فقال الشَّيخُ: لا يجُوز لأنّها لو أدْخَلَتْ هذا المبلغَ في عمَلٍ يكفِيْها غَلَّتُه، أمّا إذا كانَ ما تملِكُه لا يَكفي لحاجاتها الأصليّةِ ولو شَغّلَتْه في تجارةٍ عندئذٍ تكونُ تَستحِقّ الزكاةَ، أمّا التي يكون عندَها ذلك المبلغُ إمّا تأكلُه أو تُشَغّلُه حتى يكفيَها كفايتَها.
فقال الشَّيخُ: الزكاةُ اللهُ تَعالى جَعَل لها مصَارفَ خاصّةً، لم يَجعَلْها لكُلّ عَمَلِ خَيرٍ لو كانَ جعَلَها لكُلّ عمَلِ خَير ما قالَ رسولُ الله ﷺ: «تُؤخَذُ مِن أغنِيَائهِم وتُردُّ إلى فُقَرائِهم» رواه البخاري ومسلم والدّارِمي في سننه، أمّا مُطلَقُ الأعمالِ الخَيريّةِ تَجُوز في الغَنيّ والفَقِير يَجوزُ التَّصَدُّقُ على الغَنيّ كمَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ على الفَقِيرِ وإنْ كانَ التّصَدُّقُ على الفَقِير أفضَلُ، أمّا هَذه الزكَواتُ التي سماهَا اللهُ تَعالى “الصّدَقاتُ” في سورةِ التّوبة هذه مَخصُوصَةٌ لأصنافٍ سمّاهُم اللهُ تَعالى في القُرءانِ الكريم وقولُه: ﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﱠ لا يَعني بهِ كُلَّ عَمَلٍ خَيريٍ إنّما يعني بهِ الجِهَادَ أي الناسَ المتَطوّعينَ للجِهَادِ في سَبيلِ الله أَعطُوهُم مِنَ الزكاةِ وأَلْحَقَ بَعضُ الأئمّةِ المجتَهِدينَ وهوَ الإمامُ أحمدُ بالمجاهِدينَ مَن يُريدُ الحجَّ إذَا لم يَكُن مَعهُ مالٌ ويُريدُ الحجّ يجُوزُ إعطاؤه منَ الزكاةِ ما يحُجُّ بهِ.
فقال الشَّيخُ: هَذا إذا كانَ الشّخصُ يُرجَى منهُ النّجَابةُ أي الوصُولُ إلى الحدّ الذي يكُونُ يَطلَعُ مُفتِيًا أي يَنفَعُ النّاسَ زيادَةً على نَفعِه هَذا إذا تَوفَّرَ في الشَّخصِ أنّه يَطلَعُ مِن قُوّة قَريحَتِه، مِن شِدّة ذَكائه وحِفظِه أنّهُ يَصِلُ إلى مَرتبَةِ الفَتْوَى، مَرتبَةُ الفَتوى ليسَت هَيّنةً، بحسَبِ أَصْلِها أنْ يَحفَظَ مَذهبَه عن ظَهرِ قَلْب إنْ كانَ شافِعيًّا يحفَظُ مَذهَب الشّافعِيّ عَن ظَهرِ قَلْبٍ، لا يَشِذُّ عن فَهمِه إلا مسَائلُ، وإنْ كانَ حَنبَليًّا كذلكَ يَحفَظُ مَذهَبَ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ وإنْ كانَ مالِكيًّا فمِثلُ ذلكَ، هَذه مَرتبَةُ الفَتوَى ليسَت مَرتبَةُ الفَتوَى أن يَحفَظَ كِتَابًا أو كِتَابَينِ أو عَشَرَةَ كُتُبٍ.
