فوائِدُ منثورةٌ
فقال الشَّيخُ: الدّليلُ على جوازِ جلُوسِ المرأة مع الرّجال غيرِ المحَارم مَا جاءَ في الموطّأ أنّ يَحيى بنَ يَحيى قال: سُئِل مالكٌ هل يجُوز أن تَأكُلَ المرأةُ مع رجُل غيرِ مَحرَم لها، فقال مالكٌ: لا بأس بذلكَ إذا كانَ ذلكَ على ما يُعرَف مِن أمرِ الناس، كذلكَ في اجتِماعِهنّ معَ الرّجالِ لصلاةِ الجمَاعة في زمَن النبيّ مِن غيرِ أن يُمَدَّ سَاترٌ بينَ صُفوفِ الرّجالِ وصفُوفِ النّساءِ وفي المصَلَّى يومَ العيد، كمَا جاء في البخاري عن أمّ عَطِيّةَ كنّا نؤمَر بأن نَخرُج يومَ العيدِ بالعَواتِق وذَواتِ الخدُور الحُيّض ليَشهَدْن الخَيرَ ودَعوةَ المسلمينَ ويَعتَزلْن الحُيّضُ المصَلّى وهذا المصَلَّى كانَ خَارجَ المسجِد النّبويِّ ولم يزَل ذلك مَعروفًا عندَ المسلمين فإلى الآنَ يحصُل في مسجِد الرَّسولِ اجتماعُ الرّجالِ والنّساء عندَ السَّلام على الرَّسولِ وفي المسجِد الحرام وفي مِنى وفي مُزدَلِفةَ وفي عرَفات، وقالَ ابنُ حجَر في «الفتَاوَى الكبرى»: الخُلطَةُ المحرَّمَة هي التّضَامُّ يعني التَضَامَّ المتَعمَّدَ أمّا غيرُ المتَعمَّدِ فَلا إثمَ فيه لأنّه يَحصُل في المطَاف وأمَامَ الرَّسولِ ﷺ وفي مِنى وغَيرِ ذلكَ يَحصُل تَضَامٌّ مِن شِدّةِ الزّحمَةِ مِن غَيرِ تعَمُّد.
فقال الشَّيخُ: الدّليلُ على ذلك جَوازُ خُروجِها لأنّه إذا جازَ الخُروجُ فلا فَرْق أن يَكونَ مَشيًا أو ركُوبًا، وقَد صَحّ في الحديثِ أنّ الرَّسولَ ﷺ رأى امرأةَ الزُّبَير خَارجَ المدينةِ وكانَ هوَ على بَعِير فعَرَض عليها أن تَركَب خَلْفَه([1]) على بَعِيره فلم تَركبِ استِحْياءً فيؤخَذ مِن ذلكَ دَليلٌ على جَواز أنْ تركَبَ المرأةُ مع رجُل أجنَبي وفيهِ أيضًا دليلٌ على جواز اجتِماع المرأةِ برجَالٍ أجانِبَ لأنّه إذا جازَ لها الرّكُوبُ على بَعِير الرَّسولِ خَلفَه فبِالأولى جَوازُ جلُوسِها مع الرّجال.
فقال الشَّيخُ: للضّرورةِ يجُوز للزّوجَةِ أن تخرُجَ مِن بَيتِ زوجِها بدونِ إذنِه كأنْ كانَت تخشى مِن تَعرّض أناسٍ فُجَّارٍ لها أو مِن تعَرُّض أناس يَسرِقُونها.
فقال الشَّيخُ: اللهُ تعالى حَرَّمَ على النّساء أن يُسَافِرْنَ بغَيرِ مَحرَم أو زَوجٍ لغَير ضَرُورَةٍ، أمّا الحَجُّ فبَعضُ الأئمّةِ كالإمام أحمَدَ وأبي حنيفةَ عندَهما لا تَذهَبُ المرأةُ للحَجّ بدُونِ مَحرَم أو زَوجٍ مُطلَقًا، الحجُِّ الأوّلُ وغَيرُه، أمّا الشّافعيُّ يقولُ الحجُّ الأوّلُ ضَرورةٌ، لها أن تَخرُجَ بدُونِ مَحرَم، أمّا لغَيرِ الضّرُورَة لا يجُوز لها أن تُسافِرَ بدُونِ مَحرَم، أمّا إذا كانَت مَريضَةً فقالَ لها طبِيبٌ ثِقَةٌ أنتِ يَنفَعُكِ هَواءُ بلَدِ كذا والزّوجُ يمنَعُها لها أن تُسافرَ لأنَّ هذه ضَرُورة. قال رسول الله ﷺ: «لا يَحِلُّ للمَرأةِ أن تُسَافرَ مَسِيرةَ ثلاثةِ أيّامٍ بغَيرِ زَوجٍ أو مَحْرَم»([2]).
