الخميس مارس 28, 2024

مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” -105

الآخرة دار العجائب والغرائب

قال فضيلة الشيخ جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه ومشايخه

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد طه النبيِّ الأميِّ الأمين العالي القدر العظيم الجاه وعلى آلِه وصحبِه ومَن والاه

وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا ضدّ ولا ندّ ولا زوجةَ ولا ولدَ له ولا شبيه ولا مثيلَ له ولا جسمَ ولا حجمَ ولا جسدَ ولا جثةَ له ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا كيفيةَ ولا كميةَ له ولا أين ولا جهةَ ولا حيّزَ ولا مكانَ له، كان اللهُ ولا مكان وهو الآنَ على ما عليه كان فلا تضربوا لله الأمثال ولله المثلُ الأعلى تنزّه ربي عن الجلوس والقعود وعن الحركةِ والسكونِ وعن الاتصالِ والانفصال لا يحُلُّ منه شىء ولا ينحلُّ منه شىء ولا يحُلُّ هو في شىء لأنه ليس كمثلِه شىء مهما تصوّرتَ ببالِك فاللهُ لا يشبه ذلك ومن وصف اللهَ بمعنًى من معاني البشر فقد كفر.

وأشهدُ أنّ حبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعيُنِنَا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه وخليلُه صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وبارك وعظّم وعلى جميعِ إخوانِه من النبيين والمرسلين وآلِ كلٍّ وصحبِ كلٍّ وسائر الأولياء والصالحين

 

الآخرة

*قال الإمام الهرري رضي الله عنه: الآخرةُ دارُ العجائب والغرائب اللهُ تعالى يكشف ذلك اليوم أمورًا كانت مَخفيّةً عن البشر في الدنيا الأيدي تتكلمُ يومَ القيامة والأرجل تتكلم يومَ القيامة.

)هذه الأعضاء كاليد كالرجل كجلد الإنسان كالأرض أنها تنطق وتتكلم أو غير ذلك كل هذا ليس مستحيلًا هذا تحت المشيئة، ثم إنّ القيامة لا تقاس على الدنيا مع أنّ الدنيا فيها في بعض الأوقات سوطُ الرجلِ يكلِّمُه –الكرباج- هذا قبلَ قيام الساعة يصير يكلّم الإنسان يخرج من بيتِه ثم يعود فيقول له هذا السوط زوجتُك فعلت كذا وكذا في غيابِك، ثم بعض الأمور العجيبة والغريبة التي هي في الدنيا حاصلة فلا تُستغرَب ولا تُستنكَر فكيف إذا قلتَ يوم القيامة وهناك يوم العجائب والغرائب، ربّنا قال في القرآن (وقالوا لجلودِهم لمَ شهدْتم علينا قالوا أنطَقَنا الله الذي أنطقَ كلَّ شىء)-سورة فصلت/21-

فالإنسان الأرض يوم القيامةِ تشهدُ عليه {بأنّ ربّك أوحى لها}-سورة الزلزلة/5- هذه الأرض الله يخلقُ فيها نطقًا فتشهدُ على بعض الناس بالحسنات وهم من المسلمين تقول فلان مشى على ظهري يومَ كذا وكذا للطاعةِ للحسنة فعل كذا تشهدُ لهم، وبعضُ الناس تشهدُ عليهم تقول فلان مشى على ظهري للمعصية فعل كذا وكذا الله يفضحُه، وبعضُ الناس من المسلمين الله يسترُهم فلا يفضحُهم.

فالأرضُ تتكلم وتشهد يوم القيامة، تأتي هذه الأرض ثم يخلقُ اللهُ فيها النطق فتشهدُ على هذا الإنسان وهذا شىءٌ وردَ في الحديث.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [أتدرونَ ما أخبارَها قالوا اللهُ ورسولُه أعلم، قال يومَ تشهد على كلِّ عبدٍ وأمَة بما فعلوا على ظهرِها] على التفصيل الذي ذكرتُه.

بعض الناس يفضحُهم الله بعضُ الناس تشهد لهم بالحسنات وبعض الناس الله يسترُهم فلا يفضحُهم ولا يُشهِد عليهم الأرض، جلود الناس تتكلم الأيدي الأرجل، {وقالوا لجلودِهم}-سورة فصلت/21- الكفار يقولون لجلودِهم {لمَ شهدتُم علينا قالوا أنطقَنا اللهُ الذي أنطقَ كلَّ شىء}-سورة فصلت/21- فإذا سمعتم أنّ الأيدي تتكلم يوم القيامة الأرجل تتكلم الفخذ يتكلم هذا ليس بشىءٍ مُستغرَب لأنك تقول في القيامة وهو لو حصل في الدنيا فهو ممكن وتحت المشيئة وفي الآخرة يومُ العجائب والغرائب فهذا ثابت وحاصل وأدلّتُه كثيرةٌ جدا(

 

*وقال رضي الله عنه: الآخرةُ دارُ العجائب والغرائب يُظهرُ اللهُ تبارك وتعالى كثيرًا من الأمور التي ما كانت تُعرَفُ في الدنيا.

