الأحد ديسمبر 7, 2025

قال الله تعالى:
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ}
[غافر: 36].

القواعد الإيمانية في نسف عقائد الوهابية الفرعونية

يقول الله تعالى في القرءان الكريم: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}…وقال تعالى عن فرعون: {فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى}… [النازعات: 21 – 25].

ومن أعجب العجائب أن الوهابية وأئمتهم في التجسيم والتشبيه، كابن تيمية في كتابه المسمى «مجموع الفتاوى» وابن قيم الجوزية في كتابه المسمى «القصيدة النونية» وابن باز في «موقعه الإلكتروني» وابن عثيمين في كتابه المسمى «فتاوى في العقيدة» وابن جبرين في كتابه المسمى «التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية» وعلي بن يحيى بن حضرم واحمد بن يحيى النجمي في رسالة لهما اسمها «الاعتقاد أن الله تعالى في كل مكان من أفسد المعتقدات وأخبثها» ومحمد خليل هرّاس في «شرحه على نونية ابن قيم» وعبد الرحمـن دمشقية في «كثير من كتاباته» وعبد الهادي وهبي في كتابه المسمى «غاية البيان في إثبات علو الرحمن» وأضرابهم من الذين أنكروا قيمة البرهان النقلي والعقلي ولجأوا لإثبات عقيدتهم الفاسدة المكذبة للقرءان التي هي نسبة الحيز والمكان إلى الله، وتعالى الله وتقدس عن ذلك لأنه سبحانه قال: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3]، وقال عليه الصلاة والسلام: «أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء» رواه مسلم… ومن كان كذلك كان موجودًا بلا مكان.

وقال الحافظ البيهقي في كتابه الأسماء والصفات: «استدل بعض أصحابنا – يعني العلماء من أهل السُّنَّة والجماعة – من هذا الحديث على نفي المكان عن الله تعالى»…

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان الله ولم يكن شيء غيره»… رواه البخاري والبيهقي وابن الجارود، والمكان العلوي والسفلي وأمام وخلف ويمين وشمال والعالم بأسره غير الله، معناه في الأزل لم يكن عرش ولا سماء ولا مكان، يعني كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان لأنه لا يجوز عليه التغير ولأن التغير أكبر علامات الحدوث، فوجب شرعًا وعقلًا أن يكون الله تعالى بلا مكان وإلا لكان مثل خلقه. وبعد هذه الأدلة القرءانية والحديثية لم يستح هؤلاء الوهابية لا من الله ولا من الناس، ولجأوا إلى فرعون الكذاب المفتري الذي ادعى الألوهية لنفسه واحتجوا به في عقيدتهم التي هي أوهى من بيت العنكبوت، فقال داعية فسادهم المدعو عبد الله بن عبد الرحمـن بن جبرين في كتابه المسمى «التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية» ما نصه: «الآية الرابعة: وهي قصة فرعون، حكى الله عنه أنه قال: «يا هامان ابن لي صرحًا لعلي أبلغ الأسباب»، الصرح هو البناء الرفيع والأسباب هي الحبال، «أسباب السموات فأطلع إلى إلٰـه موسى»، أي حبال السماء فأصعد فيها حتى أصل إلى السماء فأطلع إلى إلٰـه موسى الذي يقول إنه في السماء هل هو صادق أم لا «وإني لأظنه كاذبًا». هكذا ذكره الله تعالى في سورة مؤمن وغافر، وقال في سورة القصص: {فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}. لعلي أتخذ بناء رفيعًا أصعد إليه حتى أصل إلى السماء لأنظر هل في السماء إلٰـه كما يقول موسى أم لا، فأنا أظن أنه من الكاذبين ليس في السماء إلٰه، هذا دليل على أن موسى أخبر فرعون أن إلهه في السماء»… إلى آخره.

وبعد هذه الترهات والسخافات والأكاذيب المفضوحات من الوهابية وزعمائها كما رأيتم ما قاله ابن جبرين، نحن أهل السُّنَّة والجماعة نقول: إن الوهابية تستبيح الكذب على الله وعلى أنبيائه وعلى دينه فلا يستبعد منهم ولا يستغرب هذا التحريف العريض والجرأة الهوجاء على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، ونتحدى كل جماعة الوهابية أن يثبتوا بزعمهم ما قاله ابن جبرين في افترائه هذا على موسى ولن يستطيعوا. وانظروا إلى قوله إن موسى قال لفرعون بأن إلٰهه في السماء، وأن هذا مذكور في القرءان، سورة غافر مؤمن والقصص. وهذا لا وجود له في هذه السورة ولا في غيرها إلا إذا زعمت الوهابية أنهم يحتفظون بمصحف خاص بزعمهم غير المصحف الذي مع المسلمين، ففي أي موضع أيها الوقحون بزعمكم، موسى قال لفرعون إن الله في السماء؟!

