الجمعة يوليو 26, 2024

آدم وحواء لم يسميا ولدهما عبد الحارث

ومن الافتراءات والأكاذيب الفاسدة الكفرية التي طالت سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام وزوجته أنّ إبليس جاء إلى آدم وقد مات له ولد اسمه عبد الله، فقال: إن شئت أن يعيش لك الولد فسمّه عبد الحارث، والحارث يراد به الشيطان، فسمَّاه كذلك، وهذا كفر والعياذ بالله تعالى.

وفي رواية مكذوبة قيل فيها: إن حواء لـمَّا حملت أول حمل لم تدر ما هو، فجزعت لذلك، فوجد إبليس السبيل إليها، فأتاها في صورة رجل لـمَّا أثقلت في أول حملها، فقال: ما هذا الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري، قال: إن أخاف أن يكون بهيمة، فقالت ذلك لآدم عليه السلام، فلم يزالا في هَمّ من ذلك. ثم عاد إليها – أي: إبليس – فقال: إنني من الله بمنـزلة، فإن دعوتُ الله فولدت إنسانًا أفتسمينه بي؟ قالت: نعم. قال: فإن أدعو الله. فأتاها وقد ولدت فقال: سميه باسمي. فقالت: وما اسمك؟ قال: الحارث – ولو سمَّى لها نفسه لعرفته – فسمته عبد الحارث. ونحو هذا معدود في ضعيف الحديث، وإن كان الترمذي قد حسَّنه([1])، إلا أنّه أشار إلى إشكال فيه وذلك أن من رواة الحديث من لم يرفعه، والطريق الآخر المرفوع في رواته من يُنظر في حديثه ولا يكتفى بمجرد الرواية عنه؛ لأنه وإن كان قد عدّله الترمذي في ذاته إلا أن ذلك كان بأدنى درجات التعديل المستفاد من قوله: (شيخ) وأصرح من هذا تجريح ابن حبّان له بقوله: «يخطئ ويخالف».اهـ، ومن ثَمَّ قال أبو حاتم الرازي عنه: «لا يحتج به »([2]).اهـ.

ونص الرواية عند الترمذي: روى عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي ﷺ أنه قال: «لـمَّا حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال: سميه عبد الحارث، فسمته عبد الحارث فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره».اهـ.

وفي الإسرائيليات كثير من القصص والأخبار المختَلَقَة التي ليس لها أصل، فلا يُعوّل عليها مَنْ له قلب واعٍ، فإن آدم وحواء عليهما السلام وإن وقعا في ما وقعا فيه من قبل فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، على أنه قد سطر وكتب. وأما قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 189، 190]، ، فقد قال القرطبيّ في تفسير هذه الآيات: «قال قوم: إن هذا راجع إلى جنس الآدميين والتبيين عن حال المشركين من ذرية آدم عليه السلام، وهو الذي يعول عليه. فقول الله سبحانه: {جَعَلَا لَهُ}، يعني: الذكر والأنثى الكافريْنِ، ويعني به الجنسين، ودل على هذا {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ولم يقل يشركان، وهذا قول حسن. وقيل: المعنى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} من هيئة واحدة وشكل واحد، {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، أي: من جنسها، {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا}، يعني: الجنسين. وعلى هذا القول لا يكون لآدم وحواء ذكر في الآية، فإذا آتاهما الولد صالحًا سليمًا سويًّا كما أراداه صرفاه عن الفطرة إلى الشرك، فهذا فعل المشركين. قال رسول الله ﷺ: «ما مِنْ مَوْلودٍ إلا يُوْلَدُ على الفِطْرة فأبواهُ يُهوّدانه أو يُنصّرانه أو يُمجّسانه»([3]) رواه البخاريّ. قال عكرمة([4]): لم يخص بها آدم عليه السلام، ولكن جعلها عامة لجميع الخلق بعد آدم»([5]).اهـ.

وقال أبو حيان الأندلسيّ في هذا الأمر: «قال الحسن وجماعة: الخطاب لجميع الخلق، والمعنى في قوله عزَّ وجلَّ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} من هيئة واحدة وشكل واحد {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، أي: من جنسها، ثم ذكر حال الذكر والأنثى من الخلق، ومعنى {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ}، أي: حرفاه عن الفطرة إلى الشرك كما جاء: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه هما اللذان يهوّدانه وينصرانه ويمجسانه». وقال القفَّال([6]) نحو هذا القول، قال: هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة، وجعل من جنسها زوجها، وذكر حال الزوج والزوجة و{جَعَلَا}، أي: الزوج والزوجة لله تعالى شركاء {فِيمَا آتَاهُمَا}؛ لأنهما تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع كما هو قول الطبائعيين([7])، وتارة إلى الكواكب كما هو قول المنجّمين([8])، وتارة إلى الأصنام والأوثان كما هو قول عبدة الأصنام.