*وقال رضي الله عنه: ورد في القرآن {يومَ يفرُّ المرءُ من أخيه وأمِّه وأبيه وصاحبتِه وبنيه}-سورة عبس/34- صاحبتِه أي زوجتِه وبنيه حتى من أبنائه يفرُّ يوم القيامة إنْ كان ظلَمهم لأنه يعرف أنّ ذلك يومُ عقابٍ وقصاص ولكنْ أين المفر، كذلك الزوجةُ إنْ كانت ظلمتْ زوجَها في الدنيا تفرُّ لئلّا يطالبُها بالحق، الولدُ إذا ظلمَ أباه فالأمرُ كذلك أو ظلمَ أمَّه فالأمرُ كذلك أما الذين عاشوا ليس بينَهم تبِعات وظلم يشتاقونَ أن يرى بعضُهم بعضًا.

)تنبيه: وهو أنّ من الأمور العجيبة والغريبة التي يُظهرُها ذلك اليوم، هنا قبل المقطع الأخير مرّت عبارة وهي أنّ الله يظهرُ يوم القيامة أمورًا كانت خافية على العباد قبل ذلك اليوم من هذه الأمور التي يُظهرُها الله ذلك اليوم لننتبه ونتمعّن ونتدبّر ونقف عند هذه الفوائد والعظات والعبر، من هذه العجائب والغرائب التي يُظهرُها الله ذلك اليوم أنّ عنُقًا من جهنم يبقى متصلًا بالنار وهي تحت الأرض السابعة وهذا ورد في الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين أبو عبد الله النيسابوري قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم [إنّ النارَ تحتَ الأرض السابعة] فجهنم هناك منفصلة عن الأرض السابعة تحتها وهي في مكانٍ بعيد، هذا العنق يكونُ متصلًا بالنار الملائكة يجرّونَه إلى موقف القيامة ويبقى متصلًا.

هذا العنق يصير بالنسبة للكفار من عِظَمِه وحجمِه وضخامتِه كأنه يريد أنْ يقع عليهم، تخيلوا هذا المنظر، الله قال في القرآن {وجِيءَ يومئذٍ بجهنّم}-سورة الفجر/23-

روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [يُؤتَى يومئذٍ بجهنم –أي بجزء منها بهذا العنق وهو متصلٌ بها- معها سبعونَ ألفِ زِمام مع كلِّ زِمام سبعونَ ألف ملَك] رواه مسلم، يجرّون هذا العنق لموقف القيامة، بعض المسلمين العصاة أهل الكبائر قلوبُهم تكاد تتمزّق من شدةِ الفزع لكنْ أقل بكثير مما يصيب الكفار، الكفار الهول عليهم أعظم والعذاب عليهم أشدّ والكافر يظنّ أّنّ هذا العنق سيقع عليه وهو متصل بجهنم، ثم هذا العنق معه عدد من الملائكة إذا رآهم الكفار في موقف يوم القيامة يزدادون رعبًا وخوفًا وفزعًا لأننا لو رجعنا لهذا الحديث الصحيح الذي رواه مسلم كم يكون هذا العدد؟ وهؤلاء الملائكة الذين يأتون يومَ القيامة مناظرُهم عجيبة وكبيرة وضخمة وعددُهم كبير جدا، إذا قلتَ ومعها سبعونَ ألف زمام مع كلّ زمام سبعون ألف ملك كم يكون العدد؟ أربعة مليارات وتسعمائة مليون ملَك، هذا شىءٌ مرعب بالنسبة للكفار وهم في موقف القيامة.

ثم من الأمور التي يُظهرُها الله ذلك اليوم أنّ الإنسان الذي ظلمَ قِيدَ شبرٍ من أرضٍ يأتي يومَ القيامة وهذا البقعة التي أخذها ظلمًا وعدوانًا تأتي الله يُعيدُها ذلك اليوم وتكون متصلة بالأرض السابعة فتصير مع هذه المسافة البعيدة وتأتي في موقف القيامة تصير كالطوق في عنق هذا الإنسان الذي أخذها ظلمًا وعدوانًا.

الرسول صلى الله عليه وسلم قال [مَن ظلمَ  قِيدَ شبرٍ من أرضٍ طُوِّقَه من سبعِ أرضينَ يومَ القيامة] نسأل الله السلامة، شىءٌ مرعبٌ مخيف.

