الجمعة يوليو 26, 2024

اعتقاد الصحابة 

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى فِي العشرين من ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة وألف من الهجرة الشريفة الموافق للرابع من شباط سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة وألف رومية وهو فِي بيان ما كان عليه اعتقاد الصحابة رضوان الله عليهم. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أمَّا بعدُ: فإن الله تبارك وتعالى يقول فِي كتابه العزيز: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ} [سورة ءال عمران: 31] محبة الله تعالى علامتها اتباع رسول الله r واتباع الرسول r يكون بالاعتقاد والفعل والقول أما الاعتقاد فهو ما تَلَقَّى عنه r أصحابُهُ ما كان عليه أصحاب رسول الله r فهو اعتقاد الرسول r، الاعتقاد الذِي كان عليه الصحابة هو اعتقاد الرسول r، كان اعتقاد الصحابة y أن الله تبارك وتعالى هو خالق كل شيء هو خالق الأعيان، أي: الأجرام وهو خالق الحركات والسكون وهو خالق النوايا والخواطر كل ذلك هو خالقه، أيْ: محدثه من العدم ولا أحد سواه يخلق شيئًا، أي: يحدث شيئًا من العدم لا فرق فِي ذلك بين الأعيان والأعمال، أي: حركات العباد وسكونهم ونواياهم فما مِن نيةٍ وقولٍ وعملٍ وحركةٍ وسكونٍ للعباد إلا وهِيَ مخلوقةٌ لله، والله خالقها ليس العبد يخلق شيئًا منها هذا اعتقاد أصحاب رسول الله r الذِي تَلَقَّوْهُ من رسول الله r، ثم هذا هو شامل لأعمال العباد التي هِيَ خير وأعمالِهم التِي هِيَ شرٌّ كلّ ذلك الله خالقه ليس للعباد خَلْقُ شيءٍ من ذلك إنما للعباد اكتسابهم، أي: توجيه إراداتهم، عندما يوجه العبد إرادته وقصده إلى شيء من الحركات والسكون يخلق الله تعالى فِي العبد تلك الحركة والسكون فلا تسمعوا لقول قائلٍ اللهُ لا يخلق الشر إنما يخلق الخير فقط هذا يوهم بعض الناس أنه ينزه الله عن القبيح لكنه شركٌ ليس تنزيهًا إنما تنزيه الله أن تُوَحِّدَهُ فِي خلق الأشياء، أي: أن تعتقد أنه لا أحد سوى الله يخلق شيئًا من أعمال العباد خيرها وشرها الله خالق الخير والشر وخالق الحسن والقبيح هو خالق الملائكة والإنس والجن وهو خالق البهائم بما فيها من القردة والخنازير وكذلك الحشرات وما فيها من الحيات والأشياء المؤذية كل ذلك خَلْقُه، خَلَقَهُ الله، خلقه لحكمة لم يخلق شيئًا باطلًا وما أدركنا الحكمة فيه فقد عَلِمْنَاهُ وما لم ندرك الحكمة فيه سَلَّمْنَا الأمر فيه إلى الله فنقول الله تعالى ما خلق هذا الشيء باطلًا إنما خلقه لحكمة لو لم ندركها لو لم ندرك تلك الحكمة اللهُ تعالى خلق هذا الشيء لحكمة هو يعلمها وهذا اعتقاد جميع الأنبياء ولا يَحيد عن هذا الاعتقاد إلا هالك. كان فيما مضى من الأديان الباطلة دين يسمّى المجوسية دين المجوسية هذا يُسنِد الأمور إلى شيئين يقولون: الله تعالى يُوجَدُ معه شيئان؛ أحدهما: نور، والآخر: ظلام هذا النور والظلام عندهم قديمان أزليان النور عندهم هو يخلق الخير ويدبر الأمور الحسنة، بتدبيره توجد الأمور الحسنة أما الظلام فهو عندهم خالق الشر فالذِي يقول الخير يخلقه الله والشر ليس الله خالِقَهُ فهو كهؤلاء المجوس ليس له فِي الإسلام نصيب. ثم نحن الذين هم أتباع رسول الله r نقول: الله خالق الخير والشر، ولا نقول: إنه يحب الشر؛ إنما نقول: الله تعالى يحب الخير، وهو خالقه، وهو خالق الشر، ولا يحبه نقول: خلق الشر وهو لا يحبه، نقول: خلق الخير وهو يحبه وأمر عباده به، أي: بالخير، أمر عباده بفعل الخير، ونقول: نَهَى عباده عن فعل الشر، فإن حصل هذا الشر فهو بخلق الله، نقول: هو يخلق الشر كما أنه يخلق الخير لكنه لا يحب الشر ولا يأمر عباده به.

