الأحد ديسمبر 7, 2025

الدرس الثامن عشر

شرح حديث: «من رأى عورة فسترها»

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين

 أما بعد فقد روينا بالإسناد المتصل الصحيح في كتاب المستدرك للحاكم أن رسول الله ﷺ قال: «من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موؤدة من قبرها».

هذا الحديث الصحيح يخبرنا بأن من رأى عورة أي لمسلم فسترها أي لم يبثها بين الناس بل أخفاها فله أجر شبيه بأجر من أحيا موؤدة أي أنقذ بنتا مولودة دفنت وهي حية كما كان جاهلية العرب يفعلون، «من قبرها» أي أنقذها أخرجها من قبرها، هذا الإنسان الذي رأى على مسلم عورة فسترها ولم يبثها وينشرها فله أجر شبيه بأجر الذي أحيا الموؤدة أي الطفلة التي دفنت، طمت بالتراب وهي حية هذا له أجر عظيم.

وهذا الأمر كان في جاهلية العرب أي قبل أن يبعث رسول الله ﷺ بمدة، كان هذا الشىء معروفا عند العرب، لكن عمر بن الخطاب ما فعل هذا، هذا كذب مفترى عليه أنه كان قبل أن يسلم وأد بنتا له، إنما بعض الناس فعلوا، حتى بعض أصحاب رسول الله ﷺ كان فيهم رجل معروف بالكرم والحلم لكن حدثت له حادثة ففعل هذا، ثم بعد أن أسلم عمل حسنات كثيرة حتى تنغمر تلك المعصية التي فعلها قبل أن يسلم من وأد بنات له. هذا الرجل سبب إقدامه على دفن بنات له ثمانية، ثمانية بنات ولدن له دفنهن حيات، وسببه أنه كانت أغارت قبيلة عليهم قبيلة من العرب أغارت على قبيلة هذا الشخص الصحابي الجليل. بعدما أسلم صار على حالة ومرتبة عالية، سببه أن هذه القبيلة أغارت على قبيلته فسبت له بنتا له، هذه القبيلة أخذت بنتا له أسيرة، ثم حصل صلح بين القبيلتين فهذه البنت كان واحد من تلك القبيلة التي أسرتها مال إليها تعلق بها وهي تعلقت به، هي أعجبها وهو أعجبته، فخيرت، قيل لها: ترجعين إلى أبيك أم تبقين هنا مع هذا الرجل، قالت: أنا أختار هذا الرجل، اختارت على أبيها هذا الرجل مع أن أباها وجيه في قومه وكريم وسخي وحليم، معروف بالذكر الحسن عند الناس، هنا غضب قال: كيف تفضل علي هذا الشخص، فحلف أنه إن جاءته بنات بعد هذا يدفنهن وهن حيات، فدفن بعد ذلك ثمان بنات وهن حيات، كلما ولدت له واحدة يدفنها إلى أن كمل عدد ثمان، ثم بعد أن أسلم ندم على ما فعل ندامة شديدة، فقال لرسول الله: يا رسول الله، ماذا أفعل أنا وأدت ثماني بنات في الجاهلية، أي قبل أن أسلم دفنت ثمان بنات فماذا أفعل؟ قال له: «أعتق رقابا» أي أناسا مملوكين حررهم، قال: أنا صاحب إبل معناه عندي إبل كثير أما الرقيق ما عندي، عندي إبل كثير، فتصدق بنحو مائة إبل كي يغطي ما سبق له من وأد بناته الثمان.

والله تبارك وتعالى ذكر في القرءان الكريم تقبيح هذا الأمر، تقبيح وأد البنات، قال تبارك وتعالى: وإذا الموءودة سئلت (8) بأي ذنب قتلت (9).سورة التكوير. هذا فعل شنيع من أشنع الجرائم، الرسول ﷺ شبه هذا الذي يرى عورة لمسلم أي ما يعاب عليه ويستحى منه أن يطلع عليه الناس إن رءاها فسترها بأجر هذا الإنسان الذي رأى موؤدة فأنقذها قبل أن تموت، قبل أن تختنق بالتراب وبهذا الطم أنقذها، وفي ذلك أجر عظيم، كذلك هذا فيه أجر عظيم الذي يرى عورة على مسلم فيسترها.

 ثم هناك قصة تشبه هذه حصلت في خلافة عمر، جاء رجل إلى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه قال له :يا أمير المؤمنين إني كنت وأدت بنتا لي في الجاهلية ثم أخرجتها قبل أن تموت([1]) قال: كنت وأدت بنتا لي في الجاهلية أي قبل أن أسلم، دفنتها ثم أخرجتها قبل أن تموت، أخذته الشفقة فأخرجها قبل أن تموت، ثم أدركنا الإسلام فأسلمت ونحن أسلمنا، ثم ارتكبت حدا من حدود الله، معناه زنت قبل أن تتزوج، وهي شابة زنت، فأخذت شفرة لتذبح نفسها أي من عظم ما وقعت فيه من الفضيحة، أخذت شفرة لتنتحر فأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها، عروق العنق من الجانبين يقال لها أوداج، فداويناها، القدر الذي هي قطعته عالجناه بالدواء، ثم تابت توبة حسنة ثم خطبت إلينا من قوم فأخبرت ببعض ما جرى لها، أخبرتهم ببعض ما جرى لها، على زعمه لئلا يغشهم، قال لهم: بنتي هذه كان سبق لها كذا وكذا حتى يقدموا على إتمام خطبتها أو يفسخوا ويتركوها، على زعمه أنه ينصح الذي يخطبها لأن بنته سبق لها كذا مما هو عار وعيب، فقال عمر: أنت تبث ما ستره الله تعالى! لئن أخبرت بذلك أحدا لأجعلنك نكالا يتحدث به أهل الأمصار، معناه لئن عدت بعد هذا إلى إفشاء هذه العورة التي سبقت لابنتك إن تحدثت بها بعد هذا لأجعلنك نكالا أي عبرة للناس بعقوبة أنزلها بك، يتحدث بها أهل الأمصار أي أهل المدن، فلان ابن فلان فعل كذا فأجري عليه من العقوبة كذا، أجرى عليه أمير المؤمنين كذا.

