الثلاثاء أبريل 16, 2024

مَعَاصِي الْعَيْنِ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَصْلٌ) وَمِنْ مَعَاصِي الْعَيْنِ النَّظَرُ إِلَى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ بِشَهْوَةٍ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَإِلَى غَيْرِهِمَا مُطْلَقًا، وَكَذَا نَظَرُهُنَّ إِلَيْهِمْ إِنْ كَانَ إِلَى مَا بَيْنَ السُرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَنَظَرُ الْعَوْرَاتِ.

   الشَّرْحُ هَذَا الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مَعَاصِي الْعَيْنِ وَقَدْ أُورِدَ مِثَالٌ لِذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ، فَالنَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ بِخِلافِ النَّظَرِ إِلَى مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ بِلا شَهْوَةٍ أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ، فَإِنْ نَظَرَ بِلا قَصْدٍ بِأَنْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهَا أَوْ مَعَ الْقَصْدِ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ بِلا شَهْوَةٍ ثُمَّ شَعَرَ مِنْ نَفْسِهِ التَّلَذُّذَ وَجَبَ عَلَيْهِ صَرْفُ نَظَرِهِ، فَمَا قَبْلَ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ هِيَ النَّظْرَةُ الأُولَى الَّتِي لا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا. رَوَى التِّرْمِذِيُّ [فِي سُنَنِهِ] وَأَبُو دَاوُدَ [فِي سُنَنِهِ] مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ «يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الثَّانِيَة» وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِتَحْرِيـمِ النَّظَرِ لَوِ اسْتَمَرَ وَاسْتَدَامَ بِلا شَهْوَةٍ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلنَّظَرِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، فالنَّظَرُ بِلا شَهْوَةٍ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ نَقَلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِه خِلافُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ النَّوَوِيُّ مِنْ تَرْجِيحِ تَحْرِيـمِ النَّظَرِ إِلَى ذَلِكَ عَلَى الإِطْلاقِ، وَلَيْسَ مُعَارِضًا لِذَلِكَ حَدِيثُ «احْتَجِبَا مِنْهُ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ] لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، وَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فَهُوَ خِلافُ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنَ الرَّجُلِ الأَجْنَبِيِّ إِنْ لَمْ تَخَفْ فِتْنَةً فَلا تَدْخُلُ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ فِي الْقَدْرِ الْمُحَرَّمِ، وَلا خِلافَ فِي تَحْرِيـمِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى بَدَنِ الرَّجُلِ بِشَهْوَةٍ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ، فَتَحْرِيـمُ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى شَىْءٍ مِنْ بَدَنِ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ غَيْرِ الْحَلِيلَةِ وَأَمَتِهِ بِلا شَهْوَةٍ هُوَ خِلافُ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِمَا فِيهِمْ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَعَهُمُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ أَخَذَ بِتَرْجِيحِهِ خِلافَ تَرْجِيحِ النَّوَوِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ حُرْمَةِ كَشْفِ شَىْءٍ مِنْ بَدَنِهَا بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ إِلَيْهَا فَهُوَ خِلافُ الإِجْمَاعِ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَنَفَى بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ثُبُوتَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ. وَلَيْسَ كُلُّ شَىْءٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ صَحِيحًا فَإِنَّ لَهُ قَوْلًا شَاذًّا مَهْجُورًا بِتَحْرِيـمِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الرِّجَالِ الأَجَانِبِ الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ بِلا شَهْوَةٍ. وَقَالَ الْجَلالُ الْبُلْقِينِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ جَلالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا.

   وَيَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ لِلْشَهَادَةِ عَلَى الزِّنَى أَوِ الْوِلادَةِ بِنِيَّةِ أَنْ يَشْهَدَ فِيمَا بَعْدُ إِنِ اسْتُدْعِيَ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِتَنْفِيذِ حُكْمٍ شَرْعِيٍ يَتَعَلَّقُ بِالْوِلادَةِ فَتَعَمُّدُ النَّظَرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ وَإِنْ تَيَسَّرَ النِّسَاءُ أَوِ الْمَحَارِمُ.

   فَائِدَةٌ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ رَأَى ذَاتَ يَوْمٍ امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ فَصَارَ يُتْبِعُهَا نَظَرَهُ فَبَيْنَا هُوَ يُتْبِعُهَا نَظَرَهُ اصْطَدَمَ وَجْهُهُ بِجِدَارٍ فَطَلَعَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ أَخْبَرَ الرَّسُولَ عَمَّا حَصَلَ لَهُ فَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ [فِي الْمُسْتَدْرَكِ] مَعْنَاهُ هَذِهِ الصَّدْمَةُ الَّتِي سَبَّبَتْ لَكَ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ وَجْهِكَ أَذْهَبَ اللَّهُ بِهَا عَنْكَ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا كَفَّرَ عَنْهُ ذُنُوبَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ بِهِ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ حَتَّى يُوَافِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِذُنُوبِهِ.