بل الذي قاله موسى كما في سورة الشعراء: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}… فلاحظوا إلى قول الله عن موسى: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وما قال «الله في السموات» كما كذبت الوهابية على القرءان وعلى موسى. وانظروا إلى ما أخبر الله تعالى عن فرعون قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} لأنه في الأصل هو لا يؤمن بالله ولا يعتقد بوجوده فلم يقل «أين الله» لأنه لا يعترف بوجوده، فكيف يسأل عن مكانه كما افترى ابن جبرين وقال: «لا بد أن يكون فرعون سأل موسى أين إلٰهك، وأن موسى قال له في السماء»…؟؟؟!!!

انظروا أيها الوهابية إلى تفسير حبيبكم ابن كثير لقول فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} قال ابن كثير في تفسيره ما نصه: «يقول تعالى مخبرًا عن كفر فرعون وطغيانه وجحوده في قوله: ؟ وذلك أنه كان يقول لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}، وكانوا يجحدون الصانع – تعالى – ويعتقدون أنه لا رب لهم سوى فرعون، فلما قال موسى» إني رسول رب العالمين»، قال له: ومن هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري؟ هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف، حتى قال السدي هذه الآية كقوله تعالى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}. ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم أن هذا سؤال عن الماهية فقد غلط، فإنه لم يكن مقرًا بالصانع حتى يسأل عن الماهية؛ بل كان جاحدًا له بالكلية في ما يظهر، وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت عليه فعند ذلك قال موسى عندما سأله عن رب العالمين: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي خالق جميع هذا ومالكه»… إلى آخره.

فأين يا وهابية الرجس سؤال فرعون لموسى عن مكان الله تعالى بزعمكم؟ وأين قول موسى كما كذبتم عليه وافتريتم أنه قال إن الله في السماء؟ فهذا لا وجود له في كل آيات القرءان، لا في منطوقها ولا في مفهومها وإنما هو محض تقول منكم على موسى وفي حقيقة الأمر، افتريتم أيضًا على إمامكم فرعون في هذه الكفرية وقلتم إنه أنكرها على موسى فأنتم أخذتم هذا من موسى لأنه قاله لفرعون وأنكره فرعون على موسى وفي حقيقة الأمر، لا فرعون سأله عن هذا ولا موسى قاله، بل الذي قاله موسى عن الله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} ولم يقل إن الله بذاته في السماء، فما أوقحكم في الكذب على الله وعلى موسى وعلى كتاب الله تعالى.

ومن تلفيقاتهم وخيالاتهم السخيفة الساقطة ما قاله ابن جبرين في نفس الموضع: «ثم إن المعتزلة والأشعرية ونحوهم قالوا إن هذا من ظن فرعون وإن من اعتقد أن الله في السماء فقد تشبه بفرعون فهم عكسوا القضية وقالوا: أنتم أيها المشبهة يا من اعتقدتم أن ربكم في السماء قدوتكم فرعون الذي قال: إن إلـٰه موسى في السماء، فكيف نجيب وكيف نرد عليهم؟ نقول لهم فرعون جاحد منكر أن يكون هناك إلـٰه بل يدّعي أنه هو فقط، فهو منكر أن يكون له رب لا في السماء ولا في الأرض، فلما جاءه موسى وأخبره بأن هنالك إلٰها، فلا بد أنه قد سأله أين هذا الإلٰـه الذي تزعم يا موسى، ولا بد أن موسى أخبره أن إلهه في السماء»… إلى آخره… .

وهنا كأن ابن جبرين نسي أن هذه الأمة فيها عقلاء وأذكياء وفطناء يحفظون العقيدة الإسلامية السنية ويحافظون عليها ويدفعون عنها تمويهات المموهين وكذب الكاذبين وتشكيك المشككين حتى ألصق بموسى عليه السلام أنه لا بد أن يكون قال لفرعون إن الله في السماء بزعمه، وكيف يستطيع أن يثبت هذا؟ فلو انتظر إلى آخر الدنيا هو وزمرة الوهابية، لن يستطيعوا أن يثبتوا هذا على موسى من كتاب الله عزّ وجلّ.

أما إن قالوا: هذا يفهم من الآيات، يقال لهم: فهمكم معكوس وعقلكم منكوس وقلبكم مطموس فلا عبرة بوهمكم ولا بفهمكم السقيم لأنكم كما قال ابن عثيمين في كتابه المسمى «شرح رياض الصالحين»: «إن الحشرات والبهائم إبان الزلزلة في القاهرة هاجت وضجت ورفعت رؤوسها إلى السماء» وقال: «حتى البهائم بالفطرة تعرف أن الله في السماء»… فاعجبوا من هذا واضحكوا من حشرات نجد وبقرها!!!

