الخميس مارس 28, 2024

قال الله تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى *) [سورة الضحى]

معنى هذه الآية لم تكن تدري القرءان وتفاصيل الشرائع فهداك الله أي أرشدك إلى معرفة القرءان وشرائع الإسلام، قال تعالى: {…مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ… *} [سورة الشورى] ، معناه ما كنت تعلم القرءان ولا تفاصيل الإيمان، فالرسول قبل نزول الوحي كان مؤمنا بربه معتقدا توحيده تعالى بما ألهمه الله تعالى، قاله الحسن والضحاك وابن كيسان، وقيل: إنه ضلّ وهو صبي صغير في شعاب مكة – أي ضاع عن بيت جده – فرده الله إلى جده عبد المطلب، قاله ابن عباس كما روى عنه أبو الضحى، وهذا ذكره البغوي في تفسيره المسمى «معالم التنزيل» في تفسير سورة الضحى.

ومن أعجب تخريفات وتحريفات شيخ الوهابية الألباني في تفسير هذه الآية ما قاله في فتاويه ما نصه[(811)]: «أنا أقول هؤلاء – يعني المتوسلين بالأولياء والصالحين و الذين يحرمون اتباع الكتاب والسنة- ولا أتورع من أن أسميهم باسمهم هؤلاء ضالون عن الحق، ولا إشكال في إطلاق هذا التعبير إسلاميًا حين أقول إنهم ضالون عن الحق فإن الله عز وجل أطلق على نبيه عليه السلام أنه حينما كان قبل نزول الوحي عليه يقول: {وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى *} [سورة الضحى] » اهـ.

ففي هذا الكلام جعل الألباني الرسول ضالا كضلال من حكم عليهم هذا الرجل من علماء الإسلام وعوامهم لتوسلهم بالأنبياء والأولياء وهذا عنده شرك، فحكم على الرسول بما حكم به على علماء المسلمين وعوامهم لضلالهم وكفرهم كما زعم، فهذا طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم صريح، ومن طعن في الرسول فقد أجمع علماء الإسلام على كفره، فهذا دليل على أنه لا يحترم الأنبياء لأنه انتقص أفضلهم وأكرمهم على الله وهو نبينا محمد، فبعد تنقيصيه للرسول صلى الله عليه وسلم فهل يتورع عن تنقيص من سواه كائنًا من كان، هذا مبلغ اعتقاد هذا الرجل فإنه جعل نفسه حاكما على كل من سواه من غير تفريق بين النبي وبين أفراد أمته.

فإذا كان الألباني تجرأ على ذكر سيدنا محمد في عداد الضالين ويعني هذا الرجل بالضالين الذين ألحق الرسول بهم من هم مشركون عنده لأن التوسل بالأنبياء والأولياء شرك عنده وعند طائفته، فكيف يشبه سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم بهؤلاء لمجرد أن الله تعالى قال في حقه: {وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى *} [سورة الضحى] ومعنى الآية غير هذا الذي أراده الألباني، لأن الضلال الذي تفيده هذه الآية هو أن الرسول لم يكن عالمًا بعلوم الشريعة قبل نزول الوحي عليه كما قدمنا، فكأن هذا الرجل قال الرسول كان كافرًا كما أن هؤلاء المتوسلين بالأنبياء والأولياء كفار و كما أن من يحرم اتباع الكتاب والسنة كافر، فما الذي دعاه إلى إلحاق سيدنا محمد بمن يعتبرهم مشركين كافرين لأنهم يتوسلون بالأنبياء والأولياء، والتوسل بالأنبياء والأولياء أجمع عليه المسلمون سلفهم وخلفهم لم يخالف في هذا إلا ابن تيمية، ثم هؤلاء – أعني الألباني وجماعته المشبهة – قلدوه، فالمسلمون مع اختلاف طبقاتهم في الفضل في الدين كانوا متوسلين بالأنبياء والأولياء وإن كان هذا الأمر عند هذا المعكوس القلب كفرًا، ولن يستطيع هذا الملحد إثبات منع التوسل بالأنبياء والأولياء من عالم معتبر قبل ابن تيمية، فليعلم أن هذا الرجل هواه الغض من قدر الأولياء والصالحين إلا فرقته وزعيمهم محمد بن عبد الوهاب وزعيمهم الأول ابن تيمية فإن هؤلاء عندهم هم المسلمون الحقيقيون.

ولو عبر هذا الرجل بما في نفسه لقال بعبارة صريحة: «لا يوجد مسلمون سوى طائفتنا الوهابية» كما قال زعيمهم السابق محمد بن عبد الوهاب: «من دخل دعوتنا فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن لم يدخل في دعوتنا فهو كافر مباح الدم»، وقد نقل ذلك خلق منهم العالم الجليل الشيخ أحمد بن زيني دحلان المكي والشيخ محمد بن عبيد الله النجدي مفتي الحنابلة في مكة المكرمة المتوفى في أواخر القرن الثالث عشر في كتابه «السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» فقال في زعيمهم هذا إنه يكفر من خالف رأيه ويستحل قتله، وشواهد أفعال أتباعه تشهد بذلك.

و من أبشع شذوذ الألباني ما ذكره في فتاويه فقال ص73: «إنما القاعدة أنه لا يجوز للمسلم أن يدع بلد الإسلام إلى بلاد الكفر إلا لضرورة قاهرة» اهـ.

نقول: بل لمصلحة راجحة يجوز للمسلم أن يقيم في بلاد الكفر إذا كان يرجو بإقامته أنه يُدخل بعض الكفار في الإسلام، إنما يحرم الإقامة فيها على من خاف على نفسه أن يُفتن كأن يُمنع عن الصلاة وعلى هذا يحمل الحديث الوارد في النهي من الإقامة بين الكفار.

فلا يتعجب المسلم من تحريم الألباني على المسلمين في الضفة الغربية البقاء فيها كما في فتاويه ص18 والعياذ بالله فالأمر واضح وجلي لمن أراد الحقيقة، فمن انتقص رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستغرب منه أن يكون على عقيدة اليهود وناصرا لليهود بالتشبيه والتجسيم وإيجاب على أهل فلسطين الهجرة منها وتركها لأحبابه اليهود.

ـ[811]       الجامع لأحكام القرءان (المجلد العشرون ص187).