   مَسْأَلَةٌ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ كَاشِفَةً لِلْوَجْهِ قَالَ: وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ، وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي ثَلاثَةِ مَوَاضِعَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى إِيضَاحِ الْمَنَاسِكِ لِلنَّوَوِيِّ كَمَا مَرَّ. فَتَحْرِيـمُ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ كَاشِفَةً وَجْهَهَا فِي زَمَانِهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ فِي ذَلِكَ دَفْعَ الْفِتْنَةِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي النَّظَرِ كَانَتْ فِي الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ وَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ [التِّرْمِذِيِّ فِي سُنَنِهِ] «كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ» فَلَيْسَ فِتْنَةُ النَّظَرِ مِمَّا حَدَثَ فِي الْقَرْنِ الْحَادِي عَشَرَ وَالثَّانِي عَشَرَ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ شَىْءٌ لَمْ يَزَلْ قَبْلَ عَصْرِ النَّبِيِّ وَبَعْدَهُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا فَلا مَعْنَى لِقَوْلِ صَاحِبِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَنَحْوِهِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ بِتَحْرِيـمِ خُرُوجِ النِّسَاءِ كَاشِفَاتِ الْوُجُوهِ.

   وَمِنْ جُمْلَةِ مَعَاصِي الْعَيْنِ النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَاتِ وَلَوْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَهُوَ عَلَى الرَّجُلِ نَظَرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنَ الرَّجُلِ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ. كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ كَكِتَابِ «مِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ» وَشُرُوحِهِ وَمَنْهَجِ الطُّلَّابِ.

   فَائِدَةٌ فِي حَوَاشِ الرَّوْضَةِ لِلْبُلْقِينِيِّ مَا نَصُّهُ «لَمْ يُقَيِّدُوا الْمُعَامَلَةَ وَالشَّهَادَةَ بِأَلَّا يُوجَدَ مِنْ مَحَارِمِهَا مَنْ يُعَامِلُهَا وَيَشْهَدُ عَلَيْهَا وَأَنْ لا تُوجَدَ امْرَأَةٌ تُعَامِلُهَا وَلا إِذَا كَانَ فِي الْمُعَامَلَةِ أَنْ يُشْتَرَطَ كَذَا وَكَأَنَّهُمْ سَامَحُوا فِي ذَلِكَ لِتَعَلُّقِهِ بِالْوَجْهِ خَاصَّةً.

   قَوْلُهُ: وَمِنْهَا يَجُوزُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ لِلْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَمُعَالَجَةِ الْعِلَّةِ وَلْيَكُنْ ذَلِكَ بِحُضُورِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ [الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ وَفِي ظَهْرِهِ وَرَغَّبَ بِالِاحْتِجَامِ وَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا شِفَاءً، الْحِجَامَةُ فِيهَا شِفَاءٌ عَظِيمٌ].

   فَائِدَةٌ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَمْنَعُ حُصُولَ الْخَلْوَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْعِدَدِ.

   قَوْلُهُ «وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ أَنْ لا يَكُونَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ تُعَالِجُ وَفِي جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ أَنْ لا يَكُونَ هُنَاكَ رَجُلٌ يُعَالِجُهُ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَالرُّوْيَّانِيُّ، وَعَنِ ابْنِ الْقَاصِّ خِلافُهُ زَادَ الأَوَّلُ أَصَحُّ» اهـ. يَعْنِي الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ النَّوَوِيَّ زَادَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَرْجِيحَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَالرُّوْيَانِيُّ.

   ثُمَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَا نَصُّهُ:

