الأربعاء نوفمبر 13, 2024

#54 2-2 المعاصي المتعلقة باليد

الحمد لله علّام الغيوب غافر الذنوب ستّار العيوب كاشف الكروب والصلاة والسلام على محمد الحبيب المحبوب أما بعد نكمل الكلام عن معاصي اليد إن شاء الله. فمن معاصى اليد أن يأخذ الإنسان رِشوةً وكذا أن يُعْطِيَها. والرِّشوة هى المال الذى يُعْطَى لإنسان لإبطال حقّ أو لإحقاق باطل. ففى هذه الحال الآخذُ والْمُعطِى عاصيان. أما لو منعك إنسان ما هو حق لك ولا تستطيع أن تصل إليه إلا إذا دفعتَ له مالًا ففعلتَ لأخذ حقك، فهذا ليس معصية منك، وأما هو فآثم.

ومن معاصى اليد إحراقُ الحيوان أى ما فيه روح ولو كان مؤذيًا، إلا إذا كنت لا تستطيعُ أن تَحْمِىَ نفسك من أذاهُ إلا بالحرق، وذلك لحديث: “لا يُعَذِّبُ بالنارِ إلا ربُّها”. رواه أبو داود.

ومن معاصى اليد التمثيلُ بالحيوان، أى أن يُقْطَعَ أنفُهُ وتُشْرَمَ أُذُنُهُ ونحوَ ذلك من التشويه، هذا حرام.

ومن معاصى اليد اللعبُ بالنردِ وما شابَهَهُ من الألعاب التى تعتمدُ على الحَزْرِ والتخمينِ لا على الحساب. وقد روى مسلم والطبرانِىُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَن لَعِبَ بالنردَشِيرِ فكأَنما غَمَسَ يدَهُ فِى لَحمِ خنـزيرٍ ودمِهِ”، يعنى أنه ءاثم بذلك. ويؤخذ من ذلك حُرْمَةُ اللعب بهذه الأوراق المزَوّقة التى تسمى بالعامية فى بعض البلاد (ورق الشَدَّة) لأنها تعتمد على الحزر والتخمين لا على الحساب. والمعنَى فى تحريمها أنها تؤدّى إلى تخاصمٍ بلا غاية، لذلك حُرّمت. أما ما يَعتمِدُ على الحساب مثلُ الشّـِطْرَنْجِ فهو جائز مع الكراهة. فلا يجوزُ تمكينُ الأولاد الصغار غير البالغين من أمثال هذه الألعاب التي تعتمد على الحزر والتخمين والألعابِ التى فيها مقامرة، فمن مَكَّنَهُمْ من ذلك فهو ءاثم.

ومن معاصي اليدين اللعبُ بآلات اللهو المحرمةِ كالمزمار والرَّباب والأوتار.

ومن معاصى اليدين أن يَمَسَّ الإنسانُ ببشرته عمدًا بشرةَ أجنبيةٍ سواءٌ كان ذلك بشهوةٍ أو بغيرِ شهوة. وكذا لمسُ سائرِ أجزاءِ بَدَنِهَا كشعَرها وسنّـِها وظفرها، وذلك لحديث رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “واليدانِ زناهُمَا البطشُ” أى اللمسُ، و الحديثُ رواه مسلم. والحكمُ مجمعٌ عليه. هذا إذا كان اللمسُ بغير حائل، أما لو كان حائلٌ فصافحَ رجلٌ امرأةً وهو يلبَسُ قفازًا أو هى تَلْبَسُ قفازًا فلا حرمةَ لوجودِ حائلٍ بينهما. لكن إذا حَصَلَ مثلُ ذلك بشهوةٍ فهو حرام ولو كان بحائل. ويَحْرُمُ التَّضَامُّ والتلاصُقُ بين الرجال والنساء الأجانب ولو كان بحائلٍ كأن يضمَ رجلٌ إلى صدره أمرأة أجنبية لا تحل له (أو يُلصِقَ جسمَه بجسمِها). ويحرم مسُّ جلدِ الرَّجُلِ للرجل والمرأة للمرأة إذا كان بشهوة، وكذلك الحكم بين المحارم.

