووي، الترخيص بالقيام (ص57).