تصوّروا في وقتٍ من الأوقات يكون بين العباد  في موقف القيامةِ وهذا الطوق في رقبتِه وهو متصلٌ بالأرض السابعة. وهذا اليوم يحصلُ كثيرًا في الضيع في القرى عند مَن يعملون في تجارة الأراضي كالبيع والشراء أو الشركاء أو الأقارب  يغيّرون في منارِ الأرض يعني يأخذ من أرض جاره يُدخلُها في أرضِه، مثلًا هنا تكون العلامة يرفعُها ويُدخلُها في أرضِ جارِه، يأخذ من أرض غيرِه إلى أرضِه قدر شبر له هذا العذاب فكيف إذا كان ذراعًا أو أمتارًا أوأرضًا بأكملِها وكيف هؤلاء الذين يأكلون أموالَ الوقف. أرض تكون أوقِفَت مثلًا في قرية في مدينة للمسجد يأتي بعض الأغنياء أو التجار أو المسؤول سياسي أو مسؤول ديني فيُزَوِّر هذه الأوراق ويأكل هذه الأرض الوقف يبلَعُها والرسولُ قال [المسلمونَ عند شروطِهم] وقال [مَن غيّرَ منارَ الأرضِ فهو ملعون] يعني ظلم أدخل من أرض جاره إلى أرضِه، في الضيع هذا يحصل كثيرًا، أو أحيانًا يموت الأخ فيكون له أيتام فالأخ الموجود يأخذ من أرض أخيه الميت الذي انتقلت حصّتُه وفيها أيتام، فيأتي هذا الأخ ويأكل من حصةِ أيتام أخيه من هذه الأرض وأحيانًا بعض الشباب والرجال في الضيع يأكل نصيب أخته يكون أبوهم مات وله أخوات نساء وهو الرجل يقول نحن عندنا لا نوَرِّث المرأة، شىء عجيب هذا في الجهل، يقول عندنا في العائلة في العشيرة في الضيعة المرأة لا نورّثُها تزوّجت ذهبت إلى بيتِ زوجِها وبعضُهم إذا كانت في بيتِه أيضًا لا يُوَرِّثُها ليس فقط للمتزوجة، ظلّام خبثاء ملاعين فسَقة فجَرة، إذا كان اللهُ تعالى أعطاها نصيبًا القرآنُ أثبتَ  لها نصيبًا للذكر مثلُ حظِّ الأنثَيَين، مَن أنتَ يا جُوَيهل لتقول نحن لا نُوَرِّث المرأة؟ المال ليس ملكًا لك أنت لك حصة لك نصيب خذ هذه الحصة التي لك واترك أختَك تأخذ نصيبَها من ميراثِ أبيها، أنتَ أيُّ شىءٍ لها فيظلمُها ويأكل حصّتَها ولا يُعطيها هذه الحصة يأكلُها هو عليها أو يتفق الرجال على النساء أخواتهم، هذه المرأة أختهم يأكلون مالَها والعياذ بالله، هؤلاء ظلَمة فسَقة لو كانت لهم شهرة في الضيع والقبائل، فاسقٌ خبيثٌ ملعون ظالم مجرم، هذا عند الله يستحق أنْ يُعذَّبَ في جهنم لو كان رجال الضيع يقفونَ له عندما يمشي هذا في ميزانِ الآخرة فاسق، في ميزان الشريعة ملعون خبيث، على زعمِه كبير العائلة وكبير العشيرة، الكبير بتقوى الله ليس بالظلم ليس بالفسق يا جاهل، لذلك إذا كان الذي يظلم مقدار شبر واحد من أرض اسمعوا ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم [مَن ظلَمَ قِيدَ شبرٍ من أرضٍ طُوِّقَه من سبعِ أرضينَ يومَ القيامة]

فليَنتبِه هؤلاء الظلَمة ملعونٌ مَن غيّرَ منارَ الأرض هكذا ورد في الحديث هذا من أهل الكبائر خبيثٌ فاسق أكل نارًا في بطنِه [إنّ رجالًا يتخوّضونَ في مالِ الناسِ بغيرِ حقٍّ فلهمُ النارُ يومَ القيامة] هذا في بعض الروايات، وفي رواية [إنّ أناسًا يتخوّضون في مالِ اللهِ  بغيرِ حقٍّ فلهم النارُ يومَ القيامة]  ماذا تفعل وأين تهرب يوم القيامة؟

لذلك هذا من العجائب، تخيّلوا هذا المنظر المرعب طُوِّقَه من سبعِ أرضينَ يوم القيامة.