فإذا كنتم أخذتم دينكم وعقيدتكم عن الحشرات والبهائم كيف يؤخذ بفهمكم. وأما ما في بعض كتب التفسير مما يتعلق بهذا الموضوع فكلنا يعرف أن كتب التفاسير فيها الغث والسمين، فإن قلتم في تفسير كذا أو فلان قال كذا أي أن فرعون بنى الصرح ليصل إلى الله، لأنه فهم ذلك من موسى، وهو ينكره عليه ويريد أن يكذبه، فماذا تقولون في ما جاء في بعض الكتب أنه لما بني لفرعون الصرح ارتقى فوقه فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي متلطخة دمًا، فقال قد قتلت إلٰـه موسى، تعالى الله عما يقول؟ فماذا تقولون أيها الوهابية إن زعمتم أن موسى قال إن الله في السماء وإن فرعون صعد وارتقى فوق الصرح ليصل إليه ليتأكد من كذب موسى بزعمه ثم يقول إنه ضرب الله بنشابة فقتله فعلى زعمكم إن أقررتم بهذه العقيدة وأخذتم بكلام فرعون الذي افتريتم فيه على موسى تقولون إن الله قتل وإن فرعون وصل إليه وإن الله تعالى جرح ومات كما زعم فرعون لعنكم الله وإياه.

تنزه الله عن كل ذلك فهو القائل: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ} وقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وقال: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}… .

وأما قولكم أيها الوهابية إن الأشاعرة أنكروا أن يكون الله في السماء بذاته وبذلك هم موافقون لفرعون الذي كذّب موسى في هذه المسألة فنقول: قد بان كذبكم وانفضح بأن موسى عليه السلام لم يقل إن الله في السماء بذاته كما افتريتم وإن الأشاعرة موافقون لموسى ولكل الأنبياء في تنزيه الله عما لا يليق به كما قال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}… أي ليس له شبيهًا أحد وليس له مثيلًا أحد… وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} فالأشاعرة والماتريدية هم مجموع أهل السُّنَّة والجماعة وهم السواد الأعظم موافقون لما في القرءان ولما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ولإجماع الأمة، وأما انتم أيها الوهابية فقد خرقتم وخالفتم الإجماع وهل بعد الإجماع إلا الضلال؟!

قال الإمام الأستاذ الكبير الأصولي أبو منصور البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق: «وأجمعوا – أي أهل السُّنَّة – على أنه – تعالى – لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان»… انتهى.

وأما افتراؤكم على أبي الحسن الأشعري وعلى أبي محمد الجويني وبعض أئمة أهل السُّنَّة من الأشاعرة والماتريدية أنهم قالوا بهذا الذي افتريتم به على موسى، فنقول لكم: أبو الحسن يكفّر من يقول إن الله جسم، وهو يقول إن الله موجود بلا مكان، وأنتم تكفرون من يقول ذلك، فكيف تحتجون به بعد هذا؟!

وكذبكم على الله وعلى الأنبياء والقرءان والأئمة الأعلام معروف مشهور، فلا يستغرب منكم أن تكذبوا على الأئمة لتموهوا على الناس أنهم على عقيدتكم الكفرية، وهذا مفتيكم ابن باز يقول في فتوى له نشرت في مجلة الحجاز الكبرى: «إن الله يجوز أن يخلف وعده»… وبهذا تنسبون الكذب إلى الله فهو الذي قال: «قل صدق الله»، والله لا يخلف وعده، {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [آل عمران: 152] {فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 47] {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47]، فإذا أجزتم الكذب على الله كيف يوثق بنقلكم بعد ذلك؟! أفيقوا من غفلتكم، أيها الجهوية الفرعونية.