ومن معاصي اليد منعُ الزكاة أو بعضِها بعد الوجوب والتمكن، وإخراجُ ما لا يجزئ أو إعطاؤها من لا يستحقها فمَن وَجَبَت عليه الزّكاةُ وتمكن من إخراجِهَا يجبُ عليه أن يُخْرِجَهَا على الوجه الذى أمر الله تبارك وتعالى به. فلا يجوز له منعُها، ولا يجوزُ له أنْ يُؤَخّـِرَها بدون عذر شرعى، ولا يجوز له أن يَدْفَعَ ما لا يكونُ مجزئًا. فإذا كان الفرضُ عليه أن يخرج جملًا فأخرج شاةً، أو كان الفرض عليه أن يخرج شاةً فأخرج عُمْلَةً فإنه لا يجزئه ولو كانت قيمة ما أخرجه أكثر من قيمة ما وجب عليه. ولا يجوز ولا يجزئ ولا تبرأ ذمتُه إذا أَعْطَى الزكاةَ لمن لا يستحقُها أى لغير الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى فى القرءان، كالذى يدفعُ الزكاةَ فى بناء مسجدٍ، فإنّ الزكاة ما زالت فى ذمتِه، والمال الذى دفعَه هو فى غير محله ليس له فيه أجر، بل وعليه فيه إثم. ومنع الزكاة من كبائر الذنوب والعياذ بالله تعالى.

ومن معاصى اليد تركُ إعطاءِ الأجيرِ أُجرتَه. يعنى إذا أَدّى العملَ المتفقَ عليه فلم يدفع له المستأجِرُ الأجرة المتفَق عليها فالمستأجِر ءاثم.

ومن معاصى اليدِ منعُ المضطرِ ما يَسُدُّ حاجَتَهُ من غير عذرٍ فى ذلك. ولا فَرْقَ فى هذا بين القريبِ وغيرِهِ. ويَشْمَلُ المضطرُ أيضًا من اضطُر لكِسوةٍ أو طعامٍ لدفع الهلاكَ عن نفسه، فمَن قَصّرَ فى ذلك فهو ءاثم. فإن كان عنده طعام يَحْتَاجُ فيما بعد إليه لكن هو غيرُ محتاج إليه الآن يجب عليه أن يسُدَّ حاجةَ من هو مضطرٌ إليه الآن. فالمسلمون ينبغى أن يكونوا كالجسد الواحد إذا مرضَ منه عضو تداعى له سائرُ الأعضاءِ بالسهرِ والحمَّى، كما صح فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن معاصي اليد كتابةُ ما يحرُمُ النطقُ به. فالقلم كلسانٍ ثانٍ للإنسان، فيجبُ أن يصونَه الشخصُ عما يصون منه لسانَهُ. فكما يَحْفَظُ لسانَه عن الغيبة يجبُ أن يحفَظَ قَلَمَهُ عن الغيبة، وكما يصونُ لسانَه عن الكفر عليه أن يصونَ قلمه عن الكفر وهكذا.

ومن المعاصى الخيانةُ. والخيانة هى ضدُّ الأمانة، كما لو ائْتَمَنَكَ إنسانٌ على مال يجب عليك أن تحفظَه له. فلا تصرِفَ هذا المال على نفسِكَ ولو كان فى نيتِكَ أن تعوّضَ له فيما بعد، إنما تحفَظُهُ كما هو فى المكان الذى يُحفظ فيه مثله. وإذا ائْتَمَنَكَ إنسانٌ على عمله فلا يجوزُ أن تخونَهُ، وإذا استنصحَك فليس لك أن تخونَه فى النصيحة. وكذلك إذا صَلَّيتَ عليك أن تُرَاعِىَ الأمانَةَ فى ذلك فلا تدخلُ فى الصلاة من غير طهارة. فكل هذه وأمثالُهَا وجوهٌ للأمانة، وتضييعُ الأمانةِ فيها وجوهٌ من الخيانة. مثل الشخص الذى يُظْهِرُ نفسَه بأقواله أو بتصرفاته أنّه هو أهل لتحمُّل عِبء وظيفة معينة وهو يعلم أنه ليس أهلًا لها، فهذه خيانة فى الأحوال. والخيانة من أرذَلِ الصفات، حتى إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له” رواه ابن حبان من حديث أنسٍ. يعنى أنّ الذى لا يحافظُ على الأمانة لا يكون إيمانه كاملًا، ومعنى “لا إيمان” أى لا إيمانَ كاملًا له أى أنّ هذا ذنبٌ ليس بالهين. والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.