الجمعة يوليو 26, 2024

إنكار شبهة أخرى عن آدم عليه السلام

من الغلوّ القبيح قول بعض المنحرفين من أدعياء التصوف: «إن آدم كان منهيًّا عن الأكل من الشجرة ظاهرًا مأمورًا باطنًا». وقال بعض هؤلاء في إخوة سيدنا يوسف مثل ذلك، وذلك تكذيب للنص، فهذا القول الفاسد يوقع الاختلاف في كلام الله تعالى، وقد نفاه الله سبحانه عن كلامه المقدس بقوله عزَّ اسمه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، أما في حقّ سيدنا آدم عليه السلام فقد قال الله تعالى: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]، والسبب في ذلك أن آدم خالف النهي الذي نهاه الله، لأنه أعلمه بالمنع من أكل شجرة واحدة من أشجار الجنة، وأباح له ما سواها، فوسوس الشيطان له ولحواء أن يأكلا منها، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: {فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطانُ لِيُبدِيَ لَهُما مَا وورِيَ عَنهُما مِن سَوآتِهِما وَقَالَ مَا نَهَاكُما رَبُّكُمَا عَنْ هـَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَن تَكُونَا مَلَكَينِ أَو تَكُونَا مِنَ الخالِدينَ} [الأعراف: 20]، فأكلا منها فأخرجهما الله تعالى من الجنة، وكان ذلك قبل أن تنزل عليه النبوة والرسالة، لأنه إنما نُبّئ بعد أن خرج من الجنة فتابا من تلك المعصية، ولا تعدّ تلك المعصية معصية كبيرة؛ بل هي صغيرة ليس فيها خسة ولا دناءة، قال الله تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 122]، أخبرنا الله بأنه نُهِي ولم يخبرنا بأنه أُمر بالأكل من الشجرة، وكيف يجتمع الأمر بشيء والنهي عنه في حق شخص واحد في وقت واحد؟ ولو كان عليه السلام مأمورًا باطنًا بالأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها، فأين يقع قول الله تعالى: {فَكُلَا مِن حَيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونَا مِنَ الظّالِمينَ} [الأعراف: 19] ثم أخبرنا الله تعالى بأنه تاب عليه: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37]، قَبِلَ توبته من الخالفة، ولو أنه كان مأمورًا باطنًا فأي مخالفة يقع المتاب منها؟ وأما إخوة يوسف الذين كادوه وآذَوْه فلم يخبرنا الله تعالى إلا بجرائمهم، وأخبرنا أن سيدنا يوسف قال لهم في القرآن: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92]، فكيف يعقل أن يكونوا مأمورين باطنًا([1]).

[1])) انظر في قصة تبرئة يوسف عليه السلام من هذا الكتاب، فإنّ فيها توسُّعًا في هذا الموضوع.