كتابُ أحكامِ الأقضيةِ والشهاداتِ
والأقضيةُ جمع قضاءٍ بالْمَدِّ وهو لغةً الحكم أم إحكام الشَّىْءِ وإمضاؤه أي إتقانُهُ وتنفيذُهُ وشرعًا فصل الحكومة بين خصمين بحكم الله تعالى وأما فصلُها بغير ذلك فليس بقضاءٍ حقيقةً. والشهاداتُ جمع شهادة مصدر شَهِد مأخوذة من السُّهود بمعنى الحُضُور.
والأصلُ فيها قبل الإجماعِ ءَاياتٌ كقولِهِ تعالى في سورةِ الْمائدةِ (وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ) وقولِهِ فيها أيضًا (وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ) وأخبارٌ كخبرِ الصحيحين إذا اجتهدَ الحاكمُ فأخطأَ فلهُ أجرٌ وإن أصابَ فلهُ أجرانِ اهـ.
وتَوَلِّي القضاء فرضُ كفايةٍ في حقِّ الصالحِ له في كلِّ مسافةِ عَدْوَى وهي نصفُ يومٍ معتدِلٍ لا قصيرٍ ولا طويلٍ فيجبُ أن يكونَ قاضٍ في كلِّ مسافةِ عدوَى ومُفْتٍ في كل مسافةِ قصرٍ فإن تَعَيَّنَ تولِّيهِ على شخصٍ في ناحيتِه لَزِمَهُ طَلَبُهُ ولو ببذلِ مالٍ ومع ظنِّ عدمِ الإجابةِ ووجبَ على الإمام أنْ يُوَلِّيَه.
وفي شروحِ الْمنهاجِ وغيرِها أنَّ الْمُوَلِّيَ للقاضِي الإمامُ أو نائبُهُ فإن خرجَتْ ناحيةٌ عن حكمِهِ ولَّى القاضي فيها مَن يرجعُ أمرُهُم إليه اتَّحَدَ أو تعدَّدَ فإن فُقِدَ فأهلُ الحلِّ والعقدِ منهم اهـ وقال في الْمغنِي والأشخرُ في فتاويه نقلًا عن السمهوديِّ وغيرُهُم أنه إذا خلا الزمان عن إمامٍ وسلطانٍ وذِي شوكةٍ فالأمورُ موكولةٌ إلى العلماءِ ويلزمُ الأمةَ الرجوعُ إليهم ويصيرون ولاةَ العبادِ فإذا عَسُر جمعهم على واحد فالْمُتَّبَعُ أعلمُهُم فإن استَوَوْا أُقْرِعَ بينهم كما قال الإمامُ قال بعضُهُم وهذا مِن حيثُ انعقادُ الولايةِ الخاصةِ فلا يُنافِي وجوبَ طاعةِ العلماءِ مطلقًا في ما يُبيِّنُونَهُ مِن أمورِ الشريعةِ اهـ قلتُ والْمرادُ بالعلماءِ حقُّ العلماءِ الذينَ تعبوا في الطلبِ والدراسةِ وصحبوا أهلَ الفضلِ والصيانةِ وتحقَّقُوا قبل الإجابة ولم يتسرَّعُوا فيها بل خافوا على أنفسِهِم وعلى مَن يُفتونهم مغبَّةَ الخيانة وليس الْمرادُ الْمبتدعةَ ولا مَن قرأ كتابًا أو اثنينِ منَ الْمختصَراتِ ولا مَن تشبَّهَ بهم منظرًأ مع الجهلِ وفسادِ الخُلُقِ وقلةِ الأمانةِ واللهاثِ خلفَ الْمناصبِ مِن طريقِ الفاسدينَ والجائرينَ كالْمتخرِّجينَ من هذه الجامعاتِ الْمسماةِ إسلاميةً في أيامنا الْمتشبِّهينَ بالعلماءِ منظرًا والْمُتَسَمَّيْنَ باسمهم مع البُعدِ عن حقيقتِهِم عبيدِ الدينارِ والدرهمِ إلا ما ندرَ وإلى اللهِ الْمُشْتَكَى.