انتهى قول القفَّال، وعلى هذا لا يكون لآدم وحوّاء ذكر في الآية. وقيل: الخطاب خاص وهو لمشركي العرب، كانوا يقرّبون المولود للَّات والعزى والأصنام تبركًا بهم في الابتداء، وينقطعون بأملهم إلى الله تعالى في ابتداء خلق الولد إلى انفصاله ثم يشركون فحصل التعجب منهم، وقيل: الخطاب خاص أيضًا وهو لقريش المعاصرين للرسول ﷺ، و{نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} هو قصيّ {مِنْهَا}، أي: من جنسها زوجة عربية قرشية ليسكن إليها، والصالح: الولد السويّ. {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ} حيث سمَّيا أولادهما الأربعة: عبد مناف وعبد العزّى وعبد قُصيّ وعبد الدار، والضمير في {يُشْرِكُونَ} لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك»([9]). انتهى كلام أبي حيان.

وخلاصة الموضوع أن سيدنا آدم عليه السلام هو أول البشر وأول الأنبياء الكرام، ومهما افترى المفترون وأدخلوا تمويهاتهم في كتبهم وحرّفوا فلن يغيّروا الحقيقة الدامغة وهي أن آدم عليه السلام نبيّ رسول معصوم، وأنه جاء بالإسلام يعلّم زوجته وأولاده أحكام الشريعة، وهو معصوم عن الشرك قبل النبوة وبعدها ومنزّه عن أن يكون بأي هيئة منفّرة تقدح في اتصافه بمرتبة النبوة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين.

[1])) اعترض الغماري على ذلك فقال: «هذا الحديث حسنه الترمذي وهو ضعيف منكر؛ بل هو خرافة إسرائيلية كما بيّنه ابن كثير في تفسيره».اهـ. الإحسان في تعقيب الإتقان، الغماري، (ص49).

[2])) قال ابن حبّان: «عمر بن إبراهيم العبديّ يروي عن قتادة روى عنه ابنه الخليل بن عمر بن إبراهيم يخطئ ويخالف».اهـ. الثقات، ابن حبّان، (8/446)، رقم 14346. وقال ابن الجوزي: «عمر بن إبراهيم أبو حفص العبديّ البصريّ يروي عن قتادة قال يحيـى: صالح، وقال مرة: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به».اهـ. كتاب الضعفاء والمتروكين، ابن الجوزيّ، (2/204)، رقم 2436.

[3])) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب بدء الوحي، باب: «إذا أسلم الصبيّ فمات هل يصلّى عليه وهل يُعرض على الصبيّ الإسلام» (12/118)، رقم 1358. وتمام لفظ البخاريّ: «أنّ أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدّث أن النبيّ ﷺ قال: «ما مِن مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يُهوّدانه أو يُنصّرانه أو يُمجّسانه، كما تُنتَج البهيمةُ بهيمة جمعاء، هل تُحسّون فيها من جدعاء؟» ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]».

[4])) عكرمة بن عبد الله البربري المدن، أبو عبد الله، مولى عبد الله بن عباس تابعي (ت105هـ)، كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي. طاف البلدان، وروى عنه زُهاء ثلاثمائة رجل منهم أكثر من سبعين تابعيًّا. وكانت وفاته بالمدينة. الأعلام، الزركلي، (4/244).

[5])) الجامع لأحكام القرآن، القرطبيّ، (7/339).

[6])) محمد بن علي بن إسماعيل الشاشيّ، القفّال (ت365هـ)، أبو بكر، من أكابر علماء عصره بالفقه والحديث واللغة والأدب. من أهل ما وراء النهر. وعنه انتشر المذهب الشافعيّ في بلاده. مولده ووفاته في الشاش وراء نهر سيحون، رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام. من كتبه: (أصول الفقه)، و(محاسن الشريعة)، و(شرح رسالة الشافعيّ). تهذيب الأسماء واللغات، النوويّ، (2/282)، وفيات الأعيان، ابن خلكان، (1/458). الأعلام، الزركلي، (6/274).

[7])) قال ابن الجوزي: «ذكرُ تلبيس إبليس على الطبائعيين: لـمّا رأى إبليس قلة موافقته على جحد الصانع لكون العقول شاهدة بأنه لا بد للمصنوع من صانع، حسَّنَ لأقوام أن هذه المخلوقات فعل الطبيعة وقال ما من شيء يخلق إلا من اجتماع الطبائع الأربع (أي: التراب والماء والنار والهواء) فيه، فدل على أنها الفاعلة، وجواب هذا نقول: اجتماع الطبائع دليل على وجودها لا على فعلها، ثم قد ثبت أن الطبائع لا تفعل إلا باجتماعها وامتزاجها وذلك يخالف طبيعتها فدل على أنها مقهورة».اهـ. تلبيس إبليس، ابن الجوزيّ، (1/41).

[8])) «المنجّم والمتنجّم الذي ينظر في النجوم يحسب مواقيتها وسيرها».اهـ. لسان العرب، ابن منظور، مادة: (ن ج م)، (12/568). وقد قال رسول الله ﷺ: «من أتى كاهنًا أو عرّافًا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» رواه أحمد في مسنده، أي: إن اعتقد أنه يطلع على الغيب، وليس المراد من يظن أنه قد يوافق الواقع وقد لا يوافق الواقع فإنه لا يكون كافرًا؛ بل يكون عاصيًا بسؤاله إياهم، والكاهن هو الذي يتعاطى الإخبار عن الكائنات في المستقبل اعتمادًا على النظر في النجوم أو غير ذلك.

[9])) البحر المحيط، أبو حيان، (5/242 – 245).