هَزِيمتُه جَيشَ الكافرِينَ بقَبْضةٍ مِن
تُرابٍ
473- |
وَالجَيـشُ فِي يَومِ حُنَيْنٍ إِذْ رُمُوا |
|
مِـنْـهُ بِقَبْضَـةٍ تُـرَابًا هُـزِمُـوا |
474- |
وَأَنْـزَلَ اللهُ بِــهِ كِــتَــابَـا |
|
وَامْـتَـلَأَتْ أَعْـيُـنُـهُـمْ تُـرَابَـا |
(وَ)مِن مُعجِزاتِه ﷺ ما أُصِيبَ به (الجَيشُ) جَيشُ
الكُفّارِ وكانوا أربعةَ ءالافٍ (فِي يَومِ) غَزوةِ (حُنَيْنٍ) بفِعلٍ خفيفٍ مِنهُ ﷺ (إِذْ رُمُوا) أي
الكُفّارُ (مِنْهُ) ﷺ (بِقَبْضَةٍ) أي مَقبوضٍ بِكَفِّهِ الشّريفةِ (تُرَابًا) مِن الأرضِ أصابَهُم بِه في وُجوهِهم وقال: «شَاهَتِ الوُجُوهُ» و(هُزِمُوا) أي الكُفّارُ يَومَها. (وَأَنْزَلَ اللهُ)
تعالَى (بِهِ)
أي في شأْنِ ذلكَ (كِتَابًا) أي قُرءانًا: ﱡﭐ ﱇ ﱈ ﱠ خَلْقًا ﱡﱉ ﱊ ﱠ كَسْبًا ﱡﭐ ﱋ ﱌ ﱍ ﱠ أي خَلَقَ فِيهم ما أصابَهُم (وَ)كانَ مِن سبَبِ هزيمَتِهم أنّه مِن رَمْيِ النَّبِيّ ﷺ
لَهُم بالتُّرابِ (امْتَلَأَتْ أَعْيُنُهُمْ تُرَابًا) فوَلَّوا مُدبرِينَ.
رَوَى
مُسلِمٌ في «صحِيحِه» عَن سلَمةَ بنِ الأكوَعِ رضي الله عنه قالَ: غَزَونا مَعَ
رَسُولِ اللهِ ﷺ حُنَينًا، فَلَمّا واجَهْنا العَدُوَّ تَقَدَّمْتُ فَأعْلُو
ثَنِيَّةً([1])،
فاسْتَقْبَلَنِي رَجُلٌ مِنَ العَدُوِّ فَأرْمِيهِ بِسَهْمٍ فَتَوارَى عَنِّي،
فَما دَرَيتُ ما صَنَعَ، وَنَظَرْتُ إلَى القَومِ فَإذا هُم قَدْ طَلَعُوا مِنْ
ثَنِيَّةٍ أُخْرَى، فالْتَقَوا هُم وَصَحابَةُ النَّبِيِّ ﷺ فَوَلَّى صَحابَةُ
النَّبِيِّ ﷺ وَأرْجِعُ مُنْهَزِمًا وَعَلَيَّ بُرْدَتانِ مُتَّزِرًا بِإحْداهُما
مُرْتَدِيًا بِالأُخْرَى، فاسْتَطْلَقَ إزارِي فَجَمَعْتُهُما جَمِيعًا وَمَرَرْتُ
عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ مُنْهَزِمًا وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْباءِ([2])،
فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَقَدْ رَأَى ابْنُ الأَكْوَعِ فَزَعًا([3])».
فَلَمّا
غَشُوا رَسُولَ اللهِ([4])
ﷺ نَزَلَ عَنِ البَغْلَةِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِن تُرابٍ مِنَ الأرْضِ ثُمَّ
اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَقالَ ﷺ: «شاهَتِ الوُجُوهُ([5])»،
فَما خَلَقَ اللهُ مِنْهُم إنْسانًا إلّا مَلَأ عَينَيهِ تُرابًا بِتِلْكَ
القَبْضَةِ، فَوَلَّوا مُدْبِرِينَ، فَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَسَمَ
رَسُولُ اللهِ ﷺ
غَنائِمَهُم بَينَ
المُسْلِمِينَ.
تتمّة: ذهبَ النّاظمُ إلى القولِ بأنّ ﱡﭐ ﱇ ﱈ ﱠ الآيةَ نزلَتْ يومَ حُنَينٍ، وهو خِلافُ ما عليهِ جُمهورُ المفسّرينَ مِن أنّها نزلَتْ يومَ بَدرٍ، لكنّ رَمْيَ الكُفّارِ أو التّرابِ فعَلَه رسولُ الله ﷺ في حُنَينٍ كما فعَلَه في بَدرٍ، وفي ذلكَ قال ابنُ عطَيّة المفسِّرُ: “وهذه الفَعْلةُ أيضًا كانتْ يومَ حُنَينٍ بِلا خلافٍ”([6])، أمّا ما ذهَبَ إليهِ النّاظِمُ مِن نُزولِ هذه الآيةِ يومَ حُنَينٍ هو الّذي رُوِي رواهُ ابنُ وَهبٍ عن مالِكٍ كما قال القُرطبيّ([7]).
([3])
قال الحافظ النّوويُّ في «شرح صحيح مُسلِم» (12/122): “حالٌ مِن ابنِ
الأَكوَعِ، كما صَرَّح أوَّلًا بانهِزامِه، ولم يُرِدْ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ
انْهزَمَ، وقد قالتِ الصَّحابةُ كُلُّهم رضي الله عنهم: إنّه ﷺ ما انْهَزَم ولَم
يَنقُل أحَدٌ قَطُّ أنّه انْهَزَم ﷺ في موطِنٍ مِن المَواطِن، وقد نَقلُوا إجماعَ
المُسلمِين على أنّه لا يَجوزُ أنْ يُعتَقَدَ انْهِزامُه ﷺ ولا يَجُوزُ ذلكَ
علَيه”.