(فَصْلٌ) فِى أَحْكَامِ صَلاةِ الِاسْتِسْقَاءِ أَىْ طَلَبِ السُّقْيَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَصَلاةُ الِاسْتِسْقَاءِ مَسْنُونَةٌ) لِمُقِيمٍ وَمُسَافِرٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ مِنِ انْقِطَاعِ غَيْثٍ أَوْ عَيْنِ مَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَتُعَادُ صَلاةُ الِاسْتِسْقَاءِ ثَانِيًا وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يُسْقَوْا حَتَّى يَسْقِيَهُمُ اللَّهُ (فَيَأْمُرُهُمْ) نَدْبًا (الإِمَامُ) وَنَحْوُهُ (بِالتَّوْبَةِ) وَهِىَ مِنَ الذَّنْبِ وَاجِبَةٌ أَمَرَ الإِمَامُ بِهَا أَوْ لا فَأَمْرُ الإِمَامِ بِهَا تَأْكِيدٌ (وَالصَّدَقَةِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ) لِلْعِبَادِ (وَمُصَالَحَةِ الأَعْدَاءِ) الَّذِينَ عَادَاهُمْ لِغَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ (وَصِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) قَبْلَ مِيعَادِ الْخُرُوجِ فَيَكُونُ بِهِ أَرْبَعَةً، وَيُلْزِمُهُمُ امْتِثَالُ أَمْرِهِ فَيَصِيرُ الصِّيَامُ وَاجِبًا بِأَمْرِهِ فَيَجِبُ فِيهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ. (ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فِى الْيَوْمِ الرَّابِعِ) صِيَامًا قال البجيرِمِيُّ ياؤُهُ مُخَفَّفَةٌ أو مُشَدَّدَةٌ اهـ وإن اقتصَرَ بعضُهُم على التشديدِ. قال ذُو الرّمَّة: فَطَلَّتْ بأجْمَادِ الزِّجاجِ سَواخِطًا صِيامًا تُغَنِّي تَحْتَهُنَّ الصَّفائِحُ. وأنشدَ ابنُ الأعرابِيِّ : نَعامًا بخَطْمَة صُعْرَ الخُدُودِ لَا تَرِدُ الْمَاءَ إلَّا صِيامًا. أو مُفطِرينَ والأولُ أولَى غَيْرَ مُتَطَيِّبِينَ وَلا مُتَزَيِّنِينَ بَلْ يَخْرُجُونَ (فِى ثِيَابِ بِذْلَةٍ) بِمُوَحِدَّةٍ مَكْسُورَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَهِىَ مَا يُلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ الْمِهْنَةِ وَقْتَ الْعَمَلِ (وَاسْتِكَانَةٍ) أَىْ خُشُوعٍ (وَتَضَرُّعٍ) أَىْ خُضُوعٍ وَتَذَلُّلٍ وَيُخْرِجُونَ مَعَهُمُ الصِّبْيَانُ وَالشُّيُوخُ وَالْعَجَائِزُ وَالْبَهَائِمُ. (وَيُصَلَّى بِهِمُ) الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (رَكْعَتَيْنِ كَصَلاةِ الْعِيدَيْنِ) فِى كَيْفِيَتِهِمَا مِنَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّكْبِيرِ سَبْعًا فِى الرَّكْعَةِ الأُولَى وَخَمْسًا فِى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ (ثُمَّ يَخْطُبُ) نَدْبًا خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَىِ الْعِيدَيْنِ فِى الأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى فِى الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلَ التَّكْبِيرِ أَوَّلَهُمَا فَيَفْتَتِحُ الْخُطْبَةَ الأُولَى بِالِاسْتِغْفَارِ تِسْعًا وَالْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ سَبْعًا، وَصِيغَةُ الِاسْتِغْفَارِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِى لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، وَالأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَتَانِ (بَعْدَهُمَا) أَىِ الرَّكْعَتَيْنِ (وَيُحَوِّلُ) الْخَطِيبُ (رِدَاءَهُ) اسْتِحْبَابًا (فَيَجْعَلُ) يَمِينَهُ يَسَارَهُ وَ(أَعْلاهُ أَسْفَلَهُ) وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ مِثْلَ تَحْوِيلِ الْخَطِيبِ (وَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ) سِرًّا وَجَهْرًا فَحَيْثُ أَسَرَّ الْخَطِيبُ أَسَرَّ الْقَوْمُ بِالدُّعَاءِ وَحَيْثُ جَهَرَ أَمَّنُوا عَلَى دُعَائِهِ (وَ)يُكْثِرُ الْخَطِيبُ مِنَ (الِاسْتِغْفَارِ) وَيَقْرَأُ ءايَتَىْ سورةِ نوحٍ ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ (وَيَدْعُو بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سُقْيَا رَحْمَةٍ وَلا تَجْعَلْهَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلا مَحْقٍ وَلا بَلاءٍ وَلا هَدْمٍ وَلا غَرَقٍ) فإن تضرَّروا بالمطرِ قال (اللَّهُمَّ عَلى الظِّرَابِ وَالآكَامِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا) ثم تتمة دعاء الاستسقاءِ (اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا) أي مطرًا (مُغِيثًا) يُعينُنا (هَنِيئًا) لا ضَرَرَ فيه ولا تعب (مَرِيئًا) تكونُ عاقبتُهُ محمودةً يُسَمِّنُ الحيوانَ ويُنمِّيهِ (مَرِيعًا) أي ذا مَراعةٍ أي خصبٍ (سَحًّا) شديدَ الوقعِ على الأرضِ (عامًّا) مستوعبًا للبلادِ (غَدَقًا) كثيرَ القَطرِ (طَبَقًا) يُطَبِّقُ البلادَ مَطَرُهُ فيصيرُ كالطَّبَقِ عليها وفيهِ مبالَغَةٌ وبدَأَ بالعامِّ ثُمَّ أَتْبَعَهُ الغدقَ والطَّبَقَ لأنَّهُ صِفَةُ زيادةٍ في العامِّ فقد يكونُ عامًا وهو طَلٌّ يسيرٌ (مُجَلّـِلًا) يُجَلِّلُ البلادَ خيرُهُ ويعمُّ العبادَ نفعُهُ أو يُجَلِّلُها أي يُغَطِّيها (دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ) أي اليائسينَ (اللَّهُمَ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلادِ مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ وَالضَّنْكِ) أي الضيقِ والشِّدَّةِ (مَا لا نَشْكُو إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ وَاكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلاءِ مَا لا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا) أي لم تزلْ غَفَّارًا (فَأَرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا) أي تَدُرُّ المطرَ بكثرةٍ. رواهُ البيهقيُّ في معرفةِ السننِ والأخبارِ وقال عَقِبَهُ قال الشافعيُّ أُحِبُّ أن يدعوَ الإمامُ بهذا الدعاء اهـ
(وَيَغْتَسِلُ) أَوْ يَتَوَضَّأُ نَدْبًا (فِى الْوَادِى إِذَا سَالَ) مَاؤُهُ (وَيُسَبِّحُ لِلرَّعْدِ) فَيَقُولُ سُبْحَانَ الَّذِى يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ كما رواهُ مالكٌ وغيرُهُ عن عبدِ اللهِ بنِ الزبيرِ وعددٍ غيرِهِ من السلفِ (وَالْبَرْقِ) فَيَقُولُ سُبْحَانَ الَّذِى يُرِى عِبَادَهُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وهو مأخوذٌ من قولِهِ تعالى في سورةِ الرعدِ (هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِۦ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.