الثلاثاء يوليو 8, 2025

118- بَابُ الْخُرُوجِ إِلى الْمَبْقَلَةِ([1])، وَحَمْلِ الشَّيءِ
علَى عَاتِقِهِ إِلى أَهْلِهِ بِالزَّبِيلِ(
[2])

  • حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ([3])، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قُرَّةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: عَرَضَ أَبِي عَلَى سَلْمَانَ أُخْتَهُ، فَأَبَى وَتَزَوَّجَ([4]) مَوْلَاةً لَهُ، يُقَالُ لَهَا: بُقَيْرَةُ([5])، فَبَلَغَ أَبَا قُرَّةَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ حُذَيْفَةَ وَسَلْمَانَ شَيْءٌ، فَأَتَاهُ يَطْلُبُهُ، فَأَخْبَرَ([6]) أَنَّهُ فِي مَبْقَلَةٍ لَهُ([7])، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ، فَلَقِيَهُ([8]) مَعَهُ زَبِيلٌ فِيهِ بَقْلٌ، قَدْ أَدْخَلَ عَصَاهُ فِي عُرْوَةِ الزَّبِيلِ وَهُوَ عَلَى عَاتِقِهِ فَقَالَ: ([9])يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ؟ قَالَ: يَقُولُ سَلْمَانُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا([10])} [الإسراء: ١١]، فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا دَارَ سَلْمَانَ، فَدَخَلَ سَلْمَانُ الدَّارَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ أَذِنَ لِأَبِي قُرَّةَ، فَدَخَلَ، فَإِذَا نَمَطٌ([11]) مَوْضُوعٌ عَلَى بَابٍ، وَعِنْدَ رَأْسِهِ لَبِنَاتٌ، وَإِذَا قُرْطَاطٌ([12])، فَقَالَ: اجْلِسْ عَلَى فِرَاشِ مَوْلَاتِكَ الَّتِي تُمَهِّدُ لِنَفْسِهَا، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ: إِنَّ حُذَيْفَةَ كَانَ يُحَدِّثُ بِأَشْيَاءَ، كَانَ يَقُولُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَضَبِهِ لِأَقْوَامٍ، فَأُوتَى فَأُسْأَلُ عَنْهَا، فَأَقُولُ: حُذَيْفَةُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ، وَأَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ ضَغَائِنُ بَيْنَ أَقْوَامٍ، فَأُتِيَ حُذَيْفَةُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ سَلْمَانَ لَا يُصَدِّقُكَ وَلَا يُكَذِّبُكَ بِمَا تَقُولُ، فَجَاءَنِي حُذَيْفَةُ فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ ابْنَ أُمِّ سَلْمَانَ، فَقُلْتُ يَا حُذَيْفَةُ ابْنَ أُمِّ حُذَيْفَةَ، لَتَنْتَهِيَنَّ، أَوْ لَأَكْتُبَنَّ فِيكَ إِلَى عُمَرَ، فَلَمَّا خَوَّفْتُهُ بِعُمَرَ تَرَكَنِي، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَنَا([13])، فَأَيُّمَا عَبْدٌ مِنْ أُمَّتِي([14]) لَعَنْتُهُ لَعْنَةً، أَوْ

 

سَبَبْتُهُ سَبَّةً، فِي غَيْرِ كُنْهِهِ([15])([16])، فَاجْعَلْهَا عَلَيْهِ صَلَاةً»([17]).

  • حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: اخْرُجُوا بِنَا إِلَى أَرْضِ قَوْمِنَا. فَخَرَجْنَا، فَكُنْتُ أَنَا وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِي مُؤَخَّرِ النَّاسِ، فَهَاجَتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ أُبَيُّ: اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا أَذَاهَا. فَلَحِقْنَاهُمْ، وَقَدِ ابْتَلَّتْ رِحَالُهُمْ، فَقَالُوا: مَا أَصَابَكُمُ الَّذِي أَصَابَنَا؟ قُلْتُ: إِنَّهُ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْرِفَ عَنَّا أَذَاهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا دَعَوْتُمْ لَنَا مَعَكُمْ([18]).

([1]) قال في مختار الصحاح: (الْمَبْقَلَةُ) مَوْضِعُ الْبَقْل. اهـ.

([2]) وفي (ج): بالزنبيل. اهـ وفي (و): بالزنابيل. اهـ قال النووي في شرح مسلم: الزَّبِيلُ بِفَتْحِ الزَّايِ مِنْ غَيْرِ نُونٍ والزِّنبيل بِكَسْرِ الزَّاي وَزِيَادَةِ نُونٍ وَيُقَالُ لَهُ الْقُفَّةُ وَالْمِكْتَلُ بكسر الميم وفتح التاء المثناة فوق. اهـ وقال ي مختار الصحاح: (الزَّبِيلُ) الْقُفَّةُ فَإِذَا كَسَرْتَهُ شَدَّدْتَ فَقُلْتَ: (زِبِّيلٌ) أَوْ (زِنبِيلٌ). اهـ وقال في المصباح: وَالزَّبِيلُ مِثَالُ كَرِيم الْمِكْتَلُ وَالزِّنبِيلُ مِثَالُ قِنْدِيلٍ لُغَةٌ فِيهِ وَجَمْعُ الْأَوَّلِ زُبُلٌ مِثْلُ: بَرِيدٍ وَبُرُدٍ وَجَمْعُ الثَّانِي زَنَابِيلُ مِثْلُ: قَنَادِيلَ. اهـ وكذا قيد ناسخ (د) على الهمش نقلًا عن المصباح. اهـ وفي شرح الحجوجي: (بالزنبيل) المكتل. اهـ.