ومن هذه الأهوال التي يُظهرُها اللهُ ذلك اليوم وكانت خافيةً على الناس لا يعرفونَها أنّ مَن كان متزوّجًا في الدنيا أكثر من امرأة وكان يظلم في النفقة الواجبة وفي المبيت الواجب، وعندما نقول في النفقة الواجبة يعني لا يُسَوّي بينهنّ في القدر الواجب لا نتكلم عما زاد عن الواجب من الهدايا والإنعام والتوسعة هذا خير أحسن أفضل أنْ يُسوّيَ بينهنّ في الزيادة أيضًا لكن هذه الزيادة لا يجب عليه أنْ يُسَوّيَ بينهنّ فيها إنما يجب عليه في النفقة الواجبة فنحن نتكلم الآن عمّن لا يسوّي في النفقة الوجبة عمّن ضيّع النفقة الواجبة عمّن لم يعدِل في النفقة الواجبة، هذه أعطاها النفقة الواجبة وتلك حرمَها ستة أشهر سنة ثلاث سنوات منعَها النفقة الواجبة، هذا خبيث ملعون يأتي يوم القيامةِ وشقُّه ساقط تصوّروا هذا المنظر، يأتي بين الخلائق في مواقف القيامة وشِقُّه ساقط وأشار الشيخ رحمه الله لما سألتُه قلتُ له شقُّه يعني هكذا بالعرض أم بالطول أشار بالطول قال شقُّه يكونُ ساقطًا يوم القيامة، انظروا إلى هذا المنظر هذا لأنه ظلم في النفقة الواجبة لم يُسَوِّ بينهنّ في النفقة الواجبة ولا في المبيت الواجب.

وعندما نقول في المبيت ليس معناه النوم الإغفاء إنما معناه أنْ يكونَ في الليلِ عندَها سواء نام أو لم ينَم أغفى أم لا، وليس شرطًا الجماع عندما نقول في المبيت الواجب لأنّ هذا تعرفون هذا يختلف باختلاف أحوال النفس والناس والأوقات والأوضاع ففي مثلِ هذا لا يقال يجب عليه أنْ يُسَوّيَ عليهن في الجماع، لا، هذا ما قاله علماءُ الإسلام، الذي قاله العلماء وهو في الحديث هو في المبيت يعني أنْ يكونَ عندَها في حصتِها في الليل، ممكن لا ينام ولا دقيقة يقعد معها يكلّمها تكلّمه يأكل معها يقوم يصلي يقرأ قرآن أو يحدّثها هذا يكون كان عندَها في الليل، هذا المبيت.

فالذي لا يُسوّي بين زوجاتِه في المبيت ولا في النفقة الواجبة يُبْعَثُ يوم القيامة وشقُّه ساقطٌ بين الناس في موقف القيامة.

وأيضًا من الأهوال التي يُظهِرُها الله ذلك اليوم أنّ ملائكة السموات السبع ينزلون ثم أهل السماء الثانية فيُحيطون بالإنس والجن في مواقف القيامة يُحاصِرون الإنس والجن هكذا سبعة صفوف يُحاصرون في موقف القيامة من الإنس الجن، الله قال في القرآن {لا يتكلمون إلا مَن أذنَ له الرحمنُ وقال صوابًا}-سورة النبأ/38-

ثم في آيةٍ أخرى قال {لا تنفذونَ إلا بسلطان}-سورة الرحمن/33- هذه عن موقف القيامة {يا معشرَ الجنِّ والإنس}-سورة الرحمن/33- في موقف القيامة ليس عن الصاروخ والطائرة والصحن الطائر كما يقول بعض الناس إنما يكونون في موقف القيامة فتُحاصرُهم سبعة صفوف من الملائكة شىءٌ مُرعب، لا يستطيع واحد من الإنس والجن أنْ يغادرَ ذلك الموقف إلا كما ورد في الآية {لا يتكلمونَ إلا مَن أذِنَ له الرحمنُ وقال صوابًا}-سورة النبأ/38- يعني إلا مَن كان معه حجة من الله عز وجل، هذا أيضًا شىءٌ مُفزع.

