الثلاثاء يوليو 8, 2025

 

5- بَابُ لِينِ الْكَلامِ لِوَالِدَيْهِ

  • حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ قَالَ: حَدَّثَنِي طَيْسَلَةُ([1]) بْنُ مَيَّاسٍ([2]) قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّجَدَاتِ([3])، فَأَصَبْتُ ذُنُوبًا لَا أُرَاهَا([4]) إِلَّا مِنَ الْكَبَائِرِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا هِوَ([5])؟ قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: لَيْسَ([6]) هَذِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ، هُنَّ تِسْعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ نَسَمَةٍ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَإِلْحَادٌ فِي الْمَسْجِدِ([7])، وَالَّذِي يَسْتَسْخِرُ([8])، وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ.

قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: أَتَفْرَقُ([9]) مِنَ([10]) النَّارَ، وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ، قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدُكَ([11])؟ قُلْتُ: عِنْدِي أُمِّي، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَوْ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلَامَ، وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ، لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مَا اجْتَنَبْتَ الْكَبَائِرَ([12]).

  • ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ([13])، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٢٤]، قَالَ: لَا تَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّاهُ([14]).

([1]) وقع في (أ) هنا: طيلسة، وفي باب بكاء الوالدين برقم (31): طيسلة. اهـ وفي (ح، ط): طيلسة، وأما في البقية: طيلسة. اهـ قال في التمهيد: طيلسة هذا يعرف بطيلسة بن مياس ومياس لقب وهو طيلسة بن علي الحنفي يقال فيه طيلسة وطيسلة. اهـ وقال في التقريب: طيسلة بفتح أوله وسكون التحتانية وفتح المهملة وتخفيف اللام ابن علي البهدلي بموحدة اليمامي مقبول من الثالثة قال البرديجي هو ابن مياس وهو لقب علي. اهـ وقال المزي في تهذيبه: روى له البخاري في الأدب حديثين موقوفين. اهـ قلت: والثاني هو في الرقم (31). اهـ.

([2]) قال في التقريب: بتشديد التحتانية وءاخره مهملة. اهـ.

([3]) النَّجَدَات، مُحَركة، قوم من الحرورية أصحاب نجدة بن عامر اليمامي الخارجي وهو زائغ عن الحق وله مقالات معروفة وأتباع انقرضوا، ووقع ذكره في صحيح مسلم وأنه كاتب ابن عباس يسأله عن سهل ذي القربى وعن قتل الأطفال الذين يخالفونه وغير ذلك وأجابه ابنُ عباس وقال: لولا أن أكتم علمًا ما كتبتُ إليه، وقال: لولا أن يقعَ في أُحموقة ما كتبتُ إليه، وفي رواية: والله لولا أنْ أَرُدَّهُ عن نَتْنٍ يَقَعُ فيه ما كتبتُ إليه. اهـ انظر شرح مسلم للنووي، ولسان الميزان، وغيرهما.

([4]) كذ في (د، و) بضم الهمزة. اهـ.

([5]) وفي (ب، ج، ك، ز، ل): مَا هِيَ. اهـ وكذا في شرح الحجوجي. اهـ.

([6]) وفي (د، و، ي): لَيْسَتْ. اهـ.

([7]) قيد ناسخ (د) على هامش كلمة المسجد: أي الحرام. اهـ قلت: وفي رواية: وَالْإِلْحَادُ فِي الْحَرَمِ. اهـ كما في الفتح.

([8]) وأما في (أ): يَسْتَحْسِرُ، وفي (ب، ج، د، و، ز، ي، ك، ل): يَسْتَسْخِر، والمثبت من (ح، ط): يَسْتَسْحِرُ. اهـ وهذا يوافق ما رواه الإمام الطبري في تفسيره من طريق إسماعيل ابن عُلية به سندًا ومتنًا، وفيه: «وَالَّذي يَسْتَسْحِرُ»، (واطلعنا على ثلاث مخطوطات لتفسير الطبري، من مكتبة نور عثمانية، ومكتبة كوبريلي، من تركيا، الأولى فيها: يستسحر، والثانية والثالثة فيهما: يستسخر)، وما رواه مسدد من طريق طيسلة وفيه: «وَالَّذِي يَسْتَسْحِرُ»، (والمصنف رواه من طريق مسدد)، وما رواه إسحاق بن راهويه من طريق طيسلة وفيه: «وَالَّتِي تَسْتَسْحِرُ» كما في المطالب العالية للحافظ ابن حجر (وقد اطلعنا على نسختين خطيتين للمطالب إحداها من جامعة برنستون في أمريكا والثانية من جامعة الرياض في السعودية، فيهما: تستسحر)، وفي إتحاق الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة لأبي العباس شهاب الدين البوصيري الكناني الشافعي، وما في الدر المنثور للحافظ السيوطي قال: وأخرج ابن راهويه والبخاريّ في الأدب المفرد وعبد بن حميد وابن المنذر والقاضي إسماعيل في أحكام القرءان وابن المنذر بسند حسن من طريق طيسلة عن ابن عمر قال: الكبائر تسع، وذكر: «وَالَّذِي يَسْتَسْحِرُ». اهـ وأخرج علي بن الجعد في الجعديات عن طيسلة قال: سالت ابن عمر عن الكبائر فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وذكر: «وَالسِّحْرُ». اهـ وكذا في الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي وابن عبد البر في التمهيد والبرديجي في جزء الكبائر من طريق طيسلة أيضًا وفيه: «وَالسِّحْرُ». اهـ قلت: وبناء «ييستسحر» من «السحر»، وهو – وإن خلت منه المعاجم ودواوين اللغة – صحيح في الاشتقاق والمعنى ولا تاباه قواعد الصرف، إذ إن بناء الاستفعال مستفيض إلى حد الاطراد أو ما يقرب منه، فإن ثبت ذلك في نص الحديث يكون معنى الاستسحار طلب السحر أي أن يسعى المرء في تحصيل ءالاته ليعمله أو ليتعلمه، أو أن يطلب من الساحر عمل السحر. وقد أخرج ابن حبَان وابن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عن أبيه عَن جده قال: كتب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى أهل اليمن كتابًا فِيهِ الْفَرائِض وَالسّنَن والديات وَبعث بِهِ معَ عَمْرو بن حزم قال: وكان في الكتاب: إِن أكبر الْكَبائِرِ عنْد الله يَوْم الْقِيامَة، وذكر: وَتعلم السحر. اهـ فكل هذه الأخبار المتقدمة تشهد أن الظاهر في ضبط النص هو «يستسحر» لتقاربها وتعاضدها لفظًا ومعنى. اهـ وهذا الذي أثبته شيخنا الإمام المحدث الشيخ عبد الله بن محمد الهرري رحمات الله عليه في كتابه بغية الطالب عازيًا للمصنف هنا. اهـ.

