(17) تَكَلَّمْ عَنِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ.
اعْلَمْ أَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ مَوْجُودٌ لا كَالْمَوْجُودَاتِ فَلا يُتَصَوَّرُ فِى الْعُقُولِ وَالأَذْهَانِ لَيْسَ جِسْمًا وَلا رُوحًا وَلا ضَوْءًا مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَجْمِ وَالْكَمِيَّةِ وَالْمِقْدَارِ وَالْمِسَاحَةِ وَالْحَدِّ لَيْسَ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَسَمْكٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا مُؤَلَّفًا مِنْ أَجْزَاءٍ مُنَزَّهٌ عَنِ اللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالْهَيْئَةِ وَالصُّورَةِ وَالأَعْضَاءِ لا يَحُلُّ فِى شَىْءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ لا يَسْكُنُ السَّمَاءَ وَلا الْعَرْشَ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ خَلَقَ الْعَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ. لا مَثِيلَ لَهُ وَلا شَبِيهَ فِى ذَاتِهِ وَلا فِى صِفَاتِهِ وَلا فِى فِعْلِهِ. صِفَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لا تَتَغَيَّرُ، لا يَتَّصِفُ بِصِفَاتِ الأَجْسَامِ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. خَلَقَ الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ وَلا يَحْتَاجُ إِلَى شَىْءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلا يَدْخُلُ شَىْءٌ فِى الْوُجُودِ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وكُلُّ شَىْءٍ يَحْصُلُ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. قَدِيمٌ بِلا ابْتِدَاءٍ دَائِمٌ بِلا انْتِهَاءٍ حَىٌّ لا يَمُوتُ قَيُّومٌ لا يَنَامُ عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ فَلا يُعْجِزُهُ شَىْءٌ يَسْمَعُ كُلَّ الْمَسْمُوعَاتِ بِسَمْعٍ أَزَلِىٍّ بِلا أُذُنٍ وَلا ءالَةٍ أُخْرَى وَلَيْسَ بِسَمْعٍ يَحْدُثُ فِى ذَاتِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْحَادِثَاتِ وَيَرَى كُلَّ الْمَرْئِيَّاتِ بِبَصَرِهِ الأَزَلِىِّ بِلا حَدَقَةٍ وَلا ءَالَةٍ أُخْرَى فَلا يَحْدُثُ فِى ذَاتِهِ بَصَرٌ كَمَا يَحْصُلُ لِلْمَخْلُوقِ. كَلَّمَ نَبِيَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا بِلا لِسَانٍ وَلا شَفَتَيْنِ وَكَلامُهُ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً لا يُبْتَدَأُ وَلا يُخْتَتَمُ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ وَلا مُتَجَزِّئٍ وَإِنَّمَا هُوَ كَلامٌ وَاحِدٌ مَوْجُودٌ أَزَلًا وَأَبَدًا.