([3]) وفي هامش (د): مسعر بن كدام. اهـ قلت: مِسْعَر: بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين وبالراء. اهـ.

([4]) وفي شرح الحجوجي: (وقد تزوج). اهـ.

([5]) وفي (أ): نقيرة. اهـ والمثبت من بقية النسخ ومصادر التخريج وغريب الحديث، قال في تهذيب الكمال: وبقيرة امرأة سلمان الفارسي، اهـ قال السندي في حاشيته على المسند: قوله بُقَيْرَةُ ضبط بالتصغير. اهـ.

([6]) وفي (ج، ز): فأخبره. اهـ قال السندي في حاشيته على المسند: فَأُخْبِرَ: بناء على المفعول، أي أخبر أبو قرة أن سلمان في مبقلة له. اهـ.

([7]) سقط (له) من شرح الحجوجي. اهـ.

([8]) قال السندي في حاشيته على المسند: أي فلقي سلمان أبا قرة في الطريق. اهـ.

([9]) كذا في (أ، ح، ط) بدون: يا. اهـ وهي توافق رواية أحمد في المسند من طريق أبي أسامة عن مسعر به، وأما في البقية وشرح الحجوجي بزيادة: يَا. اهـ.

([10]) قال السندي في حاشيته على المسند: أي اصبر حتى ندخل الدار ولا تكن عجولًا. اهـ.

([11]) قال في الصحاح: النَمطُ: ضربٌ من البُسُطِ. اهـ وكتب ناسخ (د): بسط له خمل رقيق. اهـ.

([12]) لغة في القُرْطان بالنون، وهو الأشهر، قال الزبيديّ في تاج العروس: والقُرْطان، عن ابن دريد، والقُرْطاط، بضمّهما، ويُكسر الأخير، وفي اللسان: ويُكسر الأوّل أيضًا، فهي لغاتٌ أربعة، ذكر منها الجوهريّ الأوْليين، وقال: هي البَرْذَعة. قال الخليل: هي الحِلْس الذي يُلقى تحت الرَّحْل. اهـ قال الحجوجي: (قرطاط) قطيفة لها خمل. اهـ قلت: وأما في مسند أحمد: قُرطان. اهـ.

([13]) قال السندي في حاشيته على المسند: «من ولد ءادم»: خبر مقدم، «أنا» مبتدأ، والتقديم للحصر، أي لست من الملائكة وإنما أنا من البشر. اهـ.

([14]) سقط (أمتي) من شرح الحجوجي. اهـ.

([15]) وأما في (أ، ح، ط): كُنْهٍ. اهـ والمثبت من بقية النسخ ومن مصادر التخريج. قال في النهاية: كُنْهُ الأمْر: حَقيقته. اهـ.

([16]) قال السندي في حاشيته على المسند: فِي غَيْرِ كُنْهِهِ: أي من غير استحقاقه. اهـ قلت: قوله صلى الله عليه وسلم: «فِي غَيْرِ كُنْهِهِ»، قيدٌ يفيد المعنى ويوضحه وقد جاء بلفظ ءاخر في رواية مسلم ونصها: فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اهـ أي ليس لها بأهل في باطن الأمر عندك يا الله، وهو عندي من أهلها لأني إنما أحكم بالظاهر، فالمعنى أنه صلى الله عليه وسلم إن شتم إنسانًا أو جلده أو لعنه بحق بناءً على ما ظهر له من حاله أنه مستحق لذلك بأمارة شرعية، وفي باطن أمره هو ليس كذلك، لا يستحق الشتم ولا الجلد ولا اللعن، سأل الله تعالى أن يجعلها له زكاة وأجرًا. وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم منزه أن يلعن إنسانًا أو يشتمه أو يجلده بلا حق.

قال الإمام المازري في الـمُعْلم بفوائد مسلم، باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه، وليس هو أهلًا لذلك، كان له زكاة وأجرًا ورحمة: إن قيل: كيف يدعو النبي عليه الصلاة والسلام بدعوة على من ليس لها بأهل، وهذا مما لا يليق به صلى الله عليه وسلم؟ قيل: المراد بقوله: ليس لها بأهل عندك في باطن أمره، لا على ما يظهر له عليه الصلاة والسلام مما يقتضيه حاله حين دعائه عليه، فكأنه عليه الصلاة والسلام يقول: من كان باطن أمره عندك أنه ممن ترضى عنه فاجعل دعوتي التي اقتضاها ما ظهر إليّ من مقتضي حاله حينئذٍ طهورًا وزكاة، وهذا معنى صحيح لا إحالة فيه وهو عليه الصلاة والسلا متعبد بالظواهر، وحساب الناس في البواطن على الله تعالى. اهـ ومثله في شروح صحيح مسلم للنوي والأبي والسيوطي وغيرهم.

([17]) أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني في الكبير من طرق عن عمر بن قيس به نحوه.

([18]) أخرجه ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة والمحاملي في أماليه واللالكائي في كرامات الأولياء وابن عساكر في تاريخ دمشق من طرق عن يحيـى بن عيسى به نحوه.