كل هذا يدخل تحت هذه الآية {وجآءَ ربُّك والملَكُ صفًّا صفًّا}-سورة الفجر/22- قال أحمد جاءت قدرتُه، أي آثارُ قدرتِه التي يُظهرُها ذلك اليوم وكل هذه الأهوال من آثارِ القدرة يُظهرُها الله ذلك اليوم وليس معناها أنّ اللهَ جسم ويأتي وينتقل إلى موقف القيامة أو ينزل من علو إلى سفل أو ينزل من العرش بذاتِه كما تقول الوهابية لا، لأنّ اللهَ أصلًا لا يسكن على العرش وأصلًا موجودٌ بلا جهةٍ ولا مكان وهو ليس جسمًا، إذًا معنى الآية {وجآء ربُّك}-سورة الفجر/22- جاءت قدرتُه، كما روى البيهقيُّ عن أحمد في كتابِه مناقب أحمد عن أحمد أنه قال {وجآءَ ربُّك}-سورة الفجر/22- جاءت قدرتُه أي آثارُ قدرتِه التي يُظهرُها ذلك اليوم. وهذا إثباتٌ عند أهلِ السنةِ والجماعة على أنّ السلفَ أوّلوا تأويلًا تفصيليًّا، ولو كان الإمام أحمد مجسّمًا مشبّهًا وحاشاه كان قال على الظاهر بلا تأويل كما هي حقيقةً وانتقالًا لكنْ حاشاه ما قال هذا بل قال قدرتُه وهذا تأويل، ما قال بذاته وحقيقةً كما تقول المشبهة المجسمة، لأنه يستحيل أنْ يكونَ المعنى أن تكونَ القدرة بزعمِ المشبهة المجسمة تأتي هي يومَ القيامة على زعمِهم مستقلةً هذا لا يقولُه عاقل إنما اللهُ ذاتٌ متّصفٌ بالقدرة.

وعندما نقول القدرة صفةٌ ثابتةٌ لذات الله أي هو متصفٌ بها ليس حالّةً في ذاتِه لا، فإذًا الله تعالى هو الذي أوحى لنبيِّه أنْ يقول هذه الأحكام التي شرحناها وهذا داخلٌ تحت معنى {وجآءَ ربُّكَ}-سورة الفجر/22- أي جاءت قدرتُه أي آثارُ قدرتِه، هذا إثباتٌ للتأويل عند أهل السنة والجماعة. فكل هذا داخلٌ تحت العبارة التي قالها الشيخ رحمه الله وهي أنّ ذلك اليوم يُظهرُ اللهُ أهوالًا عجيبةً كانت خافيةً عن العباد قبل ذلك(

 

*وقال رضي الله عنه: قولُه تعالى {يومَ يفرُّ المرءُ من أخيه وأمِّه وأبيه وصاحبتِه وبنِيه}-سورة عبس/36- وذلك لأنه يومَ يرى ذلك اليوم الشخص يخشى أنْ يطالبَه أبوه أو أخوه أو أمّه أو زوجتُه بمظلمةٍ بحقٍّ هو أضاعَه عليهم لهذا يفرُّ ذلك اليوم.

)وهنا أيضًا تنبيه وهو أنّ الأهل والأقرباء يعني الزوج والزوجة الأب والأبناء والأخ والإخوة هؤلاء إذا كانوا في الدنيا قد اجتمعوا على طاعةِ الله وعلى محبة الله وعلى ما يرضي الله وكانوا مُتناصحين فيما  بينَهم هؤلاء في القيامة يحبُّ بعضُهم أنْ يلتقيَ ببعض لا يهربونَ من بعضِهم البعض ولا يفزع هذا من هذا، بل مما يؤكّد أنهم يفرحونَ ببعضهِم ما جاء في آيةٍ أخرى {هآؤمُ اقرءوا كتابِيَه}-سورة الحاقة/19- يقول هذا لإخوانِه وأحبابِه للذين كانوا يحبونَه ويحبُّهم وكانوا قد اجتمعوا على الطاعات والخيرات في الدنيا هو يقول {هآؤمُ اقرءوا كتابِيَه}-سورة الحاقة/19- فإذًا لا يفرّ كلّ فرد من كلّ الأفرادِ على الإطلاق لا، إنما الزوجُ والزوجة إنْ كانا على طاعةِ الله فيفرحانِ يوم القيامة إذا التقى بها أو التقَتْ به لا تفزعْ منه لا تخاف لا يهرب منها لا تهرب منه إلا مَن كان قد ظلمَها أو ظلمَته وهؤلاء كثُر للأسف، الإخوة كالذي تكلمنا عنه الآن الذي أكل حقّ أختِه من الميراث مثل هذا يهرب منها يوم القيامة إذا مات على هذا، شاربُه لن ينفعَه يوم القيامة لأنه في الضيع بعض الناس يتحاربون بشواربِهم من شواربُه أطول أو أعرض، هذا لن يفعلَ له شيئًا يوم القيامة بل سينسى أنّه عندَه شوارب لأنّه جاء وهو ظالمٌ خبيث فيفزع يرتعب يخاف أنْ يرى هذه المرأة التي ظلمَها وهي أختُه يفزع، أما مَن كان اجتمعَ مع أختِه في الدنيا على الطاعة وافترقا على الطاعة يفرح بها يحب أنْ يراها تحب أنْ تراه، أما اليوم أكثر الأزواج والزوجات والإخوة والأبناء يعيشون على الظلم للأسف.