طَالبُ العِلم الشّرعيّ الذي يُرجَى مِنهُ الوصُولُ إلى مَرتَبَةِ الفَتوَى أي أن يَكونَ حَافظًا لمسَائلِ المذهَب، قالَ الفقهاءُ إنْ كانَ اشتِغالُه بالعَمل يمنَعُه عن الوصُولِ إلى هذه المرتبَةِ، أي لو كَانَ يُكلَّفُ أن يَشتَغِلَ ويَكفيَ نَفْسَه مِن غَيرِ أن يُعطَى مِنَ الزكَاةِ شيئًا يَنقَطِعُ عن الوصُولِ إلى هَذه المرتبَةِ قالَ يجُوز أن يُعطَى مِنَ الزكاةِ حتى يَستَمِرَّ في سبِيلِه للوصُولِ إلى هذه المرتبَةِ.
ثمّ الدّفعُ إلى الشّخصِ إن كانَ مُنتَسِبًا لجمعِيّةٍ أو لغَيرِ ذلكَ دَفعُ مالِ الزكَاةِ إلى شَخصٍ لا يجُوزُ إلا إنْ كانَ هذا الشّخصُ الذي يُدفَعُ إلَيهِ يَعرفُ مَصَارفَها، وأَمِينًا، أي لا يُخشَى أن يُضيّعَها بصَرفها إلى نواحٍ أُخرَى فإن لم يكنْ هو عَارفًا لمصَارف الزكاةِ الشّرعية لا يجوزُ صَرفُها إليه ولو كانَ يَعرف لكن يخونُ بأنْ يضَعَ هذا المالَ في غَيرِ مَحلّهِ كذلكَ لا يجوز.
فقال الشَّيخُ: الذي عندَه مالٌ يكفيهِ أو مِهنَةٌ تَكفيْه لمأكَله ومَشربه ومَلبَسِه ومَسكَنِه هذا يُقال له غنيّ في باب الزكاةِ فلا يُعطَى منَ الزكاة. إنْ كانَ إنسانٌ لا يَستَطيع أن يعمَل كأن كانَ مُقعدًا وكانَ عندَه مِلْكٌ تَكفِيْه غَلّتُه إلى ءاخِرِ عمُرِه، للعمُرِ الغالِب، وهو اثنانِ وسِتّونَ سَنةً ما يَكفيْهِ لحَدّ العمرِ الغالِب هذا يُعَدّ غنيًّا في بابِ الزكاةِ فلا تَحِلُّ لهُ الزكاةُ، وإنْ كانَ مِلكُهُ لا يزيدُ على كفَايةِ سنَةٍ أو سنتَينِ لا يَكفِيْه لتَمَام العُمرِ الغَالِب هذا يُعَدُّ فقِيرًا.
فقال الشَّيخُ: إن كانَ يَستَطِيعُ السّفَرَ ويَشتَغلُ وهوَ ذُو صِحّةٍ تَامّةٍ ولهُ مِهنَةٌ لكن لا يجِدُ ما يَعمَلُ بهِ مِهنَتَهُ هَذه يُقدَّرُ له كَم يكفِيْه هذا الرّجلُ إذا أُعطِيَ منَ الزكاةِ ليَشتريَ أدواتِ مِهنَتِه ويَستأجرَ مكانًا يكفيْه، فإذا قُدّرَ ذلكَ عشرَةَ ءالافِ دِرهم يُعطَى عشرةَ ءالافِ دِرهَم ثم يُقالُ لهُ أنتَ اشتَغِل في مِهنَتِك واكْفِ نَفسَك، وعلى هذا القِياسِ غَيرُه مِن أصحَابِ المِهَن.
فقال الشَّيخُ: إن اعتَقدْتَ صِدقَهُ لا يجُوز أن تشتريَه وإلّا يجُوز.
قال الشَّيخُ: مَن أخرَج زكاةً عن سيّارةٍ ليسَت للتّجارة وعن مَسكَنٍ ليسَ للتّجارة بل للاستِعمالِ فذلكَ لا يجوز لأنّها عِبادةٌ فاسِدة.