واذكر من سبق في الوفود (مع) وفد (عبد القيس) من أسد من عدنان، فإنه قد جاء في حديث عند الطبراني في «المعجم الكبير» أن رسول الله ﷺ أخبر بعض أصحابه أن ركبا يطلعون عليهم من ناحية كذا وأنهم من أهل المشرق، فخرج عمر رضي الله عنه إلى تلك الناحية فلقي ثلاثة عشر راكبا فرحب وقرب وقال: من القوم؟ قالوا: نفر من عبد القيس، قال: فما أقدمكم هذه البلاد التجارة؟ قالوا: لا، قال: فتبيعون سيوفكم هذه؟ قالوا: لا، فمشى يحدثهم حتى وصل بهم إلى النبي ﷺ وقال: هذا صاحبكم الذي تطلبون، فرمى القوم بأنفسهم عن رحالهم، فمنهم من سعى ومنهم من هرول ومنهم من مشى حتى أتوا النبي ﷺ فأخذوا بيده فقبلوها وقعدوا إليه، وبقي الأشج وهو أصغر القوم فأناخ الإبل وعقلها وجمع متاع القوم ثم أقبل يمشي على تؤدة حتى أتى النبي ﷺ فأخذ بيده فقبلها، فقال له النبي ﷺ: «فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله»، قال: ما هما يا نبي الله؟ قال: «الأناة والتؤدة»، فقال: يا نبي اله، أجبل جبلت عليه أو تخلق مني؟ فقال ﷺ: «بل جبل جبت عليه»، فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله ورسوله.
وأقبل القوم على تمرات لهم يأكلونها فجعل النبي ﷺ يحدثهم بها، يسمي لهم هذا كذا وهذا كذا، قالوا: أجل يا نبي الله، ما نحن بأعلم بأسمائها منك، فقال: «أجل»، فقالوا لرجل منهم: أطعمنا من بقية القوس([1]) الذي بقي في نوطك([2])، فأتاهم بالبرني، فقال النبي ﷺ: «هذا البرني، أما إنه من خير تمركم، دواء لا داء فيه».
([1]) القوس بقية التمر في أسفل الجلة، قاله في «النهاية» (4/121).
([2]) هي الجلة الصغيرة التي يكون فيها التمر، قاله في «النهاية» (5/128).