الثلاثاء أبريل 16, 2024

هَزِيمتُه جَيشَ الكافرِينَ بقَبْضةٍ مِن تُرابٍ

473-        

وَالجَيـشُ فِي يَومِ حُنَيْنٍ إِذْ رُمُوا


 

مِـنْـهُ بِقَبْضَـةٍ تُـرَابًا هُـزِمُـوا


474-        

وَأَنْـزَلَ اللهُ بِــهِ كِــتَــابَـا


 

وَامْـتَـلَأَتْ أَعْـيُـنُـهُـمْ تُـرَابَـا


 





(وَ)مِن مُعجِزاتِه ﷺ ما أُصِيبَ به (الجَيشُ) جَيشُ الكُفّارِ وكانوا أربعةَ ءالافٍ (فِي يَومِ) غَزوةِ (حُنَيْنٍ) بفِعلٍ خفيفٍ مِنهُ ﷺ (إِذْ رُمُوا) أي الكُفّارُ (مِنْهُ) (بِقَبْضَةٍ) أي مَقبوضٍ بِكَفِّهِ الشّريفةِ (تُرَابًا) مِن الأرضِ أصابَهُم بِه في وُجوهِهم وقال: «شَاهَتِ الوُجُوهُ» و(هُزِمُوا) أي الكُفّارُ يَومَها. (وَأَنْزَلَ اللهُ) تعالَى (بِهِ) أي في شأْنِ ذلكَ (كِتَابًا) أي قُرءانًا: ﱡﭐ ﱇ ﱈ  خَلْقًا ﱉ ﱊ   كَسْبًا ﱡﭐ ﱋ ﱌ ﱍ  أي خَلَقَ فِيهم ما أصابَهُم (وَ)كانَ مِن سبَبِ هزيمَتِهم أنّه مِن رَمْيِ النَّبِيّ ﷺ لَهُم بالتُّرابِ (امْتَلَأَتْ أَعْيُنُهُمْ تُرَابًا) فوَلَّوا مُدبرِينَ.

رَوَى مُسلِمٌ في «صحِيحِه» عَن سلَمةَ بنِ الأكوَعِ رضي الله عنه قالَ: غَزَونا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ حُنَينًا، فَلَمّا واجَهْنا العَدُوَّ تَقَدَّمْتُ فَأعْلُو ثَنِيَّةً([1])، فاسْتَقْبَلَنِي رَجُلٌ مِنَ العَدُوِّ فَأرْمِيهِ بِسَهْمٍ فَتَوارَى عَنِّي، فَما دَرَيتُ ما صَنَعَ، وَنَظَرْتُ إلَى القَومِ فَإذا هُم قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخْرَى، فالْتَقَوا هُم وَصَحابَةُ النَّبِيِّ ﷺ فَوَلَّى صَحابَةُ النَّبِيِّ ﷺ وَأرْجِعُ مُنْهَزِمًا وَعَلَيَّ بُرْدَتانِ مُتَّزِرًا بِإحْداهُما مُرْتَدِيًا بِالأُخْرَى، فاسْتَطْلَقَ إزارِي فَجَمَعْتُهُما جَمِيعًا وَمَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ مُنْهَزِمًا وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْباءِ([2])، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَقَدْ رَأَى ابْنُ الأَكْوَعِ فَزَعًا([3])».

فَلَمّا غَشُوا رَسُولَ اللهِ([4]) ﷺ نَزَلَ عَنِ البَغْلَةِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِن تُرابٍ مِنَ الأرْضِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَقالَ ﷺ: «شاهَتِ الوُجُوهُ([5])»، فَما خَلَقَ اللهُ مِنْهُم إنْسانًا إلّا مَلَأ عَينَيهِ تُرابًا بِتِلْكَ القَبْضَةِ، فَوَلَّوا مُدْبِرِينَ، فَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ

غَنائِمَهُم بَينَ المُسْلِمِينَ.

تتمّة: ذهبَ النّاظمُ إلى القولِ بأنّ ﱡﭐ ﱇ ﱈ الآيةَ نزلَتْ يومَ حُنَينٍ، وهو خِلافُ ما عليهِ جُمهورُ المفسّرينَ مِن أنّها نزلَتْ يومَ بَدرٍ، لكنّ رَمْيَ الكُفّارِ أو التّرابِ فعَلَه رسولُ الله ﷺ في حُنَينٍ كما فعَلَه في بَدرٍ، وفي ذلكَ قال ابنُ عطَيّة المفسِّرُ: “وهذه الفَعْلةُ أيضًا كانتْ يومَ حُنَينٍ بِلا خلافٍ”([6])، أمّا ما ذهَبَ إليهِ النّاظِمُ مِن نُزولِ هذه الآيةِ يومَ حُنَينٍ هو الّذي رُوِي رواهُ ابنُ وَهبٍ عن مالِكٍ كما قال القُرطبيّ([7]).



([1])  فُرْجةً بينَ جَبَلَين.

([2])  وهي المعروفةُ بدُلْدُلٍ.

([3])  قال الحافظ النّوويُّ في «شرح صحيح مُسلِم» (12/122): “حالٌ مِن ابنِ الأَكوَعِ، كما صَرَّح أوَّلًا بانهِزامِه، ولم يُرِدْ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ انْهزَمَ، وقد قالتِ الصَّحابةُ كُلُّهم رضي الله عنهم: إنّه ﷺ ما انْهَزَم ولَم يَنقُل أحَدٌ قَطُّ أنّه انْهَزَم ﷺ في موطِنٍ مِن المَواطِن، وقد نَقلُوا إجماعَ المُسلمِين على أنّه لا يَجوزُ أنْ يُعتَقَدَ انْهِزامُه ﷺ ولا يَجُوزُ ذلكَ علَيه”.

([4])  بتخفِيفِ الشِّين مِن “غَشُوا” أي قارَبوا غَشَيانَه أي الإحاطةَ بِه.

([5])  أي قَبُحَتْ وُجوهُ الكافرِينَ.

([6])  المحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عَطِيّة الأندلسي، (2/511).

([7])  الجامع لأحكام القرءان، شمس الدّين القُرطبي، (7/384).