ءَايَاتُ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ الْمُفَصَّلاتُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَعْرَافِ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾.
لَمْ يُمَيِّزْ فِرْعَوْنُ وَأَتْبَاعُهُ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ وَجَعَلُوا جُمْلَةَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِى جَاءَ بِهَا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مِثْلَ انْقِلابِ الْعَصَا حَيَّةً مِنْ بَابِ السِّحْرِ فَقَالُوا «مَهْمَا تَأْتِنَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ فَهِىَ عِنْدَنَا سِحْرٌ وَنَحْنُ لا نُؤْمِنُ بِهَا أَبَدًا». وَكَانَ مُوسَى رَجُلًا قَوِيًّا ثَابِتًا فَلَمْ يَتْرُكْ أَمْرَ الدَّعْوَةِ إِلَى دِينِ الإِسْلامِ بَلْ دَعَا عَلَيْهِمْ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.
سَلَّطَ اللَّهُ عَلَى الْقِبْطِ وَهُمْ أَتْبَاعُ فِرْعَوْنَ الطُّوفَانَ وَالسُّيُولَ الدَّائِمَةَ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْ سَبْتٍ إِلَى سَبْتٍ حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لا يَرَى شَمْسًا وَلا قَمَرًا وَكَانَتْ بُيُوتُ الْقِبْطِ وَبَنِى إِسْرَائِيلَ مُتَشَابِكَةً فَحَصَلَتِ الأُعْجُوبَةُ أَنَّ بُيُوتَ الْقِبْطِ امْتَلأَتْ بِالْمِيَاهِ الْمُتَدَفِّقَةِ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى رِقَابِهِمْ فَمَنْ جَلَسَ غَرِقَ وَلَمْ تَدْخُلْ بُيُوتَ بَنِى إِسْرَائِيلَ قَطْرَةٌ.
وَفَاضَ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَرَكَدَ فَمَنَعَ الْقِبْطَ مِنَ الْحِرَاثَةِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّصَرُّفِ وَدَامَ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا فَقَالُوا لِمُوسَى «ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفْ عَنَّا فَنُؤْمِنَ بِكَ» فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ فَرُفِعَ عَنْهُمُ الطُّوفَانُ وَأُرْسِلَتِ الرِّيَاحُ فَجَفَّتِ الأَرْضُ وَخَرَجَ مِنَ النَّبَاتِ مَا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ قَطُّ فَقَالُوا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ «لَقَدْ كَانَ الَّذِى خِفْنَا مِنْهُ خَيْرًا لَنَا لَكِنَّنَا لَمْ نَشْعُرْ فَلا وَاللَّهِ لا نُؤْمِنُ بِكَ» فَنَكَثُوا الْعَهْدَ.
بَعْدَ نَكْثِهِمْ لِلْعَهْدِ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ بِالآلافِ حَتَّى صَارَتْ عِنْدَ طَيَرَانِهَا تُغَطِّى الشَّمْسَ فَأَكَلَتْ عَامَّةَ زُرُوعِ الْقِبْطِ وَثِمَارِهِمْ حَتَّى إِنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الثِّيَابَ وَالأَثَاثَ وَالسُّقُوفَ وَالأَبْوَابَ فَتَهْدِمَ دِيَارَهُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ دُورَ بَنِى إِسْرَائِيلَ مِنْهَا شَىْءٌ فَضَاقَ عَلَى الْقِبْطِ الْحَالُ وَوَعَدُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يُؤْمِنُوا وَيَتُوبُوا لَوْ كُشِفَ عَنْهُمُ الْجَرَادُ فَخَرَجَ مُوسَى إِلَى الْفَضَاءِ وَأَشَارَ بِعَصَاهُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَرَجَعَتِ الْجَرَادُ إِلَى النَّوَاحِى الَّتِى جِئْنَ مِنْهَا وَكُشِفَ عَنْهُمُ الضِّيقُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
وَكَانَ قَدْ بَقِىَ مِنْ زُرُوعِ الْقِبْطِ شَىْءٌ فَقَالُوا مِنْ خُبْثِهِمْ «يَكْفِينَا مَا بَقِىَ مِنَ الزَّرْعِ» وَلَمْ يُؤْمِنُوا فَأَقَامُوا شَهْرًا عَلَى رَخَائِهِمْ وَكَانَ فِى مَحَلَّةٍ فِى مِصْرَ اسْمُهَا عَيْنُ شَمْسٍ تَلَّةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ رَمْلٍ فَضَرَبَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِعَصَاهُ فَصَارَتْ قُمَّلًا أَىْ حَشَرَاتٍ صَغِيرَةً تُشْبِهُ السُّوسَ الَّذِى فِى الطَّحِينِ عِنْدَمَا يَفْسُدُ وَطَارَ هَذَا الْقُمَّلُ فَأَكَلَ دَوَابَّ الْقِبْطِ وَزُرُوعَهُمُ الَّتِى بَقِيَتْ وَلَمْ يَبْقَ عُودٌ أَخْضَرُ إِلَّا أَكَلَتْهُ.