كم من الأبناء اليوم ظالمون لأمهاتِهم وآبائِهم؟ مثل هؤلاء يفزعون إن ماتوا بلا توبة نسأل اللهَ أنْ يتوبَ علينا ويغفر لنا، لو كان الولد يظن بنفسه قويًّا والناسُ يحترمونَه لكنْ في حقيقةِ أمرِه هو عاقٌّ لأبويه ظالمٌ لهما يؤذيهما يرفع صوتَه على أمِّه يُحرقُ قلبَها في التطاول عليها أو والعياذ بالله يأكل مال أبيه بغيرِ رضاه ظلمًا وعدوانًا، مثل هذا نعم يهرب منهما يخاف يفزع لأنه عاق ظالم خبيث لو كان في الدنيا الناس تحترمُه ويقومون إجلالًا له لكنْ هو يوم القيامة يرتعب ويخاف من أمِّه لأنها كانت مظلومة من قِبلِه، فلو جاءت وتعلّقت به يوم القيامة وقالت له يا ظالم يا خبيث أنت أكلتَ حقي أنت ظلمتَني ماذا سيفعل؟ تخيّلوا هذا الموقف يوم القيامة بين الأم وابنِها ماذا سيفعل؟ بين الأب وابنِه ماذا سيفعل هذا الولد الظالم؟ ماذا سيعمل؟

مثل هؤلاء نعم يفرّ بعضُهم من بعض كما ورد في الآية {يومَ يفرُّ من أخيه وأمِّه وأبيه وصاحبتِه وبنيه لكلِّ امرىءٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغنيه}-سورة عبس/36- إلا الذين اجتمعوا على التقوى والطاعة فإنهم يفرحُ بعضُهم ببعض(

 

*التقيُّ الذي لم يظلم أحدًا من أقربائِه لا أمَّه ولا أباه لا زوجتَه ولا أخاه هو لا يفرُّ منهم إنما هم يفرّون خوفًا من أنْ يُطالَبوا بشىءٍ من حقِّه.

 

الفضيحةُ يوم القيامة

*قال الإمام الهرري رضي الله عنه وأرضاه: يومَ القيامة ينزلُ ملائكةٌ كثير يحيطونَ بالإنسِ والجنّ بسبعةِ صفوف الجنُّ والإنسُ ضمنَ هذه السبعة صفوف اللهُ تعالى يُظهِرُ عجائبَ قدرتِه في ذلك اليوم، الكافرُ في وقتٍ يُنكِرُ أنه كان يَعبدُ غيرَ الله من شدةِ فزعِه اللهُ تعالى يختِم فمَه فتنطقُ أعضاؤُه بما فعل يوم القيامة، كذلك الأرض التي كان عليها الشخصُ في الدنيا يعملُ عليها حسنةً أو معصية اللهُ تعالى يُعيدُها تشهدُ على الشخصِ نطقًا فلانٌ فعلَ عليَّ كذا كذا ما فعلَ عليها من خير تشهدُ به.

ثم الذي لا يزكي في الدنيا الذهبَ الذي خزّنه في الدنيا والفضةَ يعودان الذهبُ والفضةُ حجرًا يُحَمّى الذهبُ والفضةُ في جهنم

)مرادهُ حجرًا يعني المعدن هذا العين يعودُ ليس عملة ورقية إنما هذا المعدن الذهب والفضة الله يعيدُها يوم القيامة(

 

*يُحَمّى الذهبُ والفضةُ في جهنم يُكوَى به ظهرُه وجنبُه وجبهتُه.

)هذا وردَ في القرآن {يومَ يُحمى عليها في نارِ جهنم}-سورة التوبة/35- يعني هذه المعادن التي كان الإنسانُ لا يزكّيها في الدنيا الذهب والفضة الله يُعيدُها فتصير كالصحائف ويُحمى عليها في نار جهنم. تخيّلوا أنتم هذا المنظر معدن الذهب معدن الفضة وهو مشتعل مُلتهِب تُكوى بها جباهُهم وجنوبُهم وظهورُهم هذا في القرآن في سورة التوبة لأنه كان لا يؤدّي زكاتَها في الدنيا، فهذا ليس كل ما يُعذَّبُ به بل هذا جزءٌ من العذاب، وهذا في وقتٍ، لأنه إذا كان قُدّرَ عليه أنْ يُعذَّبَ هذا العذاب في موقف القيامة ثم يدخل جهنم لأنه من أهل الكبائر، هذا ليس كل العذاب إنما هو شىءٌ من العذاب.

