الثلاثاء يوليو 8, 2025

337- بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: [لَابَ لِشَانِئِكَ]([1])

  • حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الصَّعْقُ([2]) قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ([3]) قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: أَمْسَى عِنْدَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَنَظَرَ إِلَى نَجْمٍ عَلَى حِيَالِهِ([4]) فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، لَيَوَدَّنَّ أَقْوَامٌ وَلَوْا([5]) إِمَارَاتٍ فِي الدُّنْيَا وَأَعْمَالًا أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَعَلِّقِينَ عِنْدَ ذَاكَ([6]) النَّجْمِ، وَلَمْ يَلُوا تِلْكَ الْإِمَارَاتِ، وَلَا تِلْكَ الْأَعْمَالَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: [لَابَ لِشَانِئكَ]([7])، أَكُلُّ هَذَا سَاغَ([8]) لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ فِي مَشْرِقِهِمْ؟ قُلْتُ:

 

نَعَمْ وَاللَّهِ([9])، لَقَدْ قَبَّحَ اللَّهُ ومَكَّنَ([10])، فَوَالَّذِي([11]) نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، لَيَسُوقُنَّهُمْ([12]) حُمْرٌ غِضَابٌ([13])،  كَأَنَّمَا([14]) وُجُوهُهُمُ الْمَجَانُّ([15]) الْمُطْرَقَةُ([16])، حَتَّى يُلْحِقُوا ذَا الزَّرْعِ بِزَرْعِهِ، وَذَا الضَّرْعِ بِضَرْعِهِ([17]).

([1]) وأما في (ح، ط): لَا بَل سيأتيك، ورسمها في (أ) قريب من ذلك، وفي البقية: لا بل شانئك. اهـ أقول: (لاب لشانئك) لم تذكر هكذا في جميع الأصول، ولكن وجدنا في حاشية (د، و) ما يشير إلى أن أصل هذه العبارة (لا أب لشانئك)، وقال: هي جملة دعائية تقع في خلال الكلام وقت المحاورة، فمقصوده أن مبغض المخاطب ذليل لا عز له حيث لم يكن له أب، نظير ما يقال لا عاش عدوك وشبهه، والله أعلم. اهـ.

ثم إن قول (لا بل شانئك) وقول (لا بل سيأتيك) ليس في كتب اللغة والغريب ولم يرد في شيء من المصادر، وإن تكلف بعض المعلقين على مطبوع الأدب المفرد تأويل (لا بل شانئك)، وأما قول (لا أب لشانئك) فهو منصوص عليه في المحاسن والمساوئ للبيهقي من قول زياد بن أبي سفيان، وقد ذكره ابن سيده في المخصص والزبيدي في التاج ناقلين عن ابن السكيت، فتبين أن لفظ هذه الجملة مأثور عن العرب ومعناها واضح بخلاف ما وقع بين أيدينا من أصول خطية وكتب مطبوعة للكتاب، وأما الذي اعتمدناه من قول (لاب لشانئك) فهو مخفف عن الأول لكثرة الاستعمال كما قال أبو جعفر النحاس في إعراب القرءان، وكان الرسم الصحيح للناسخ وصل اللام بالشين لا بالباء، والله الموفق للصواب.

([2]) بفتح صاد وكسر عين أشهر من سكونها.

([3]) كذا في (أ، ح، ط)، وأما في البقية: أبا حمزة. اهـ.

([4]) قال الحجوجي: (على حياله) منفردًا عن النجوم. اهـ.

([5]) بفتح الواو وضم اللام المخففة كما في (أ، و)، وفتح الواو في (د)، وضم اللام المخففة في (ي). وأما الحجوجي قال: بضم الواو وشد اللام. اهـ قلت: ويصح لغة الوجهان. اهـ.

([6]) كذا في (أ) وأما في البقية: ذلك. كما في شرح الحجوجي. اهـ.

([7]) وأما في (أ، ح، ط): لَا بَلْ سَيأْتِيكَ، وفي البقية: لا بل شانيك. اهـ وضبط في (د) «بل» بفتح الباء. اهـ.

([8]) قال الحجوجي: (ساغ) جاز. اهـ وقيد ناسخ (د، و) على الهامش: أكلُّ هذا ساغ، إلخ، استفهام تعجب من تسويغ هذه الأمور من الجور من الولاة والظلم، وخص أهل المشرق، لأن بغداد والكوفة كانت منازل الولاة في الصدر الأول، وقوله: والله، إلخ، مقول أبي هريرة بدليل عطف القسم الآتي عليه، يعني أن الله عاملهم معاملة من قبح أمره ومكر به، فكان عاقبة ظلمهم أن سلط عليهم الترك الموصوفون بحمرة الوجوه، وتشبيهًا بالمجان من جهة أن الأنف لا ارتفاع له، والجبهة كذلك، ووصفهم بالغضب، فهذه الحالة لهم دليل على كمال عنفهم وغلظتهم، ولذا عبّر عن تسلطهم عليهم بالسَّوق المشير إلى العنف. اهـ قلت: وهذا يوافق ما في صحيح المصنف وغيره مرفوعًا: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الـمَجَانُّ الـمُطْرَقَةُ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ». اهـ ولكن رأيت في بعض مطبوعات الأدب المفرد: (حمُرا) بضم الميم، أي: جمع حمار. اهـ؟!. فتأمل!!!

