الجمعة يناير 17, 2025

إن الله يبغض كل جعظريّ جواظ

العناوين الداخلية:

  • من هو الجعظريّ الجواظ؟
  • شهادة سيدنا عيسى لعلماء الأمة المحمدية بالخير.
  • عود إلى شرح حديث النبي ﷺ.

 

من هو الجعظري الجواظ؟

قال الإمام المحديث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه:

روينا بإسناد متصل صحيح في صحيح ابن حبان رحمه الله أن نبي الله ﷺ قال: “إن الله يبغض كل جعظري جواظ، سخّاب بالأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار، عارف بأمر الدنيا جاهل بأمر اللآخرة”.

سمى رسول الله ﷺ في هذا الحديث أناساً وصفهم بهذه الصفات، الصفة الأولى: أن يكون المرء جعظرياً وهو الجموع المنوع، أي الذي يحرص على جمع المال بنية فاسدة، وهي أن يكون جمعه للمال حباً بالمال من حيث ذاته ليتوصل لإشباع شهواته الامحرمة وليفخر ويتكبر على عباد الله، ليس يجمع المال من طريق الحلال ليصرفه فيما أحل الله، لأن الذي يجمع المال ليصرفه بالحلال لا ليفخر به على الناس ولا ليبطر به بطراً ولا ليتوصل به إلى الشهوات المحرمة، فإن ذلك ليس بمذموم لأن رسول الله ﷺ لم يذم المال ذماً مطلقاً ولا مدحه مدحاً مطلقاً، المال منه ما يذم ومنه ما يمدح.

فالمال المذموم هو المال الذي يجمعه المرء من حرام لا يبالي من حلال أخذه ام من حرام أو يجمع المال ليقضي به شهواته المحرمة أي ليشبع نفسه من شهواته المحرمة أو ليفخر به على الناس أو ليتكبر فهذا هو المال المذموم، وأما المال الذي يجمعه المرء المسلم من حلال بنية أن يستر به نفسه وينفع به نفسه أو غيره، أو ينفقه على أولاده وعلى أبويه وغيرهما من أقاربه بغير نية التوصل إلى الفخر والتكبر على الناس، فإن ذلك المال ليس بمذموم، ودليلنا على ذلك ما رواه الإمام أحمد وابن حبان بالإسناد الصحيح أنه ﷺ قال لعمرو بن العاص: “نعم المال الصالح للرجل الصالح”، والمال الصالح هو المال الذي يجمعه المرء ويكتسبه بطريق حلال، وأما الرجل الصالح فهو الإنسان المؤمن الذي يقوم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد، يعرف ما افترض الله عليه ويؤديه ويعرف ما حرم الله عليه ويجتنبه، يصلي كما أمر الله ويصوم كما أمر الله ويزكي كما أمر الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جملة الفروض التي افترضها الله على عباده، وذلك شأن من مدحهم الله تعالى بقوله: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }.

فقوله ﷺ: “إن الله يبغض كل جعظري” فيه ذم لمن همه جمع المال لا يبالي إن جمعه من حلال أو من حرام، ويبخل عن دفع المال في ما أمر الله تعالى بالإنفاق فيه.

وأما “الجواظ” فهو الرجل المستكبر، فإذا جمع مع صفة الجعظري أن يكون جواظاً فقد ارتفع في الشر والفساد، ثم إن زاد على ذلك أن يكون سخاباً بالأسواق، أي أنه من شدة حرصه على المال يكثر الكلام في سبيل جمع المال، وأن يكون جيفة بالليل حماراً بالنهار أي يستغرق ليله بالنوم ولا يهتم بأن يكسب في ليله من الصلوات، وحمار بالنهار أي أن همه التفنن بالأكل والإكثار من الملذات وينشغل بذلك عن القيام بما افترضه الله عليه، ثم إذا انضاف إلى ذلك الوصف الأخير وهو أن يكون عارفاً بأمر الدنيا جاهلاً بأمر الآخرة فقد تزايد شره، فمن هنا يعلم أن من أتاه الله المال وكان عارفاً بطرق جمع المال وهو جاهل بأمور الدين، أي بما افترض الله عليه معرفته من علم الدين فهو من شر خلق الله.

ثم لا سبيل إلى أداء ما افترض الله واجتناب ما حرم الله إلا بمعرفة العلم الضروري من علم الدين الذي قال فيه رسول الله ﷺ : “طلب العلم فريضة على كل مسلم”، فمن أعرض عن التعليم يهلك وهو لا يشعر فإنا لله وإنا إليه راجعون. ثم الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة لم يغفلوا بيان هذه الأشياء الأربعة فليتق الله امرؤ آمن بالآخرة، فقد روينا في صحيح البخاري من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “ارتحلت الدنيا وهي مدبرة” وارتحلت الآخرة وهي مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، اليوم العمل ولا حساب، وغداء الجزاء ولا عمل”.

والحمد لله على ما أنعم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

شهادة سيدنا عيسى لعلماء الأمة المحمدية بالخير:

أمة محمد هم أفضل أمم الأنبياء، حتى إن المسيح عليه الصلاة والسلام قال عن أمة سيدنا محمد ﷺ: “علماء حلماء، بررة أتقياء، كأنهم من الفقه أنبياء” رواه ابو نعيم في الحلية، والله تبارك وتعالى وصف هذه الأمة المحمدية بأنا من شأنهم أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كان في ما مضى من الزمان أناس محققون لهذه الصفة وأما اليوم فقد قلّوا، ومع ذلك لا تخلو الأمة منهم لأن الله تعالى وصفهم بذلك، وروينا في صحيح ابن حبان كذلك أيضاً أنه ﷺ قال: “ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر”، فما لم تتحقق له هذه الصفات الأربعة لا يكون المسلم كاملاً في الدّين.