أما مَن كان له غنم وله بقر وله إبل وكان لا يزكّيها واليوم هذا موجود وبكثرة، يعني إذا كنتَ أنتَ تعيش في مدينة وسيارة ومصعد لا تنس أنه يوجد جزارين في البلد، عندك مَن يتاجر بالبقر بالغنم بالإبل ومن يعملون في اللحم يشترون الغنم ويقلّبون الأموال في التجارة، عندك المزارع القرى الضيع بلاد شاسعة واسعة ثروتُهم بالغنم والإبل، هذا موجود اليوم وبكثرة، هذا الإنسان الذي ملكَ من الغنم والبقر والإبل نصابًا وكان لا يزكّي لا يفرح بنفسِه، هو من حماقتِه يظن بنفسِه أنه يوفِّرُ شيئًا من المال لكنْ لو فكّرَ جيدًا أنه يصيرُ فاسقًا وخبيثًا وملعونًا وظالمًا وتُرفَعُ البركة من تجارتِه وتنزل عليه اللعنة والسخط والغضب، ثم ورد في الحديث [ما نقصَ مالٌ من صدقة] يعني في المعنى، فهذا المال المزَكى تنزل فيه البركة ويُبارَك له في مالِه وقد بسبب الزكاة الله يُعطيه ويرزُقُه ويوسّع عليه أضعافًا كثيرة لا تخطر له على بال، وببركة الزكاة الله تعالى يحفظ له أولادَه من المصائب من البلايا من الأمراض من الحوادث المخيفة والمرعبة، لو يعلم هؤلاء الأغنياء كم في الزكواتِ من بركات وكم  في الزكواتِ من خيرات ومن فوائد وأسرار وحصن وحرز ونماء وبركة وضياء ورحمة ونجاة في الدنيا والآخرة لا يتأخرون ولا يمتنعون ولا يقصّرون ولا يبخلون بل كانوا عجّلوا في إخراج الزكاة ولم يتأخروا حتى.

قال الفقيه بدر الدين الزركشي “تأخير إخراج الزكاة عن وقتِها بلا عذرٍ –يعني وجبت عليه وهو قادرٌ على الإخراج وأخّرَ وقال سأدفع لكن أخّر أسبوع شهر أربعة أشهر سنة ويقول سأدفع لكنْ يؤخر بلا عذر يؤجل بلا عذر- كمنعِها” يعني يريد كبيرة لأنه منع حقَّ الله فيها، هذا خبيث ملعون. يفكّر أنْ يوفّرَ قليلًا؟ كم النسبة؟ إذا قلنا اثنان ونصف بالمائة يعني بالمليون ليرة لبنانية خمس وعشرون ألف ليرة لبنانية، شىء قليل، اليوم الخمس والعشرون ليرة لبنانية على مليون ليرة كلا شىء، إذا طلّع اثنان ونصف بالمائة من القيمة ماذا يكون بالنسبة لكثرة أموالِه ولما عنده من أموال؟ مع أنّ البيتَ الذي يسكنُه لا يزَكّيه والسيارة التي يستعملُها هو وسيارة ابنه وسيارة بنته وسيارة زوجته كل هذه لا يزكي عليها لأنهم ما اشتروهم للتجارة لتقلّب في التجارة، إنما كل ما يصرفه خلال السنة من طعام وشراب ولباس ومصارف بيت اثنان ثلاثة أربعة، يصرف على بيوت أولاده وبيوت زوجاته الثلاثة وسياراتهم كل هذا لا يزكيه، ماذا بقي؟ البضاعة الموجودة والغنم والبقر والإبل والعملة التي يقلّبُها في التجارة، المواشي والأنعام التي اكتملَت نصابًا ومضى الحوْل كم يكون عليه شىء قليل بالنسبة لما عندَه، وقد يكون عنده أشياء كثيرة هو لا يزكيها أيضًا فلماذا لا يشكر ربَّه ويزكي؟

فهذا الذي لا يزكي إن كان في مال التجارة يبيع ويشتري يقلّب بقصد الربح أو هي موجودة عنده في أرضه في مزرعتِه واكتملَت نصابًا ولا يزكيها، عندنا مسئلة مَن يقلّب بقصد الربح والتجارة يبيع ويشتري بقصد الربح أو هو في مزرعتِه الأغنام والبقر والإبل واكتملت بالنصاب والحَول ولا يزكي يوم القيامة يُعيدُها الله تعالى يبعثُها يحشرُها الله {وإذا الوحوشُ حُشرَت}-سورة التكوير/5- تأتي يوم القيامة ثم بحوافِرِها وقوائمِها تضربُه إذلالًا وإهانةً له بين الخلائقِ يوم القيامة لأنه كان لا يزَكيها.