([9]) في بعض النسخ المطبوعة زيادة: قال. اهـ.

([10]) كذا في (أ، ح، ط)، وأما في البقية: قبح الله ومكر. اهـ قال الحجوجي: (قبح الله ومكر) بمن تولى ذلك. اهـ.

([11]) وأما في شرح الحجوجي: والذي. اهـ.

([12]) وأما في (ح، ط): لتسوقنهم. اهـ والمثبت من (أ) وبقية النسخ: ليسوقنهم. اهـ وضبطها في (أ، ج، د) بتشديد النن، وزاد في (د) بفتح القاف. اهـ قلت: على نسخة (أ) لا بدّ أنْ تفتح القاف (لَيَسُوْقَنَّهم)، وبعدها: (حُمْرٌ) بالرفع على أنه الفاعل، و(غِضابٌ) على أنه نعت له، وهذا هو الضبط الأقرب مِن بين كلّ ما سيُذكر بعدُ. والمعنى عليه أنه سيَسوقهم أناسٌ موصوفون بأنهم حمرٌ غضابٌ كأنّ وجوههم المجانّ المطرقة، والمشهور أنهم الترك. ويصح على هذا المعنى والضبط أن يُقرأ: (لَتَسُوْقَنَّهم حُمْرٌ غِضابٌ) بالتاء. وسواء كانت (لَيَسُوْقَنَّهم) بالياء أم (لَتَسُوْقَنَّهم) بالتاء، ـ والقافُ مفتوحة، و(حُمْرٌ) مرفوع – يَجوزُ نصب (غِضابًا)، ولكن رفعه هو الأظهر. أما ضمّ القاف فصحيحٌ نحوًا ولكن سيتغيّر المعنى بحسب الظهر إلى أنّ أبا هريرة يقول عن هؤلاء المذكورين في الحديث (الذين وَلُوا الإمارات…) بأنّهم هم سيَسوقون الحُمْرَ الغِضابَ أي التركَ، وحينئذٍ يُضبط: (لَتَسُوْقُنَّهم) أو (لَيَسُوْقُنَّهم) بضمّ القاف، وحينئذٍ يَتعيّن أن يكون كلٌّ من: (حُمْرًا) و(غِضابًا) منصوبًا على الحالية.. والخلاصة: إن رُفع (حمرٌ) يكون هو الفاعل، ولا بدَ من فتح القاف حينئذٍ. وإنْ نُصب فيكون حالًا، ويحتمل ضم القاف وفتحها مع اختلاف المعنى يعني: مَن السائق ومَن المسوق؟ فإنْ فتحت القاف يعني أن الفاعل هم المخاطبون الذين يُخاطبهم أبو هريرة، وإن ضممت القاف يكون الفاعل ضميرَ الغائب بحسب مرجعه. وهذا الحديث ورد – بلفظ مختلف- في صحيح البخاريّ، ومفاده أنّه مِن أشراط الساعة أنْ يَتقاتل المسلمون مع هؤلاء القوم الذين قيل إنهم الترك وقيل غير ذلك. اهـ.

([13]) كذا في (أ): حُمرٌ غِضَاب. اهـ وأما في (ط): حمرًا غضابًا. اهـ وفي البقية وفي شرح الحجوجي: حمر غضابًا. اهـ وضبطها في (ج، د) بتسكين الميم. اهـ.

([14]) وفي شرح الحجوجي: كأن. اهـ.

([15]) قال القاري في المرقاة: بفتح الميم وتشديد النون جمع المجن بكسر الميم، وهو الترس. اهـ.

([16]) ضبطها في (و) بضم الميم وسكون الطاء، وأما في (د) بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الراء. وفي (ب) بفتح الطاء، وفي (ز، ط) بتشديد الراء. اهـ قلت: الـمَجانّ جمع مِجنّ، قال الأزهريّ في تهذيب اللغة: والمجان المطرقة: ما يكون مِن جلدين أحدهما فوق الآخر، والذي جاء في الحديث: «كأنّ وجوههم المجانّ المطرقة»، أراد: أنهم عِراض الوجوه غلاظها، وهم التُّرْك. اهـ وقال ابن الجوزيّ في غريب الحديث: وفي كتاب أبي عُبيد فيما ضبطناه عن أشياخنا المطَرَّقة بالتشديد. اهـ والضبط الأول الذي أُثبت هو الأشهر. اهـ قال في مجمع بحار الأنوار: (المطرقة) أي التراس التي ألبست العقب شيئًا فوق شيء، (المطرقة) بسكون طاء وخفة راء على الفصيح، وحكي فتح الطاء وشدة الراء، والمراد تشبيه وجوه الترك في عرضها ونتو وجناتها بالترس المطرقة. اهـ.

([17]) لم أجد من أخرجه. قال الحجوجي: وقد أخرج الطبراني والحاكم والبيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة مرفوعًا: «ويل للعرفاء وويل للأمراء وويل للأمناء لَيَوَدَّنَّ أقوام يوم القيامة لو أنهم كانوا معلقين بذوائبهم بالثريا يذبذب بهم بين السماء والأرض وأنهم لم يلوا من أمر الناس شيئًا». اهـ.