وفي كتاب براءة الأشعريين من عقائد المخالفين تأليف أبي حامد المرزوقي ما نصه([1]): «وقد احتج ابن تيمية على إثبات الجهة لله تعالى مقلدًا سلفه المجسمة بقوله تعالى حكاية عن فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ} وقد ذكر ذلك في رسالته التي نقضها عصريه أحمد بن يحيى الكلابي مجملًا فقال العلامة المذكور رادًّا عليه: ليت شعري كيف فهم من كلام فرعون أن الله تعالى فوق السموات وفوق العرش، أما أن إلٰـه موسى في السموات فما ذكره، وعلى تقدير فهم ذلك من كلام فرعون فكيف يستدل بظن فرعون مع إخبار الله تعالى عنه بأنه زيّن له سوء عمله وأنه حاد عن سبيل الله وأن كيده في ضلال، مع أنه لما سأل موسى عليه الصلاة والسلام بقوله: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [لم يتعرض موسى للجهة بل لم يذكر إلا أخص الصفات وهي القدرة على الاختراع ولو كانت الجهة ثابتة لكان التعريف بها أولى لأن الإشارة الحسية من أقوى المعرفات حسًّا وعرفًا، وفرعون سأل بلفظ «ما» فكان الجواب بالتحيز أولى من الصفة، وغاية ما فهمه من هذه الآية واستدل به فهم فرعون فيكون عمدة هذه العقيدة كون فرعون ظنها وهو مشيدها، فليت شعري لما ذكر النسبة إليه كما ذكر إن عقيدة سادات أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين نبذهم بالجهمية لمخالفتهم هواه متلقاة من لبيد بن الأعصم اليهودي. اهـ.

وقد بيّن عقيدته فارًّا من شناعة مشيخة فرعون عليه وعلى أسلافه محاولة إلصاقها بموسى، برأه الله تعالى من ذلك، وصلى عليه في رسالته المسماة: «الفرقان بين أولياء الرحمـن وأولياء الشيطان» قال([2]): «فلولا أن موسى أخبره أن ربه فوق العالم لما قال: {أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}، ومنها قال([3]): «وحقيقة قول الجهمية المعطلة هو قول فرعون»، وثرثر إلى أن قال: «وكان ينكر أن يكون الله كلّم موسى أو لا يكون لموسى إلـٰه فوق السموات». وقال في رسالته المسماة: «صفات الله وعلوه على خلقه»([4]): «كذب فرعون موسى في قوله: أن الله فوق السموات»، والمفسرون متفقون على أن معنى {وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا} في أن له إلٰها غيري بدليل قوله: انتهى.

ولمزيد الفائدة والبيان نذكر لكم بعض ما قاله علماء التفسير في قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ}…

قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ}… إلى آخر الآية ما نصه: «يقول تعالى مخبرًا عن فرعون عن عتوه وتمرده وتكذيبه لموسى عليه السلام أنه أمر وزيره هامان أن يبني له صرحًا»…ثم قال: قوله تعالى: {فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} وهذا من كفره، وتمرده أنه كذب موسى في أن الله تعالى أرسله إليه…

قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي: في قوله إن ثم ربًّا غيري لا أنه كذبه في أن الله أرسله لأنه ما كان يعترف بوجود الصانع…

قال المفسر البغوي في تفسيره لقول الله تعالى: {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ما نصه: وإني لأظن موسى من الكاذبين في ادعائه في زعمه أن للأرض إلها غيري وأنه رسوله…

وفي كتاب البحر المحيط قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره لقول الله تعالى: {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ما نصه: وهو الكاذب في انتفاء علمه بإلـه غيري…

وقال في تفسير قول الله تعالى: {لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} ما نصه: أوهم قومه إن إلـٰه موسى يمكن الوصول إليه والقضاء عليه وهو عالم متيقن أن ذلك لا يمكن له، وقومه لجهلهم وغباوتهم وإفراط عمايتهم يمكن ذلك عندهم…

وقال أيضًا في تفسير قول الله تعالى: {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} ما نصه: أي في ادعاء الإلٰهية…

وقال الإمام القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» المجلد15 ص315، لقول الله تعالى: {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} ما نصه: أي وإني لأظن موسى كاذبًا في ادعائه إلٰها دوني…

والحمد الله الذي نصر وأيد أهل السُّنَّة والجماعة بالأدلة الباهرة والبراهين الساطعة لرد شبه المفترين على الله وعلى دينه.

قال أحد مشايخ وأدباء أهل السُّنَّة والجماعة: وهو الأستاذ أسامة بن محمد السّيد البقاعي:

زعم المجسم أنه
فرعون صار إمامه
إذ قال فرعون ابن لي
نسب المكان لربنا
كذا فراعنة الزما
ظهر الولاء بطبعهم
لو قيل عنهم إنهم
أو ليس باد كفرهم

 

الله يسكن في العلى
ذاك المكفن بالبلى
هامان صرحا في العَلا
بغبائه لما غلا
ن تتبعوا أثر الأُلى
والبدر في الحق انجلى
شرُّ البلية والبلا
فجوابنا طبعًا بلى

 

 

 

([1]) براءة الأشعريين من عقائد المخالفين (1/83).

([2]) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص134).

([3]) المصدر نفسه، (ص144).

([4]) صفات الله وعلوه على خلقه (ص211).