الجمعة مارس 29, 2024

قول السيدة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها([1])
(ت 62هـ) وربيعة بن أبي عبد الرحمـن([2]) (ت 136هـ)

روى اللالكائيّ([3]) عن أم سلمة رضي الله عنها والإمام الفقيه ربيعة بن أبي
عبد الرّحمن أنّهما قالا: «الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر» اهـ. ومرادهما بقولهما: «غير مجهول» أنه معلوم وروده في القرآن بدليل رواية أخرى عند اللالكائيّ وهي: «الاستواء مذكور» اهـ. أي مذكور في القرآن، ولا يعنيان أنه بمعنى الجلوس وأن كيفية الجلوس مجهولة كما زعم بعض المشبهة! ويردّ زعمهم تكملة قول أم سلمة وربيعة رضي الله عنهما: «والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر» فإن معناه أن الاستواء بمعنى الهيئة كالجلوس لا يُعْقَلُ في حق الله، أي لا يقبله العقل لأن الجلوس لا يصح إلا من ذي أعضاء كالألية والركبة، تعالى الله عن ذلك، فلا معنى لقول بعضهم: «الاستواء معلوم والكيفية مجهولة»([4]) يقصدون بالاستواء جلوسًا مجهول الكيفية، وهذا ضلال لأنّ الجلوس كيفما كان لا يكون إلا بأعضاء، ووَصْفُ الله بالجلوس كفر ولو بزيادة «لا كجلوسنا»، فقد قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه([5]): «يكفر من يقول الله جسم لا كالأجسام» اهـ. وهؤلاء يوهمون الناس أن هذا هو مراد الإمام مالك رضي الله عنه بما ينسبونه إليه من قوله: «والكيف مجهول»، على أنّنا قدمنا قبل ذلك أن هذا غير ثابت عنه، ولو تنزَّلْنا وسلمنا ثبوته فيكون مراده ما قدّمناه وهو أنه لا تصل إلى حقيقته العقول والأذهان، فلا يغتر بتمويهات المشبهة وتدليساتهم.

 

 

[1] ) هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية ويقال اسمه حذيفة، ويعرف بزاد الراكب بن المغيرة، ت 62هـ، القرشية المخزومية، أم سلمة رضي الله عنها، من زوجات النبي ﷺ، تزوجها في السّنة الرابعة للهجرة، وكانت من أكمل النساء عقلًا وخلقًا رضي الله عنها، وهي قديمة الإسلام، وكان لها «يوم الحديبية» رأي أشارت به على النبيّ ﷺ دلَّ على وفور عقلها، وكانت وفاتها بالمدينة. الأعلام، الزركلي، 8/97، 98. طبقات ابن سعد، ابن سعد، 8/60، 61.

 

[2] ) ربيعة بن أبي عبد الرحمن الإمام أبو عثمان التيميّ المدنيّ الفقيه مولى آل المنكدر، ت 136هـ، روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد، وعنه سفيان ومالك والأوزاعيّ. وكان إمامًا حافظًا فقيهًا مجتهدًا بصيرًا بالرأي، ولذلك يقال له: ربيعة الرأي. تذكرة الحفاظ، الذهبيّ، 1/119.

 

[3] ) شرح السّنة، اللالكائيّ، 3/441، 442.

    هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي أبو القاسم اللالكائيّ، ت 418هـ، حافظ للحديث من فقهاء الشافعية من أهل طبرستان، استوطن بغداد وخرج في آخر أيامه إلى الدينور فمات بها كهلًا. له: «شرح السّنة» و«السنن». الأعلام، الزركلي، 8/71.

[4] ) هذا اللفظ لم يثبت عن الإمام مالك رضي الله عنه ولا غيره من الأئمة إسنادًا فلا اعتداد به.

 

[5] ) ذكر ذلك المحدث الفقيه بدر الدين الزركشي في تشنيف المسامع، 4/648.