روى موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن رسول الله ﷺ لما دخل يوم الاثنين بيت عائشة رضي الله عنها دخل أبو بكر على ابنته عائشة فقال: «قد أصبح رسول الله ﷺ مفيقا، وأرجو أن يكون الله عز وجل قد شفاه»، ثم ركب فلحق بأهله بالسنح([1]) حيث امرأته حبيبة بنت خارجة بن أبي زهير الخزرجي، ورجعت كل امرأة من نساء رسول الله ﷺ إلى بيتها وذلك يوم الاثنين.
ومر على مكث النبي ﷺ عند عائشة أسبوع وهو يمرض في بيتها، قالت عائشة: مات رسول الله ﷺ في بيتي ويومي وبين سحري ونحري، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطب فنظر إليه، فظننت أن له فيه حاجة، فأخذته فمضغته ونفضته وطيبته ثم دفعته إليه فاستن كأحسن ما رأيته مستنا قط، ثم ذهب يرفعه إلي فسقط من يده، فأخذت أدعو الله عز وجل بدعاء كان يدعو له به جبريل عليه السلام، وكان هو يدعو به إذا مرض، فلم يدع به في مرضه ذاك، فرفع بصره إلى السماء وقال: «الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى» – يعني الملك([2]) – وفاضت نفسه، فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في ءاخر يوم من الدنيا.
أما اللباس الذي قبض فيه رسول الله ﷺ، فقد روى الشيخان عن أبي بردة أن عائشة رضي الله عنها أخرجت إزارا وكساء ملبدا([3]) فقالت: «في هذا قبض رسول الله ﷺ».
997- …………………….. |
| أقام في شكواه ذاك اثني عشر |
وقد (أقام) رسول الله ﷺ (في شكواه) من مرض وفاته (ذاك اثني عشر) يوما (أو عشرا) من الأيام بما في ذلك الـمدة التي سبقت مكثه في بيت عائشة رضي الله عنه ومدة مكثه عندها إلى يوم وفاته ﷺ (أو) أي وفي قول إنه ﷺ (أقام أربع عشرة) يوما (أو فثلاث عشرة) بكسر التنوين للضرورة وهذا القول (قد ذكره كذا) أي بهذه الرواية (ابن عبد البر) القرطبي الـمجسم الجهوي، وقد بينا حاله من كتبه ومقالاته في كتابنا «الكشف الجلي لحقيقة الـمشبهة ابن عبد البر وابن بطة والذهبي» فلينظر.
وكانت وفاة رسول الله ﷺ (في) شهر (ربيع) الأول (في يوم الاثنين) من العام الحادي عشر للهجرة (لدى الجميع) أي أهل السير (وفاته) أما تعيين اليوم من ربيع فهو (إما بثاني) يوم من (الشهر) أي شهر ربيع الأول (أو) في (مستهل) أي أول شهر ربيع (أو) أنه كان (بثاني عشر) ربيع (و)هذا الأخير (هو) القول (الذي أورده) في رواياتهم وكتبهم (الجمهور) من المحدثين وأهل السير (لكن) القول بهذا (عليه نظر) اعتراض (كبير) بترك التنوين للوزن، وذلك (لأن) الـ(ـوقفة) يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة في حجة (الوداع) من العام العاشر كانت في يوم (الجمعة) باتفاق الروايات وفيها خطب رسول الله ﷺ خطبته الشهيرة، وعليه (فلا يصح كونها) أي الوقفة (فيه) أي في يوم الجمعة (معه) أي مع كون وفاته ﷺ يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سواء قيل بإتمام ذي الحجة والـمحرم وصفر ثلاثين يوما أو نقص بعض وتمام بعض أو نقص جميعها، فإنه لا يكون الثاني عشر من ربيع الأول إلا الخميس أو الجمعة أو السبت أو الأحد ولا يكون في احتمال ما يوم الاثنين ألبتة.
ونقل الصفدي([4]) عن الشرف بن البارزي قوله: «يحتمل أنه لما حج رسول الله ﷺ رأى هلال ذي الحجة بين مكة والمدينة ليلة الخميس وغم على أهل المدينة فلم يروا هلال ذي الحجة إلا ليلة الجمعة، فلما رجع رسول الله ﷺ وتوفي بالمدينة أرخ أهل المدينة وقوفه على حكم ما رأوا من أول ذي الحجة وهو يوم الجمعة، فجاءت الشهور الثلاثة ذو الحجة والـمحرم وصفر كوامل وجاء أول ربيع الخميس وكان ثاني عشر ربيع الأول يوم الاثنين، وكان بين رؤيته ﷺ وبين رؤية أهل المدينة مسافة القصر، والصحيح في مذهب الشافعي اختلاف الـمطالع».
وقال ابن كثير الدمشقي – محبوب الـمجسمة وتلميذ شيخ المجسمة ابن تيمية([5]) – في «البداية والنهاية»([6]): «وقد حاول جماعة الجواب عنه، ولا يمكن الجواب عن هذا إلا بمسلك واحد وهو اختلاف الـمطالع بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة، ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها: خرج رسول الله ﷺ لخمس بقين من ذي القعدة من المدينة إلى حجة الوداع، ويتعين كما ذكرنا أنه خرج يوم السبت».
هذا (و)قد (قيل بل) كانت وفاة رسول الله ﷺ (في ثامن) من شهر ربيع الأول (بـ)ـرواية (الجزم) في ذلك من غير تردد من راويه (و)هذا القول الأخير (هو الذي صححه ابن حزم) الظاهري([7])، وابن حزم هذا ضال خارج عن منهاج المسلمين فإنه زعم أن الله تعالى قادر على أن يتخذ ولدا لأنه لو لم يقدر على ذلك لكان عاجزا([8])، نعوذ بالله من سوء المعتقد، ويرد على ذلك بأن اتخاذ الولد في حقه تعالى محال، والمحال ليس من متعلقات قدرة الله عز وجل.
(وكان ذاك) أي موت النبي ﷺ (عندما اشتد الضحى) أي دخوله، وهو الذي عليه كثير من أهل السير، (أو) أن وفاة ﷺ كانت عند دخول وقت صلاة الظهر أي (حين زاغـ)ـت أي مالت (الشمس) عن وسط السماء فيما يظهر للرائي، وهو الذي ذهب إليه ابن سعد([9])، ففي هذه المسألة (خلف) بين المؤرخين قد (صرحا) به في كتب السيرة، والألف في «صرحا» للإطلاق.
([1]) بضم الأول وسكون الثاني أحد محال المدينة حيث منزل أبي بكر رضي الله عنه، بينه وبين منازل رسول الله ﷺ ميل، قاله البكري في «معجم ما استعجم» (3/760).
([2]) سبق التعليق على ذلك بإسهاب قريبا.
([4]) شرح لامية العجم، صلاح الدين الصفدي، (2/178).
([5]) البداية والنهاية، ابن كثير الدمشقي، (5/265).
([6]) وقد بين حاله المحدث الشيخ عبد الله بن محمد الغماري رحمه الله في كتابه «بدع التفاسير» (ص158).
([7]) جوامع السيرة النبوية، ابن حزم الأندلسي، (ص7).
([8]) الفصل في الـملل والأهواء والنحل، ابن حزم الأندلسي، (2/138).