وأما في (أ): «يَسْتَحْسِرُ» بحاء مهملة مقدمة على السين الثانية، أي ينقطع عن الدعاء للياس من رَوْحِ الله والقنوط من رحمة الله، وعند عبد الرزاق والطبراني عن ابن مسعود موقوفًا: أكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من رَوح الله، وعدّ ابن حجر الهيتمي في الزواجر القنوطَ من رحمة الله من الكبائر. اهـ قال النووي في شرح مسلم عند حديث «فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعاءَ»: قال أهل اللغة: يقتل حسر واستحسر إذا أعيا وانقطع عن الشيء والمراد هنا أنه ينقطع عن الدعاء ومنه قوله تعالى: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ولَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19] أي لا ينقطعون عنها، ففيه أنه ينبغي إدامة الدعاء ولا يستبطئ الإجابة. اهـ وقال ابن الملقن سراج الدين الشافعي في التوضيح لشرح الجامع الصحيح في معنى «فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ» ينقطع قال تعالى: {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ}، وقالت عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث: «ما لم يعجل أو يقنط». اهـ وقال الحافظ في الفتح في معنى «يَسْتَحْسِرُ»: وهو بمهملات، ينقطع وفي هذا الحديث أدب من ءاداب الدعاء وهو أنه يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار. اهـ وقال في تاج العروس: (كاسْتَحْسَرَ) استِفْعَال من الحَسْرِ وهو العَيَاءُ والتَّعَب، وقال اللهُ تَعَالى: {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} وفي الحَديثِ: «ادْعُوا اللهَ ولا تَسْتَحْسِرُوا» أي: لا تَمَلُّوا. اهـ وقال في مختار الصحاح: استحْسَر أيضًا أعيا، قلت: ومنه قوله تعالى: {مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]. اهـ.

وفي سائر النسخ: «يَسْتَسْخِر». اهـ وهو أيضًا صحيح معنى واشتقاقًا، إذ إن الاستسخار استفعال من السخرية واستعماله ثابت فصيح، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا ءَايةً يَسْتَسْخِرُونَ} [الصافات: 14] واشتهر عند أهل اللغة أن بناء المزيد منه أعني (استسخر) يأتي بمعنى الثلاثي المجرد من الباب أي (سخر) لكن مع مبالغة في المعنى، وعليه إن ثبت ذلك في نص الحديث فالمعنى يسخر ويستهزئ بعباد الله. اهـ وقد عدَّ ابن حجر الهيتمي في الزواجر السخرية بعباد الله تعالى وازدراء لهم واحتقاره إيّاهم من الكبائر. اهـ وفي شرح الحجوجي: والذي يستخسر أي يستهزئ بالناس ويزدريهم، وفي رواية والسحر، أي: معاطاته. اهـ.

([9]) قال في اللسان: الفَرَق: الخوف والجزع. اهـ وفي شرح الحجوجي: أتفرق من النار أي تهرب منها. اهـ.

([10]) وفي (ب، ج، ز، ي، ك، ل) سقط «من» اهـ.

([11]) وأما في (ب، ج، ك): والدك. اهـ.

([12]) أخرجه الطبري في تفسيره من طريق إسماعيل ابن عُلية به سندًا ومتنًا، والخرائطي في مساوئ الأخلاق من طريق أيوب بن عتبة عن طيسلة عن ابن عمر مرفوعًا، قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة: رواه مسدد وإسحاق بن راهويه بسند واحد ورواته ثقات. اهـ. وحسنه السيوطي في الدر المنثور. اهـ وقال الحجوجي: حديث حسن. اهـ.

([13]) هو الثوري كما جاء مصرحًا به في رواية الطبري. اهـ.

([14]) أخرجه الطبري في تفسيره من طريق ابن مهدي وأيوب بن سويد، وابن وهب في الجامع من طريق ابن مهدي، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق من طريق ابن المبارك، كلهم عن سفيان الثوري به مثله، وأخرجه المروزي في البر والصلة عن ابن المبارك عن سفيان به نحوه ولفظه: لا تمتنع من شيء أراده. اهـ.