ثم إن الله تبارك وتعالى وصف نفسه بأنه ليس كمثله شيء، أي: لا يشبه شيئًا سواه لا يشبه شيئًا من العوالم العلوية ولا يشبه شيئًا من العوالم السفلية لا يشبه ما فِي الأرض من أصناف العوالم والمخلوقات، ولا يشبه ما فِي السمـٰوات من ملائكة وغير ذلك هذا اعتقاد أصحاب رسول الله r أنه لا يشبه شيئًا من العالم، أي: الخلائقِ عُلْوِيِّهَا وسُفْلِيّهَا.

ومن اعتقاد أصحاب رسول الله r أن الله تبارك وتعالى يراه المؤمنون فِي الآخرة يرونه وهو لا يشبه شيئًا من الأشياء نحن نرى المخلوق إما فِي جهة الفوق، وإما فِي جهة الأسفل، وإما فِي جهة اليمين، وما فِي جهة اليسار، وإما فِي جهة الأمام، وإما فِي جهة الخلف نلتفت فنرى الشيء أما الله تعالى يراه عباده المؤمنون من غير هذه الكيفية يرون موجودًا لا كالموجودات لا يقاس بغيره، الشيء من المخلوقات إما أن تراه عن يمينك، وإما أن تراه عن يسارك، وإما تراه فوقك، وإما أن تراه تحتك. اللهُ يُرَى بغير هذه الكيفيات لأنه موجود بلا كيفية ولا مكان ونراه وهو غير متحيز بمكان ولا متكيّف بكيفية هذا اعتقاد أصحاب رسول الله r ومن قال غير ذلك فهو ضال.

هناك فريقان كلاهما ضالان، الفريق الأول: هم القائلون بأنه لا يُرى فِي الآخرة كما لا يُرى فِي الدنيا هؤلاء على زعمهم إنْ قلنا إنه يُرى جعلنا له مكانًا جعلنا له مواجهة جعلناه فِي جهة من الجهات، فيقولون الشيء لما نراه إما أن نراه أمامنا، وإما أن نراه عن أيماننا، وإما أن نراه عن يسارنا، وإما أن نراه خلفنا إذا التفتنا أو نراه أسفل منا أو نراه فوقنا والله لا يجوز عليه هذه الأوصاف فكيف تقولون إنه يرى فِي الآخرة هؤلاء ضالون نحن نقول: الله يُرى فِي الآخرةِ يراه المؤمنون فقط من غير أن يكون متحيزًا بمكان، هو قادر على أن يُرِينَنا ذاته الذي لا شبيه له من غير أن يكون متحيزًا فِي جهة اليمين أو اليسار أو خلف أو فوق أو تحت، بدون هذه الصفات يُرِينَا بقدرته تعالى ذاتَهُ، ألسنا نعلم وجوده من غير أن يكون فِي مكان ومن غير أن يكون متكيّفًا بكيفية يقولون بلى نعم، المعتزلةُ يقولون ذلك، من حيث العلم تقولن لكن من حيث الرؤية تنفِي تخالِفُ نحن نقول كما أننا نعلمه من غير أن يكون متحيزًا فِي جهة من الجهات كلك نراه فِي الآخرة من غير أن يكون متحيزًا فِي مكان أو فِي جهة أو فِي كيفية أو مُتَشَكِّلًا فِي كيفية.

