الجمعة مارس 29, 2024
  • مُقَدِّمَةُ الكِتَابِ

    نعيش في زمنٍ صعبٍ تنادت فيه الأصواتُ المتحشرجةُ المزعجة وتآلفت فيما بينها على منظومة مؤذية للآذان والقلوب، وترجيعها مرارًا وتكرارًا، يتكلمون فيها عن أحكام النساء في الإسلام بشكلٍ ممسوخٍ مشوَّهٍ، دأبُهُم تحريضُ النساء المسلمات على الإسلام وتشجيعهنَّ على الثورة والرفض، والتَّشويش ليؤثِّرُوا على النفوس الضعيفةِ والعقولِ السخيفةِ لإبعادها عن جادَّةِ الحقِّ وتنفيرها منه.

    يذكرونَ حديثَ رسول الله ﷺ: «نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ»([1]) في معرض التحقير للمرأة، ويتعامَوْنَ عن واقعِ جبلّتها وطبيعة بنيتها النفسية والجسدية.

    يذكرون قول النبي ﷺ: «يَا مَعْشَرَ النِّساءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»([2])، مع أن هذا الحديث لا يعني أنه لا يوجد ولياتٌ وتقياتٌ بين النساء – كما سنبيّن في طيَّات هذه الرسالة – ويتعامَوْنَ عن باقي الحديث الذي فَسَّر فيه الرسولُ ﷺ ما هي الذنوب التي اعتادت كثيرٌ من النساء على فعلها، فقد أخرج البخاري في صحيحه([3]) قال: خرج رسول الله في أضحى أو في فطر إلى المصلى فمرّ على النساء فقال: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»، فَقُلْنَ: وبم يا رسول الله؟، قال: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِن نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، قُلْنَ: وما نُقْصَانُ دِينِنَا وعقلِنَا يا رسول الله؟ قال: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الـمَـرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟» قُلْنَ: بلى، قال: «فَذَلِكَ مِن نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا». فما أبعد هؤلاء المعرضين عن الصواب والحق في تفسيرهم وفهمهم الخاطئ لأحاديث رسول الله ﷺ.

    هي حقائق تشهد عليها الأزمنة والمجتمعات، فإن كثيرًا من النساء يتلوثن بهذه المعاصي بالتحديد، أي: لعن المسلم وكُفران([4]) العشير.

    وقد وصلنا إلى زمانٍ أصعبَ مِمَّا قبله، حيث غلب فيه على كثير من النساء الحرص على الاهتمام بأمور الدنيا، والجهل بالدين؛ بل وعدم المبالاة بالبحث عن أحكام الشرع وأمور الآخرة.

    ومما ابتلينا به أعداءُ الدين المعلنين، وبعضُ المتسترين بالإسلام ممن قرأوا القرءان فلم يجاوز حناجِرَهم، خابوا في مسارهم فتخبطوا خَبْطَ عشواء في حياتهم، أساؤوا فَهْمَ الحقوق، وأساؤوا فَهْمَ الواجبات، فشوَّهُوا ونفَّرُوا، ورسموا بسوء ممارساتهم ونتائجها صورةً ممقوتةً عن الحياةِ الزَّوجية عند المسلمين، وصورة المرأة في الإسلام، مما سمح لأعداء الدين المتربصين بنا الخوض في مجاهل الطعن المغرض بتشويه متعمد مدروس.

