أقوال علماء الشافعية في تقسيم البدعة
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة، والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا فهذه محدثة غير مذمومة. رواه البيهقي في مناقب الشافعي (ج1/469) وذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/267).
وروى الحافظ أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء ج 9 ص76 عن إبراهيم بن الجنيد قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه يقول: البدعة بدعتان، بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان (نعمت البدعة هي). اهـ
وقال أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، كتاب ءاداب الأكل ج2/3 ما نصه:
وما يقال إنه أبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس كل ما أبدع منهيا بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرا من الشرع مع بقاء علته بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب. اهـ
وقال العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام (ج2/172-174): البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ثم قال: والطريق في ذلك أن تُعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة. انتهى
وقال النووى فى شرحه على صحيح مسلم (6/154-155):
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ) هذا عامٌّ مخصوص، والمراد غالب البدع. قال أهل اللُّغة هي كلّ شيء عمل عَلَى غير مثال سابق. قال العلماء البدعة خمسة أقسام واجبة، ومندوبة، ومحرَّمة، ومكروهة، ومباحة. فمن الواجبة نظم أدلَّة المتكلّمين للرَّدّ عَلَى الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك. ومن المندوبة تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والرّبط وغير ذلك. ومن المباح التّبسط في ألوان الأطعمة وغير ذلك. والحرام والمكروه ظاهران، وقد أوضحت المسألة بأدلَّتها المبسوطة في تـهذيب الأسماء واللُّغات فإذا عرف ما ذكرته علم أنَّ الحديث من العامّ المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيّد ما قلناه قول عمر بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في التّـَراويح (نعمت البدعة)، ولا يمنع من كون الحديث عامًّا مخصوصًا قوله (كُلُّ بِدْعَةٍ) مؤكّدًا بـــــــ كلّ، بل يدخله التَّخصيص مع ذلك كقوله تعالى (تُدَمّرُ كُلَّ شَىءٍ) [الأحقاف ءاية 25]. اهـ
وقال النووي أيضا في شرحه على صحيح مسلم (16/226-227):
قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا…) إلى ءاخره، فيه الحث على الابتداء بالخيرات، وسن السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات، وسبب هذا الكلام في هذا الحديث أنه قال في أوله (فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها فتتابع الناس) وكان الفضل العظيم للبادي بـهذا الخير والفاتح لباب هذا الإحسان. وفي هذا الحديث تخصيص قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة. اهـ
قال الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في الفتح (ج4/298):
قوله قال عمر (نعم البدعة) في بعض الروايات (نعمت البدعة) بزيادة التاء، والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة. انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري، المـجلد الثاني، كِتَاب الْجُمُعَةِ، باب الأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ:
وكل ما لم يكن في زمنه [صلى الله عليه وسلم] يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك. اهـ