وَالْتَصَقَتْ بِجُلُودِهِمْ كَأَنَّهَا الْجُدَرِىُّ عَلَيْهِمْ وَمَنَعَهُمُ النَّوْمَ وَالْقَرَارَ وَانْتَشَرَ فِى مِصْرَ كُلِّهَا فَأَكَلَ مَا أَبْقَاهُ الْجَرَادُ وَلَحَسَ الأَرْضَ وَكَانَ يَدْخُلُ بَيْنَ جِلْدِ الْقِبْطِىِّ وَقَمِيصِهِ فَيُؤْلِمُهُ وَيَدْخُلُ إِلَى الطَّعَامِ فَيَمْلَأُ الأَوْعِيَةَ وَالأَوَانِىَ لَيْلًا وَيَسْعَى فِى بَشَرَاتِهِمْ وَشُعُورِهِمْ وَحَوَاجِبِهِمْ وَأَهْدَابِ عُيُونِهِمْ فَضَجُّوا وَبَكَوْا وَقَصَدُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَوَعَدُوهُ أَنَّهُ إِذَا دَعَا رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيَكْشِفَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ سَيُؤْمِنُونَ وَيَتُوبُونَ فَدَعَا مُوسَى فَرُفِعَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى الْقُمَّلِ رِيحًا حَارَّةً أَحْرَقَتْهُمْ وَحَمَلَتْهُمُ الرِّيَاحُ وَأَلْقَتْهُمْ فِى الْبَحْرِ.
لَكِنَّ الْوَقْتَ مَا طَالَ حَتَّى قَالَ الْقِبْطُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ «قَدْ تَحَقَقْنَا يَا مُوسَى أَنَّكَ سَاحِرٌ وَعِزَّةِ فِرْعَوْنَ لا نُصَدِّقُكَ أَبَدًا» فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ فَمَلَأَتْ فُرَشَهُمْ وَأَوْعِيَتَهُمْ وَطَعَامَهُمْ وَشَرَابَهُمْ وَرَمَتْ بِأَنْفُسِهِمْ فِى الْقُدُورِ وَهِىَ تَغْلِى، وَإِذَا تَكَلَّمَ الْقِبْطِىُّ وَثَبَتْ وَدَخَلَتْ إِلَى فَمِهِ فَشَكَوْا إِلَى مُوسَى وَقَالُوا «نَتُوبُ تَوْبَةً صَادِقَةً وَلا نَعُودُ» فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقَ وَالْوُعُودَ وَالْعُهُودَ ثُمَّ كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَأَمَاتَ الضَّفَادِعَ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ وَحَمَلَهَا إِلَى الْبَحْرِ.
ثُمَّ عَادَ الْقِبْطُ إِلَى كُفْرِهِمْ كَعَادَتِهِمْ وَنَقَضُوا الْعَهْدَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ وَجَعَلَ النِّيلَ يَسِيلُ عَلَيْهِمْ دَمًا وَكَانَ الشَّخْصُ الْمُسْلِمُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى يَرْفَعُ مِنَ النِّيلِ الْمَاءَ وَأَمَّا الْقِبْطِىُّ فَيَرْفَعُهُ دَمًا ثُمَّ يَأْتِى الْمُسْلِمُ فَيَصُبُّ الْمَاءَ فِى فَمِ الْقِبْطِىِّ فَيَصِيرُ دَمًا وَيَأْتِى الْقِبْطِىُّ وَيَصُبُّ الدَّمَ فِى فَمِ الْمُسْلِمِ فَيَصِيرُ مَاءً زُلالًا لَذِيذًا.
وَعَطِشَ فِرْعَوْنُ حَتَّى شَارَفَ عَلَى الْهَلاكِ فَكَانَ يَمُصُّ الأَشْجَارَ الرَّطْبَةَ فَإِذَا مَضَغَهَا صَارَ مَاؤُهَا الطَّيِّبُ مَالِحًا بَشِعَ الطَّعْمِ.
وَكَانَ بَيْنَ الآيَةِ وَالآيَةِ أُسْبُوعًا مِنَ الزَّمَنِ فَكَانَتْ تَمْكُثُ مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ ثُمَّ يَبْقَوْنَ بَعْدَ رَفْعِهَا شَهْرًا فِى عَافِيَةٍ ثُمَّ تَأْتِى الآيَةُ الأُخْرَى.
وَكَانَتِ الْحِكْمَةُ فِى تَفْصِيلِ تِلْكَ الآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ بِالزَّمَانِ أَنَّهُ تُظْهِرُ لِلْجَمِيعِ أَحْوَالَهُمْ هَلْ يَفُونَ بِمَا عَاهَدُوا أَمْ يَنْكُثُونَ فَتَقُومُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ وَهُوَ طَاعُونٌ نَزَلَ بِهِمْ حَتَّى مَاتَ مِنْهُمْ فِى لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ قِبْطِىٍّ.