   «فَائِدَةٌ اللَّائِقُ بِالتَّرْتِيبِ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي الْوَجْهِ سُومِحَ بِذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَصَبِيٌّ مُسْلِمٌ غَيْرُ مُرَاهِقٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَصَبِيٌّ غَيْرُ مُرَاهِقٍ كَافِرٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَامْرَأَةٌ كَافِرَةٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَأَجْنَبِيٌّ مُسْلِمٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَأَجْنَبِيٌّ كَافِرٌ» انْتَهَى كَلامُ الْبُلْقِينِيِّ. فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَذْهَبَ إِلَى طَبِيبٍ مَعَ وُجُودِ طَبِيبَةٍ مُسْلِمَةٍ إِنْ كَانَ فِي ذَهَابِهَا إِلَيْهِ كَشْفُ عَوْرَةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ هَذَا الطَّبِيبُ أَمْهَرَ مِنَ الطَّبِيبَةِ أَوْ أُجْرَتُهُ أَرْخَصَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كَشْفُ السَّوْأَتَيْنِ فِي الْخَلْوَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازُ كَشْفِهَا فِي الْخَلْوَةِ لِأَيِّ حَاجَةٍ كَتَبَرُّدٍ. وَأَجَازَ مَالِكٌ كَشْفَ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَحَلَّ مَعَ الْمَحْرَمِيَّةِ أَوِ الْجِنْسِيَّةِ نَظَرُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِقْدَارَ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحَارِمِهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَكَذَلِكَ الْعَوْرَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِيَّةِ أَيْ عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ بَدَنِهَا، وَكَذَلِكَ عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ، ولا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَكْشِفَ مِنْ جَسَدِهَا أَمَامَ الْكَافِرَةِ إِلَّا مَا تَكْشِفُهُ عِنْدَ الْعَمَلِ كَالرَّأْسِ وَالسَّاعِدِ وَالْعُنُقِ وَنِصْفِ السَّاقِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ أَمَامَهَا إِلَّا مَا تَكْشِفُهُ أَمَامَ الرِّجَالِ الأَجَانِبِ. وَيَحِلُّ النَّظَرُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ مَعَ الصِّغَرِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَكِنَّ الصِّغَرَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الَّذِي لا يُشْتَهَى مَعَهُ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ عِنْدَ ذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ شَهْوَةٌ، وَيَحِلُّ النَّظَرُ إِلَى الصَّبِيِّ أَوِ الصَّبِيَّةِ اللَّذَيْنِ دُونَ سِنِّ التَّمْيِيزِ إِلَى مَا عَدَا فَرْجِ الأُنْثَى، فَقَدْ حَرَّمَ بَعْضُهُمُ النَّظَرَ إِلَى فَرْجِ الأُنْثَى الصَّغِيرَةِ الَّتِي لا تُشْتَهَى أَيْضًا لِغَيْرِ الأُمِّ وَنَحْوِهَا كَالأَبِ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا لِغَيْرِ الأُمِّ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْفَرْقُ عِنْدَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ نَحْوِ الأُمِّ وَغَيْرِهَا فِي النَّظَرِ إِلَى فَرْجِ الأُنْثَى أَنَّ فَرْجَ الأُنْثَى أَفْحَشُ نَظَرًا مِنْ فَرْجِ الذَّكَرِ. وَيَجُوزُ لِلأَبَوَيْنِ كَشْفُ عَوْرَتِهِمَا أَمَامَ طِفْلِهِمَا غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، أَمَّا بَعْدَ التَّمْيِيزِ فَلا يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى فَخِذِ الْبِنْتِ إِلَى التَّاسِعَةِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ إِلَى السَّابِعَةِ أَيْ بِلا شَهْوَةٍ أَمَّا إِلَى الْفَرْجِ فَلا يَجُوزُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ.

   تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُ بَعْضِهِمْ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا عُبِّرَ بِهِ هُنَا.

   فَائِدَةٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلطِّفْلِ الْمُمَيِّزِ الَّذِي يَكْشِفُ سَوْأَتَيْهِ عَيْبٌ غَطِّ سَوْأَتَكَ، وَمَعْنَاهُ هَذَا جِنْسُهُ عَيْبٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ عَيْبٌ عَلَيْكَ، كَمَا يُقَالُ لِلطِّفْلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ حَرَامٌ، لَيْسَ مَعْنَاهُ حَرَامٌ عَلَيْكَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ هَذَا جِنْسُهُ حَرَامٌ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَحْرُمُ النَّظَرُ بِالِاسْتِحْقَارِ إِلَى الْمُسْلِمِ

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْعَيْنِ النَّظَرَ إِلَى الْمُسْلِمِ بِالِاسْتِحْقَارِ وَالِازْدِرَاءِ إِمَّا لِفَقْرِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ ضَعِيفَ الْجِسْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ تَحْرِيـمِهِ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ وَلَكِنْ أُعِيدَ هُنَا لِبَيَانِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَعَاصِي الْعَيْنِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَهَا وَجْهَانِ وَجْهٌ يَتَعَلَّقُ بِالْقَلْبِ وَوَجْهٌ يَتَعَلَّقُ بِجَارِحَةِ الْعَيْنِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالنَّظَرُ فِي بَيْتِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوْ شَىْءٍ أَخْفَاهُ كَذَلِكَ

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِي بَيْتِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيْ مِمَّا يَكْرَهُ عَادَةً وَيَتَأَذَّى بِهِ مَنْ فِي الْبَيْتِ، وَكذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى شَىْءٍ أَخْفَاهُ الْغَيْرُ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ، وَذَلِكَ كالنَّظَرِ فِي نَحْوِ شَقِّ الْبَابِ أَوْ ثُقْبٍ فِيهِ إِلَى مَنْ فِي الْبَيْتِ أَوْ مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْبَيْتُ مِمَّا يَتَأَذَّى صَاحِبُ الْبَيْتِ بِذَلِكَ النَّظَرِ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّارِ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَوْ بِهَا مَحْرَمُهُ كَبِنْتِهِ وَكَذَلِكَ زَوْجَتُهُ.