تخيّلوا هذا الإنسان كم يكون جسدُه والغنم والبقر والإبل بقوائِمها وحوافرِها تدوسُه تنطحُه تضربُه ماذا سيفعل؟ وهذا جزء من العذاب.

هذا من الأهوال التي يُظهرُها الله ذلك اليوم فليعرف الأغنياء الذين لا يزكّون أو يؤخرون بلا عذر أو يُخرجون ما لا يُجزىء أو يعطونَها لمن لا يستحق ذمّتُهم مشغولةٌ بها يُطالَبون بها يوم القيامة لا تفرحوا وتظنون بأنفسكم وفّرتم أنتم كنتم سببًا بأنكم صرتم ملاعين وخبثاء وانتظروا ما ينزل عليكم من انتقام وبلايا ونِقَم منعتُم حقَّ الله ومنعتُم حقّ الفقراء، أليس قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم في الزكاة إنها تؤخَذ من أغنيائِهم –يعني المسلمين- وتُرَد على فقرائهم، هذا حق لهم الله فرضَه عليكم فلماذا تمنعونَهم هذا الحق؟

اليوم كثير من الأغنياء لا يعتبرون انظروا هذه مصيبة وبلية البنوك كم خزنوا وكنزوا وجمعوا وما كان يزكّي ثم انظروا الآن ماذا حصل أين هذه المليارات أين هذه الملايين؟؟ أين هي؟ لو كان الأغنياء أخرجوا الزكوات للفقراء كانوا ربحوا، الفقير كان سدّ حاجتَه والغني كان أدّى الواجب وربما لو زكّى كان نجا بمالِه.

الصدق مع الله له بركة الصدق مع الناس الصدق مع نفسك الصدق مع الشريعة لها أسرار، أليس ورد في الحديث أنّ إنسانًا استقرضَ من إنسان ألف دينار ذهب شىء كثير، قال له إليّ بالشهداء لأستشهدَهم، قال كفى بالله شهيدًا قال مَن كفيلُك عليّ بالكفيل الضامن، قال كفى باللهِ كفيلًا فقبلَ معه أعطاه، اليوم ألف دينار كم تطلع؟

أخذها وسافر في البحر إلى بلد وكان اتفق معه إلى أجل، هذا الرجل في البلد الذي سافر إليها صار يتحاين ينتبه للوقت لأجل أنْ يرجع ويرد الألف دينار لصاحبِها وصار يسأل عن المراكب وعن السفن ويخرج إلى البحر ليرد المال لأصحابِه ما كان يجد، أخذَ جذع ونقرَه ووضعَ فيه الألف دينار ثم سدَّه وجاء إلى شاطىء البحر وحكى قصتَه اللهم إنك تعلمُ أنني اقترضتُ من فلان وكنتُ أريدُ أنْ أردَّ له ولا أجد سفينةً اللهم أدِّ عني، وألقاها في البحر، الرجل صاحب المال في الوقت الذي كان اتفق معه عليه قال أخرج اليوم  إلى الساحل لعله يعود في السفينة ويرجع فيؤدي ما لي عنده من الذهب، خرج إلى البحر ينتظر ما جاءت السفينة وصل إلى الشاطىء هذا الغصن أو الجذع قال هذه الخشبة آخذُها لعيالي وأهلي يحتطبون بها لأجلِ إيقاد النار أخذها وذهب إلى بيتِه، جاء بالمنشار ونشرَها لأجلِ أنْ تُستعمَل في إيقاد النار فلما نشرَها تساقطت الأموال، ألف دينار ومعها كتاب يعني فلان الذي اقترضَها كتب لفلان أني كنتُ وعدتُك وأنا لم أتخلّف عن إرادتي وعمدًا إنما كنتُ أبحث عن سفينة ولم أجد فهذه الألف دينار، اللهم أدِّها عني، وصل المالُ إليه من بلد إلى بلد وفي البحر وما وصلت إلا إلى صاحبِها.

ثم بعد مدةٍ جاء الرجل معه ألف دينار أخرى قال له هذه الألف دينار قال له اذهب قد أدّاها اللهُ عنك، يعني تلك التي أنت ألقيتَها وصلت إليّ.

انظروا إلى البركات إلى الصدق إلى الإخلاص لكن اليوم أكثر الأغنياء لا يعتبرون قست قلوبُهم فسقوا وفجروا ليس فقط يأكلون حقّ الفقير واليتيم وقد يقال لو تمكنوا لأكلوا الفقير ولأكلوا اليتيم حسبنا الله ونعم الوكيل.