معنى الآية اطلبوا من الله المغفرة بترك الكفر والدخول في الإسلام، فإنه يجب على مَن وقعت منه ردّة أن يعود فورًا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين والإقلاع عما وقعت به الردة، ولا يكفي للدخول في الإسلام قول «أستغفر الله» بدل الشهادتين، ويدل على ذلك ما رواه ابن حبان عن عمران بن حصين قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا محمد، عبد المطلب خير لقومه منك كان يُطعمهم الكبد والسنام وأنت تنحرهم (وهذا كفر)، فقال له ما شاء الله (له أن يقوله من الرد عليه)، فلما أراد أن ينصرف قال: ما أقول قال: «قل اللَّهُمَّ قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري»، فانطلق الرجل ولم يكن أسلم، وبعد أن دخل في دين الإسلام جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال لرسول الله: إني أتيتك فقلت: علمني فقلتَ: قل اللَّهُمَّ قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري، فما أقول الآن حين أسلمتُ قال: «قل اللَّهُمَّ قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري، اللَّهُمَّ اغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما أخطأت وما عمدت وما جهلت». والدليل فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه هذا الرجل كافرًا لم يأمره بالاستغفار باللسان لأنه لا ينفعه وهو على كفره، ثم لما جاءه وقد أسلم أمره بالاستغفار. وروى هذا الحديث أيضًا النسائي في عمل اليوم والليلة وأحمد في مسنده، وعند النسائي ذكر اسم الرجل وهو حصين.
فالمرتد إذا قال: «أستغفر الله» قبل أن يتشهد لا يزداد إلا ذنبًا، لأن معناه «اللَّهُمَّ اغفر لي وأنا كافر بك»، وذلك مراغمة للدين فيكون ذلك منه زيادة كفر.
وليس معنى الآية أن نوحًا عليه السلام أمر قومه بقول: «أستغفر الله» مع عبادتهم للأصنام، بل المعنى اطلبوا من الله أن يغفر لكم بدخولكم في الإسلام، بتشهدكم، فيغفر لكم.
قال القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرءان» ما نصه([1]): «(وإني كلما دعوتهم) أي إلى سبب المغفرة وهي الإيمان بك والطاعة لك». وقال([2]): «قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان». اهـ. أي بأن تتركوا الكفر وتسلموا.
وقد نقل الإجماع على أن الرجوع للإسلام يكون بالشهادتين، الحافظ محمد بن إبراهيم بن المنذر المتوفى سنة 318هـ في كتابه «الإجماع»([3])، والحافظ أبو الحسن علي بن القطان الفاسي المتوفى سنة 628هـ في كتابه «الإقناع في مسائل الإجماع»([4]).
([1]) الجامع لأحكام القرءان (دار الفكر، الجزء الثامن عشر ص300).
([3]) الإجماع (طبع دار الجنان، الطبعة الأولى 1406هـ ص144).
([4]) الإقناع في مسائل الإجماع (طبع دار القلم – دمشق، المجلد الرابع ص1927).