    وكم سمعنا من أدعياء التطور والحضارة كلامًا فيه تمويهٌ على الناس فمن مشوِّشٍ جاهلٍ أعمى البصيرةِ، جهل الأحكام وتعامى عن الحِكَم منها، مع ذلك أطلق العَنان([5]) للسانه يخبط خبط عشواء إلى مشوَّشٍ ضعيفِ العلمِ والفهمِ، يخوض مع الخائضينَ ويُدْلِي بدلوه في كل نقاش مُثار من رأيِه الذي لا يستند فيه إلى علمٍ ودليلٍ، لذا كان لا بد من العملِ على هذه الرِّسالة ذودًا([6]) عن حياض هذا الدين الحنيف، وغيرةً منِّي على ديني الذي ارتضاه ربُنا لنا، وعملًا بحديث رسول الله ﷺ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»([7])، وقيامًا مني بالواجب الشرعي الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشفقةً مني على من شوشوا عليه بتمويهاتهم الخبيثة، سنحاول بعون الله تفنيد أقوالهم بعون الله وإظهار تحريفاتهم وفهمهم السقيم للأحكام المنزَّلة عبر إظهارنا حقيقتها والرد على شبههم، فإن من عرف الحقَّ عرفَ أهلَهُ، وسنواكب الأنثى من ولادتها بتعريفها ما تحتاج لمعرفته لتوسيع أُفُقِها وتثقيفِهَا وتعريفها لحقوقِهَا وواجباتِها، إذ إنَّ الفتاة المسلمة تحتاج في نهضتها للمعرفة الإسلامية في كل مجال، وعلى الصوص الأحكام الخاصة بها، فقد اختصها الله بأشياء؛ كالحيض والنفاس والولادة، فلا بد لها من معرفة ما يترتب على كل منها لمراعاة عباداتها العلمية والعملية، ومعرفة ما هي عورتها، وبمن تختلي، وما يجوز لها إظهاره من الزينة وما لا يجوز، كل هذا وأكثر منه سنعمل على تبيانه وتفصيله إن شاء المولى في طيات هذه الرسالة، فأحكامه موجودةٌ لكنها مبثوثةٌ في كتب الفقه ومصادره الكثيرة، فأحببنا جمعها وتسهيلها مُزَيِّنينَها بأخبار الوليات والصالحات والعابدات ليكون لنا فيهن أسوةٌ حسنةٌ، والله من وراء القصد.

    [1])) صحيح البخاري، البخاري، كتاب الحيض، باب: ترك الحائض الصوم (1/116)، رقم الحديث: 298. وفي رواية مسلم: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ». صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكر بالله ككفر النعمة والحقوق (1/61)، رقم الحديث: 250.

    [2])) صحيح البخاري، البخاري، كتاب الحيض، باب: ترك الحائض الصوم، (1/116)، رقم الحديث: 298.

    [3])) صحيح البخاري، البخاري، كتاب الحيض، باب: ترك الحائض الصوم، (1/116)، رقم الحديث: 298.

    [4])) يقال: كَفَر بالنِّعمَةِ يكفُرُهَا كُفورًا وكُفرَانًا، أي: جَحَدَها وسَتَرَهَا. تاج العروس، الزبيدي، مادة: (ك ف ر)، (14/51). لسان العرب، ابن منظور، مادة: (ك ف ر)، (5/144).

    [5])) يُقَالُ: أَعَنَّ اللجامَ، أي: جعلَ له عِنانًا، والتَّعْنينُ مثله وعَنَّن الفرسَ وأَعَنَّه حبسه بعِنانه، وفي التهذيب: أَعَنَّ الفارسُ إذا مَدَّ عِنانَ دابته ليَثْنِيَه عن السير فهو مُعِنٌ، وعَنَّ دابته عَنًّا جعل له عِنانًا. وسُمِّي عِنانُ اللجام عِنانًا لاعتراض سَيْرَه على صَفْحَتيْ عُنق الدابة من عن يمينه وشماله. لسان العرب، ابن منطور، مادة: (ع ن ن)، (13/290).

    [6])) رَجُلٌ ذائِدٌ، أَي: حامي الحقيقةِ، دفاعٌ من قَومٍ. لسان العرب، ابن منظور، مادة: (ذ و د)، (3/167).

    [7])) صحيح مسلم، مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أن الدين النصيحة، (1/53)، رقم الحديث: 205.