فصلٌ في أحكامِ الاعتكاف وهو لغةً الإقامةُ على الشَّيْءِ مِن خيـرٍ أو شـرٍ وشرعًا إقامةٌ بِـمسجدٍ بصفةٍ مـخصوصةٍ. والأصلُ فيه قبل الإجـماع ءايَةُ البقـرةِ (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) والآيةُ الأخرى فيها (وَعَهِدْنَآ إِلَىٰٓ إِبْرَٰهِــيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ).
(والاعتكافُ) في الـمسجدِ أي حَبْسُ نفسِهِ فيه بـحيثُ لا يـخرُجُ منه إلَّا لعذرٍ مِـمَّا سيأتـي (سنةٌ مستـحبةٌ) في كلِّ وقتٍ والأفضلُ أن يكونَ بصومٍ وأن يكونَ في الـجامعِ وهو في العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ أفضلُ منه في غيـرِهِ لأجلِ طلبِ ليلةِ القدرِ إذْ هي عند الشافعيِّ رضيَ الله هنه منـحصرةٌ في العشر الأخيـر من رمضان فكلُّ ليلةٍ منه مُـحْتَمِلَةٌ لَـهَا لكنَّ ليالِـيَ الوتْرِ أرجاها وأرْجَـى ليالـي الوتْرِ ليلةُ الـحادي أو الثالثِ والعشـريـنَ.
(وله) أي للاعتكافِ الـمذكور (شرطان) أحدهـما (النية) وينوي في الاعتكاف الـمنذور الفرضية أو النذر (و) الثاني (اللُّبْثُ) بالـمكث زيادةً على قدر الطمأنينة في الصلاة بـحيث يُسَمَّـى عكوفًا (في الـمسجد) وهو الـمكانُ الـموقوفُ للصلاةِ فلا يصحُّ في غيـره ولو لامرأةٍ. وشـرط الـمعتكف إسلامٌ وعقلٌ ونقاءٌ عن حيض ونفاس وجنابة فلا يصح اعتكافُ كافرٍ ومـجنونٍ وحائضٍ ونفساءَ وجـنبٍ.
(ولا يَـخْرُجُ) الـمعتكِفُ (من) الـمسجدِ في (الاعتكافِ الـمنذورِ إلا لـحاجةِ الإنسانِ) من بولٍ وغائطٍ وما في معناهـما كغُسْلِ مـحتلم (أو عُذْرٍ من حيضٍ) أو نفاسٍ فتخرج الـمرأة من الـمسجد لأجلهما (أو) عذرٍ من (مرضٍ لا يـمكن الـمُقَامُ معه) في الـمسجد بأن كان يـحتاج لفرشٍ وخادم وطبيب أو يـخافُ تلويث الـمسجد كإسهالٍ وإدرارِ بولٍ بخلافِ الـمرضِ الـخفيفِ الذي لا يشقُّ معه الـمُقامُ في الـمسجد كحُمَّـى خفيفةٍ فلا يـجوز الـخروج من الـمسجد بسببها.
(ويبطُلُ) الاعتكافُ بالردَّةِ والسُّكرِ تَعَدِّيًا و(بالوطءِ) مـختارًا ذاكرًا للاعتكافِ عالـمًا بالتحريمِ وبالـمباشرةِ بشهوةٍ إن أنزل وإلا فلا.