الثلاثاء أبريل 16, 2024

سِيرَتُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَزُهْدُهُ وَوَرَعُهُ وَشَىْءٌ مِنْ أَوْصَافِهِ وَلِمَاذَا سُمِّيَ بِالْمَسِيحِ

 

   قَالَ تَعَالَى ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [سُورَةَ الْمَائِدَة/75].

   كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ جَمِيلَ الشَّكْلِ وَالصَّوْتِ رَبْعَةً أَيْ لَيْسَ طَوِيلًا وَلا قَصِيرًا، ءَادَمَ اللَّوْنِ أَيْ ذَا سُمْرَةٍ خَفِيفَةٍ، سَبِطَ الشَّعَرِ أَيْ شَعَرُهُ مُتَسَلْسِلٌ نَاعِمٌ، وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ كَانَ زَاهِدًا لا يُبَالِي بِنَعِيمِ الدُّنْيَا وَمَلَذَّاتِهَا الْفَانِيَةِ بَلْ كَانَ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقًا بِالْعَمَلِ لِلآخِرَةِ وَبِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَلْبَسُ الشَّعَرَ وَيَأْكُلُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ مِنْ نَحْوِ الْمُلُوخِيَّةِ وَالْهِنْدِبَاءِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ، وَكَانَ لا يَدَّخِرُ عِنْدَهُ شَيْئًا وَلَكِنْ يُنْفِقُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ، لا يَأْوِي إِلَى مَنْزِلٍ وَلا أَهْلٍ وَلا مَالٍ، فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَمْ يَكُنْ يَتَّخِذُ مَنْزِلًا يَأْوِي إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يَبِيتُ وَيَنَامُ أَيْنَمَا يُدْرِكُهُ الْمَسَاءُ.

   وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَرِعًا كَثِيرَ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، مُتَوَكِّلًا عَلَى مَوْلاهُ، كَثِيرَ ثِقَةِ الْقَلْبِ بِخَالِقِهِ وَرَازِقِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَتَحَرَّى الطَّعَامَ الْحَلالَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ غَزْلِ أُمِّهِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلامُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَسِرْوَالٌ صَغِيرٌ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَكَانَ حَافِيًا بَاكِيًا شَعْثًا مُصْفَرَّ اللَّوْنِ مِنَ الْجُوعِ يَابِسَ الشَّفَتَيْنِ مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَا الَّذِي أَنْزَلْتُ الدُّنْيَا مَنْزِلَتَهَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَلا عُجْبَ وَلا فَخْرَ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَتَدْرُونَ أَيْنَ بَيْتِي؟ قَالُوا: أَيْنَ بَيْتُكَ؟ فَقَالَ: بَيْتِي الْمَسَاجِدُ، وَإِدَامِي الْجُوعُ، وَسِرَاجِي الْقَمَرُ بِاللَّيْلِ، وَصَلاتِي فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقُ الشَّمْسِ، وَرَيْحَانِي بُقُولُ الأَرْضِ، وَلِبَاسِي الصُّوفُ، وَشِعَارِي خَوْفُ رَبِّ الْعِزَّةِ، وَجُلَسَائِي الزَّمْنَى وَالْمَسَاكِين، أُصْبِحُ وَلَيْسَ لِي شَىْءٌ، وَأُمْسِي وَلَيْسَ لِي شَىْءٌ، وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ فَمَنْ أَغْنَى مِنِّي وَأَرْبَحُ؟

   وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ شَدِيدَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ بِالإِسْنَادِ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: لَقِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِبْلِيسَ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَكَ إِلَّا مَا كُتِبَ لَكَ، قَالَ إِبْلِيسُ: فَأَوْفِ بِذِرْوَةِ هَذَا الْجَبَلِ فَتَرْدَى مِنْهُ إِلَى أَسْفَلَ فَانْظُرْ هَلْ تَعِيشُ أَمْ لا؟ فَقَالَ عِيسَى: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لا يُجَرِّبُنِي عَبْدِي فَإِنِّي أَفْعَلُ مَا شِئْتُ.

   وَسُمِّيَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْمَسِيحِ لِكَثْرَةِ سِيَاحَتِهِ فِي الأَرْضِ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَ اللَّهِ وَشَرْعَهُ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ سُمِّيَ بِالْمَسِيحِ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْمَرِيضِ الأَبْرَصِ وَالأَعْمَى وَغَيْرِهِمَا فَيَشْفَى بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ.