(70) اذْكُرِ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ مُسَبَبَاتِهَا.
اعْلَمْ أَنَّ الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ مُسَبَبَاتِهَا وَأَنَّ السَّبَبَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ مُسَبَّبُهُ فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَجْرَى السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ فَلَمْ تَقْطَعْ وَرَمَاهُ قَوْمُهُ فِى النَّارِ الْعَظِيمَةِ فَلَمْ تُحْرِقْهُ وَلا ثِيَابَهُ وَإِنَّمَا أَحْرَقَتِ الْقَيْدَ الَّذِى قَيَّدُوهُ بِهِ وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ رَمَاهُ الأَسْوَدُ الْعَنْسِىُّ فِى النَّارِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ وَعَبْدُ الرَّحْمٰنِ بنُ أَبِى نُعُم الْوَلِىُّ الصَّالِحُ حَبَسَهُ الْحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ فِى سِجْنٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ثُمَّ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ فَوَجَدَهُ صَحِيحًا فَأَعْفَاهُ مِنَ الْقَتْلِ وَرَحْمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ الَّتِى عَاشَتْ دَهْرَهَا وَلا أَكْلَ يَدْخُلُ جَوْفَهَا وَهِىَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ الشُّهَدَاءِ رَأَتْ رُؤْيَا كَأَنَّهَا أُطْعِمَتْ فِى مَنَامِهَا شَيْئًا فَهِىَ لا تَأْكُلُ شَيْئًا وَلا تَشْرَبُ فَالأَكْلُ لا يَخْلُقُ الشِّبَعَ وَتَرْكُ الأَكْلِ لا يَخْلُقُ الضَّرَرَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ مُسَبَّبَاتِهَا وَأَنَّ الأَشْيَاءَ تَحْصُلُ بِخَلْقِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ. فَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ خَالِق الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الرَّعْدِ ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْفُرْقَانِ ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ﴾ أَىْ أَحْدَثَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ.