الأحد ديسمبر 7, 2025

ملحق

سأذكر بعض الأحاديث والآيات التي تؤكد صحة ما قلناه من أن الذي نطق بكلمة الكفر كفر ولو لم يعتقد المعنى، وكذلك من فعل الكفر.

قال الله تعالى:{ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، أي أن كل لفظ يقوله الإنسان يكتبه الملكان الموكلان بهذا، فإذا كان خيرا فله، وإن كان شرا فعليه.

قال تعالى:{ من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين}، وقال تعالى:{ ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} قال القرطبي في تفسير هذه الآية في الجامع لأحكام القرءان ما نصه:{ قال القاضي أو بكر بن العربي: لا يخلو أن يكون كا قالوه من ذلك جِدا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة}.اهـ. فكل قول أو فعل أو اعتقاد فيه استهزاء بالدين أو بالأنبياء أو بالقرءان أو الشريعة أو الملائكة أو شعائر الله أو غير ذلك مما عظمه الله تعالى كفر. فمن سب الله أو سيدنا محمد فهو كافر بالإجماع، قال القاضي عياض في الشفا:{ لا خلاف أن سابّ الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم}،اهـ. وكذلك ساب النبي، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شرح روض الطالب، وكان يذكر بعض ما يكفر قائله، فقال ما نصه:{ أو كذّب نبيا في نبوّته أو غيرها، أو جحد ءاية من المصحف مجمعا عليها أي على ثبوتها أو زاد فيه كلمة معتقدا أنها منه، أو استخف بنبي بسبّ أو غيره}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ قال الله تعالى: شتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك} وفسر ذلك بقوله:{ وأما شتمه إيّاي فقوله: اتخذ الله وَلدا}. رواه البخاري.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ إن العبد ليتكلّم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها في النار سبعين خريفا}، وهو بمعنى ما رواه البخاري ومسلم:{ إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يَتَبَيَّنُ فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب}.

وقال رسول الله عليه الصلاة السلام لأبي ذر:{ عليك بطول الصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك}. وكذلك، عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما النجاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام:{ أمسك عليك لسانك}. وكذلك مما رواه ابن حبان أن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بشيء اعتصم به، قال:{ قل آمنت بالله ثم استقم}، قال: قلت: ما أشد ما تتخوف علي، فقال:{ هذا}، وأخذ بلسانه، أي أخذ الرسول بلسانه وقال هذا. فبعد هذه الأحاديث، ظهر أن خطر اللسان كبير كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا لما قال النبي عليه السلام لسفيان بن عبد الله الثقفي عندما سأله عن أشد ما يتخوّف عليه:{ هذا}، أي اللسان. إذ لو كان الأمر كما قال الألباني، لقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلبك،  وذلك لأن الألباني قال بأن العبد لا يُعتبر خارجا عن ملة الإسلام إلا إذا اعتقد الكفر الذي قاله أو فعله. والاعتقاد يكون في القلب. فما هو ردكم؟؟

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من رمى مسلما بالكفر أو قال عَدُوَّ الله إلا عادت إليه إن لم يكن كما قال}، وفي لفظ لهذا الحديث:{ إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدُهما فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه}. ومعنى هذا الحديث، أن من قال عن شخص: يا كافر، فإن كان كما قال، أي إن كان كافرا فهو كما قال. وإلا رجعت عليه، أي إن كان شخص يخاطب مسلما، وقال له: يا كافر، فيكون هو قد وقع في الكفر إن لم يكن متأولا، ومعنى متأولا هنا، أي إن شببه بالكفار لكونه يفعل الكثير من المعاصي التي لا يفعلها عادة إلا الكفار، فقال له: يا كافر، فلا يكفر هنا.

وقال الشاعر:

كم في المقابر من قتيل لسانه—-كانت تهاب لقاءه الشجعانُ

ومن الأدلة على أن هناك ما هو كفر فعلي، قول الله تعالى:{ ولا تسجدوا للشمس ولا للقمر}، وكإلقاء المصحف في القاذورات، قال ابن عابدين: ولو لم يقصد الاستخفاف، لأن فعله يدلُّ على الاستخفاف. أو أوراق العلوم الشرعية، أو أيّ ورقة عليها اسم من أسماء الله تعالى مع العلم بوجود الاسم فيها، ومن علّق شعار الكفر على نفسه من غير ضرورة فإن كان بنية التبرك أو التعظيم أو الاستحلال كان مرتدا.

