(2) مَاذَا يَنْبَغِى لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْمَلَ فِى لَيْلِهِ.
اعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ فِى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ يَبْتَدِرُهُ مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ، الْمَلَكُ يَقُولُ لَهُ اخْتِمْ يَقَظَتَكَ بِخَيْرٍ وَالشَّيْطَانُ يَقُولُ لَهُ اخْتِمْ يَقَظَتَكَ بِشَرٍّ فَإِنْ خَتَمَهَا بِخَيْرٍ يَحْرُسُهُ الْمَلَكُ طُولَ اللَّيْلِ، يَحْرُسُهُ مِنْ أَذَى الْجِنِّ وَنَحْوِهِ لِذَلِكَ تَوَضَّأْ أَخِى الْمُسْلِم ثُمَّ نَمْ عَلَى جَنْبِكَ الأَيْمَنِ وَأَخْلِصْ نِيَّتَكَ لِلَّهِ وَقُلْ ثَلاثًا اللَّهُمَّ قِنِى عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك فَإِنَّ مِنْ أَسْرَارِ هَذَا الدُّعَاءِ أَنَّكَ بِإِذْنِ اللَّهِ تُحْفَظُ مِنَ الْعَذَابِ ثُمَّ اقْرَأْ سُورَةَ الْكَافِرُونَ فَإِنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى قِرَاءَتِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ النَّوْمِ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ. وَرَوَى التِّرْمِذِىُّ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِى إِلَى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِى لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ النُّجُومِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ وَإنْ كَانَتْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا. وَعَالِج مَوْضِعٌ بِالشَّامِ رَمْلُهُ كَثِيرٌ. وَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ بِاللَّيْلِ فَقُلْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ قَدْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَك كُلَّ ذُنُوبِكَ حَتَّى الْكَبَائِر. وَاعْلَمْ أَنَّ النَّوْمَ قَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ فِيهِ بَرَكَةٌ، مَنْ يَنَامُ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ يَنَالُ خَيْرًا كَثِيرًا لِأَنَّهُ يَقُومُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيُصَلِّى وَيَدْعُو اللَّهَ وَيَذْكُرُهُ وَيَقْرَأُ الْقُرْءَانَ ثُمَّ يُصَلِّى سُنَّةَ الصُّبْحِ بَعْدَ دُخُولِ الْفَجْرِ ثُمَّ الصُّبْحَ ثُمَّ يَمْضِى لِحَاجَاتِهِ وَفِى ذَلِكَ بَرَكَةٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ بُورِكَ لِأُمَّتِى فِى بُكُورِهَا. وَالرَّسُولُ ﷺ كَانَ يَنَامُ بَعْدَ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثُمَّ لَمَّا يَصِيحُ الدِّيكُ عِنْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ يَسْتَيْقِظُ فَيَقُومُ وَيُصَلِّى ثُمَّ يَنَامُ قَلِيلًا ثُمَّ يَقُومُ قَبْلَ الْفَجْرِ يُصَلِّى ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يُوقِظُهُ الْمُؤْذِّنُ لِصَلاةِ الْفَجْرِ وَيَبْقَى مُسْتَيْقِظًا. وَكَانُوا يُؤَذِّنُونَ أَذَانَيْنِ أَذَانًا قَبْلَ الْفَجْرِ بِوَقْتٍ قَلِيلٍ وَأَذَانًا بَعْدَ الْفَجْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَ الْعِشَاءِ إِلَّا فِى خَيْرٍ كَإِينَاسِ غَرِيبٍ أَوْ تَعْلِيمِ النَّاسِ مَا يَنْفَعُهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ النَّوْمَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ قَدْ يَعْمَلُ مَعْصِيَةً فَيَكُونُ خَتَمَ يَقَظَتَهُ بِشَرٍّ لِأَنَّ تَرْكَ النَّوْمِ بَعْدَ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى وَقْتٍ وَاسِعٍ قَدْ يُسَبِّبُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ فِيهِ مَعْصِيَةٌ أَوْ يَعْمَلَ عَمَلًا فِيهِ مَعْصِيَةٌ أَمَّا إِذَا بَكَّرَ بِالنَّوْمِ يَكُونُ خَتَمَ يَقَظَتَهُ بِمَا لا مَعْصِيَةَ فِيهِ.