ثم إن من عقائد أصحاب رسول الله r أن الله تعالى يغفر لمن يشاء من المسلمين الذنوب كلَّها إلا الكفرَ الكفرُ إن كان شركًا، أي: عبادةَ غيرِ الله وإن كان غيرَ ذلك كَسَبّ الله أو كَسَبّ رسوله أو ملك من ملائكته أو نبيّ من أنبيائه فهو ذنب لا يُغْفَر هذا لا يغفره الله أما ما سوى ذلك من الذنوب فإن الله يغفره. أصحاب رسول الله كانوا لا يُكفِرُون بذنب لا يكفرون مؤمنًا من أجل ذنب مهما كان ذلك الذنب كبيرًا أو صغيرًا حتى المنتحرُ الذي يقتل نفسه ما كانوا يرونه كافرًا؛ بل يرونه مؤمنًا مذنبًا؛ فالمنتحر عند أصحاب رسول الله r مؤمن مسلم مذنب، ثم منهم: مَن يغفر الله له، ومنهم: من يعذبه الله ثم يخرجهم من العذاب وهكذا شارب الخمر وهكذا ءاكل لحم الخنزير كلُّ هؤلاء الله يغفر لبعض منهم، من كان مسلمًا فإن الله يغفر لأهل هذه الذنوب لمن شاء ما شاء، الله يغفر لمن شاء من أهل هذه الذنوب ويعذب قسمًا منهم فيجب علينا أن نعتقد أن الله يعذب قسمًا من المسلمين العصاة بالزنى وبشرب الخمر وبأكل لحم الخنزير وبغير ذلك من الذنوب ويغفر لقسم منهم، هو يَعْلمُ المسلمين الذين يغفر لهم هذه الذنوب والذين لا يغفر لهم هو أعلم بذلك لذلك لا يجوز لنا أن نقول لمسلم يتعاطَى شيئًا من هذه الذنوب الكبيرة فلانٌ من أهل النار؛ لأنه يشرب خمرًا أو لأنه يأكل لحم خنزيرٍ لا يجوز لنا أن نقول إنه من أهل النار إنما نقول إن شاء الله تعالى يعذبه وإن شاء يغفر له هو أعلم، أما من تاب من هذه الأشياء بعد أن كان يفعلها فإننا نَجْزِمُ بأن الله يغفر له كأنه لم يعملها يغفر له يكون هذا العبد كأنه لم يعملها، من تاب أي من ندم وترك هذه الأشياء وندم فِي قلبه وعزم أن لا يعود إليها هذا كأنه لم يعملها فلا يجوز أن يقال فِي مسلم عاصٍ مهما بلغت معاصيه إنّ هذا من أهل النار فلانٌ من أهل النار لا يجوز ما يدرينا إن كان ممن سبق فِي علم الله أنّ هذا الإنسان يتوب من هذه الأشياء ويموت تائبًا أوَّابًا تَقِيًّا من الصالحين لذلك نُمسك ألسنتنا عن هذا القول مهما رأينا مسلمًا غاطسًا فِي الذنوب لا نقول هذا من أهل النار.

كذلك لا ينبغي أن نجزم بالقول بأن فلانًا من أهل الجنة لا نجزم؛ لأن الإنسان قد يتغير لا نجزم لا نعلم ما سبق له عند الله تعالى ما ندري ما سبق له فِي علم الله الأزليّ على أيّ حال يُخْتَمُ له فكثير من الناس يعيشون غاطسين فِي الذنوب ثم يتداركهم الله برحمته فيتوبون قبل أن يموتوا يُقْلِعُونَ عن تلك الذنوب فيموتون طاهرين فيكونون عند الله تعالى كأنهم لم يعملوا تلك الذنوب.

أما مَن أخبر رسول الله r بأنه من أهل الجنّة فنشهد له كأهل أُحُدٍ وأهلِ بيعة الرضوان أهلُ بيعة الرضوان كانوا ألفًا وخمسمائة بايعوا النبيّ r تحت شجرة فِي الحديبية فِي تلك الأرض التي هي بين مكة والمدينة بايعوا على أن لا يَفِرُّوا عند القتال إذا قاتل رسول الله r كفارًا أن لا يفروا بايعوه على الثبات رضي الله تبارك وتعالى عنهم فأخبر الرسول r بأنهم من أهل الجنة فهؤلاء يجب علينا أن نعتقد أن كلَّ واحد منهم من أهل الجنة ولو سُمِّيَ لنا واحدٌ منهم فقلنا إنه من أهل الجنة كان ذلك حقًّا. انتَهَى.

وسبحان الله والحمد لله ربّ العالمين.