قال تعالى:{ يحلِفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}، وقد رُوِي أن سبب نزول هذه الآية أنه كان رجلان في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد خروجهما، تكلم واحد منهما بكلمة فيها كفر وهي أنه شكّك بصدق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فذهب الآخر وأخبر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بما قاله ذلك الشخص، فطلبه، فعندما جاء هذا الرجل الذي تلفظ بالكفر. سأله النبي صلى الله عليه وسلم إن قال هذا، فأنكر وحلف بأنه لم يقله، فحلف الشخص الآخر بأنه قال ذلك وقال: اللهم اظهر صدق الصادق، وكذب الكاذب، فنزلت هذه الآية الكريمة:{ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}.

فبعد كل هذه الأدلة، عَلِمنا أن من تلفظ بكلمة الكفر أو فعل الكفر، إن لم يكن مكرها بنحو قتل أو نحوه، وكان على غير وجه سبق اللسان وكان الشخص الذي قال ذلك عاقلا، أي ليس مجنونا أو فاقدا للوعي، وكذلك النائم يُستثنى، ولا يُشترط للوقوع في الكفر انشراح الصدر باإجماع، فقد قال ملا علي القاري في شرحه على الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة ما نصه:{ ففي حاوي الفتاوى: مَن كفر باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان فهو كافر وليس بمؤمن عند الله. انتهى. وهو معلوم من مفهوم قوله تعالى:{ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}}اهـ.

وكذلك لا يشترط عدم الغضب، فمن تلفظ بلفظ الكفر غاضبا عامدا أي بغير سبق اللسان، كفر. قال النووي في روضة الطالبين ما نصه:{ ولو غضب على ولده أو علامه فضربه ضربا شديدا فقال له رجل: ألست مسلماً؟! فقال: لا، متعمدا. كفر}اهـ.

   أما ما ذكره الألباني في فتاويه بقوله:{ ثم هناك القول الذي يذكره بعض الفقهاء المتأخرين أنه إذا كان هناك مائة شهادة في هالإنسان تسع وتسعون أنه كفر في فعل ما أو في ما قال وواحد يقول لا: هذا ليس كفرا، هذا فسق فقط}اهـ.

الجواب: أن الذي هو معروف بين الفقهاء في كتبهم أنه إذا كان للكلمة وجه واحد لترك التكفير ووجوه تقتضي التكفير يأخذ المفتي بالقول بترك التكفير إلا أن يُبين قائلها أنه أراد الوجه الكفري، وهذا محله الكلمات التي لها معنيان أو أكثر من معنيين بعض تلك المعاني كفر وبعضها ليست كفرا كقول القائل:{ هذا خير من الله} فهذه الكلمة تحتمل معنيين أحدهما خير أي نعمة من الله، والآخر، هذا أفضل من الله. فالأول شيء يوافق الشرع، والثاني كفر بالاتفاق. وليس مراد الفقهاء أنه إذا قال الشخص كلمة معناها صريح في الكفر ليس لها إلا هذا المعنى ثم اختلف الناس في أمره فقال بعضهم كفر وقال بعضهم لم يكفر ليس هذا محل المسئلة التي قالها الفقهاء، ويا للعجب ما أجرأ هذا الرجل على الافتاء على العلماء فليأت إن كان صادقا بالعبارة التي قالها من كتاب لشافعي أو مالكي أو حنبلي فيه ما يدعيه، أما العبارة التي نقلها فهي تدور على ألسنة بعض من أهل هذا العصر كسيد سابق المصري في كتاب فقه السنة الذي تجرأ من شدة جهله بالحديث على نسبة هذه المقالة:{ الساكت عن الحق شيطان أخرس} إلى رسول الله ولم يدر أن هذه الكلمة من كلام أبي على الدقاق الصوفي الحنفي رضي الله عنه.