هذه الحادثة يؤخذ منها حكمان شرعيان، يؤخذ منها أن الإنسان بعد أن يتوب لا يجوز ذكره بالعار والعيب الذي سبق له، المسلم إذا سبق له عار مهما كان ذلك العار ومهما كانت تلك العورة لا يجوز أن تفشى بعد أن يتوب ذلك المسلم أو المسلمة حتى في مثل هذه الحالة مثلا بعد أن تاب ذلك الشخص المسلم أراد إنسان مصاهرته لا يجوز أن تكشف ذلك العيب الذي سبق له.

ويؤخذ من هذه القصة أن هذه البنت لو لم تكن تابت كان حقا على أبيها إذا خطبت إليه أن يتكلم فيها مع أنه أبوها، وإن سكت هو وغيره ممن علم بالحادثة يكونون غاشين، الأب يكون غاشا ومن علم بذلك ممن سواه من أهلها أو غير أهلها يكونون غاشين، لو لم تكن البنت تابت لكان غشا، فلو كان الأمر كذلك ما كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يوبخه، هذا فيما يتعلق بالأمر الذي لا يتعدى إلى الغير، أما الإنسان الذي يغش الناس في تجارته أو تدريسه لعلم الدين أو لعلم الدنيا أو غير ذلك من سائر فنون المعاملات، الذي يغش في ذلك واجب كشفه ولا يجوز ستره، لا يجوز الستر عليه بل يجب كشفه. الذي يغش في المعاملات كالذي يبيع البضائع التي فيها عيب من غير أن يبين عيبها، هذا فرض على من علم بحال هذا التاجر أن يحذر الناس منه. كذلك إذا وجد إنسانا يعمل عند شخص وهو خائن، هذا العامل خائن، الشخص الذي يعرف منه الخيانة يجب عليه أن يحذر صاحب العمل، يقول له فلان كذا، هذا فرض، هذا لا يطلب ستره، هذا كشفه مطلوب لأن النصيحة تقتضي ذلك، تقتضي كشفه. كذلك إذا إنسان أراد أن يصادق إنسانا فالمسلم الذي يعلم من هذا الإنسان الذي يريد أن يصادقه ضررا أو غشا وخيانة يجب عليه أن يكشفه ويحذر منه، يقول له لا تصادق فلانا فإنه لا يصلح للمصادقة وإن كان لا يكتفي بهذا القدر إلا أن يكشف له ما هو السبب الذي يجعله غير صالح للمصادقة يبين له يقول له فعل كذا فعل كذا، ثم بعد ذلك إن ظل على مصادقته فوباله عليه، أما ذلك الشخص برأ نفسه، وهذا الكلام في أمر المسلمين، أما الكافر فلا غيبة له، أما من خشي أن يضره ذلك الشخص يجوز له أن يسكت، أما إن كان لا يخشى أن يضره فسكت من أجل خاطره، من أجل أن لا ينزعج خاطره، هنا يكون عاصيا لربه، وهذا يطلق عليه اسم الغيبة لكنها من الغيبة الجائزة الواجبة. لذلك الغيبة في بعض المواضع تجوز. والغيبة هي ذكرك أخاك بما فيه بما يكره.

الرسول ﷺ قال لشخص خطب فأساء الخطبة قال له: «بئس الخطيب أنت» وذلك لأنه قال كلمات خالف فيها الشرع، هو ما سب الرسول ولا انتقصه، بل على زعمه كان يعظم الرسول تعظيما بالغا، وهذا الشخص كان يظن نفسه يعظم الرسول تعظيما بالغا، لكن الرسول الله تعالى بعثه لبيان الحق والباطل، ما سكت له، قال له: «بئس الخطيب أنت» فلذلك يجب التحذير من هؤلاء الذين يحرفون دين الله، وهذا الحديث رواه ابن حبان والبيهقي وغيرهما.

والقول الذي قاله ذلك الرجل فأغضب الرسول ﷺ، قال: «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى»، ما قال: «ومن يعص الله ورسوله» بل قال: «ومن يعصهما» جمع في لفظ واحد، الرسول لا يرضى بأن يذكر الله ويذكره في لفظ واحد على هذا الوجه، وإن كان مراد الشخص تعظيم الرسول لكنه فعل فعلا لا يوافق شرع الله تعالى لأنه قال :ومن يعصهما فقد غوى([2]).

إحدى تلميذات سحر حلبي قالت: “أنا أتزوج الله” وهذا الكلام كفر. والسحريات يعتبرن غطس اليد بالنسبة للحائض في الشراب ينجس الشراب وهذا الاعتقاد اعتقاد يهود السامرة الذين في فلسطين عند نابلس وهم أشد اليهود تعمقا في اليهودية، يقال لهم السامرة ويقال لهم السمرة.

سيدنا محمد أكمل خلق الله وأفضل خلق الله وأطهر خلق الله كان يمد رأسه يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف وعائشة تكون في بيتها فتسرح له رأسه وهي حائض.

ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. وسبحان الله، والحمد لله، والله تعالى أعلم.

([1])  هذه القصة فيها دليل على مشروعية الستر على مسلم.

([2])  هو ارتكب مكروها ومع ذلك النبي ما سكت له.