وفي الحديث أيضًا: «أن تُسَافرَ مَسِيرَةَ يومَين»([3]). وفي حديثٍ ءاخرَ: «أنْ تُسَافرَ بَرِيدًا»([4]) والبَريدُ مَسَافةُ نِصفِ يَومٍ([5]).
فقال الشَّيخُ: إذا كانَ هذا العِلمُ الذي هيَ تُسافرُ مِن أَجْلِه بدونِ مَحْرَم مِنَ العلُوم التي هيَ فَرضُ كِفايَةٍ فأرادَت تَحصِيلَ هذا الفَرضِ لأنّها عَلِمَت أنّهُ لا يقُومُ بهذا الفَرضِ في هذا البلَدِ أُناسٌ غَيرُها فهذا عُذْر، لأنّها تُسَافِرُ لتَحصِيلِ فَرضٍ مِن فروضِ الكِفايةِ، أمّا إذا كانَ هَمُّها أن تتَبجَّحَ في المعيشَةِ فيمَا بَعدُ هذه عاصِيَةٌ لأنّها ما سَافَرت على نيّةٍ صَحِيحَة.
فقال الشَّيخُ: إن كانت غَيرَ متَزوّجَةٍ وأرادَت أن تُموِّهَ على الخُطّابِ فحَرامٌ.
فقال الشَّيخُ: إن لم يكن منَ الصِّنْفِ الخَاصّ بالرّجالِ يجُوز.
فقال الشَّيخُ: الذي لهُ مَنعُ المرأةِ مِنَ الخرُوج منَ البَيتِ هوَ الزَّوج، أمّا الأبُ إذا كانَ لا يكونُ ذلكَ غَمًّا شَديدًا عليهِ خرُوجُ بنتِه يجُوزُ أن تَخرُج بدونِ إذنِه، أمّا إذا كانَ يكونُ سَببًا لغَمّ شَديدٍ حتى يَحصُلَ لهُ انهيَارٌ أو شِبْهُ ذلكَ عندَئذٍ لا يجُوزُ بالنّسبَةِ للأب والأمّ، أمّا التّقَيُّدُ بإذنِهما في كُلّ خرُوجٍ هُنا أمرُ الزَّوجِ أقوَى.
فقال الشَّيخُ: لا يجوزُ أن تَطلُبَ منها الخروجَ إلى مكَانٍ يكونُ فيه أجنَبيّ على الوجهِ الذي يكونُ فيهِ معصِيَة.
قال الشَّيخُ: إن كانت دخَلَت في مِلكِها يجوز أن تحتَفظ بها لبنَاتها وإن لم تكن قَد وُلِدَت بَعدُ.
([2]) قال ﷺ: «ولا تُسَافِرُ المَرأةُ مَسِيرةَ ثلاثةِ أيّام إلا مع زَوج أو ذِي مَحرَم» رواه أحمدُ وأبو يَعلَى وابنُ خُزَيمةَ وابنُ حِبّانَ.
([3]) قال عليه الصلاة والسلام: «لا تُسَافرُ المَرأةُ مَسيرةَ يَومَينِ ليسَ مَعها زَوجُها أو ذُو مَحْرَمٍ» رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
([4]) قال عليه الصلاة والسلام: «لاَ تُسَافِرُ امْرَأَةٌ بَرِيدًا إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» رواه البيهقي.
([5]) أي مسافةُ أربعةِ فَراسِخَ، والفَرسَخُ ثلاثةُ أميالٍ، والمِيلُ مُختلَفٌ فيهِ.
([6]) كَذا نقلَهُ ابنُ حجرٍ الهيتميُّ عمَّن قَبلَهُ في «الزَّواجِر عنِ اقتِرافِ الكَبائِرِ» (1/248).