الجمعة أبريل 19, 2024

سورة المرْسلات

مكية كلها في قول الجمهور وحكي عن ابن عباس ومقاتل وقتادة أن فيها ءاية

مدنية وهي “وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون” وهي خمسون ءاية.

بسم الله الرحمن الرحيمِ

  • {والمُرْسَلاتِ عُرْفًا}: فيها أربعةُ أقوال:

أحدها أنها الرياح يتبعُ بعضها بعضًا، وقيل إنها الملائكةُ التي أرسِلت بالمعروف من أمرِ الله ونهيه، رواه مسروق عن ابن مسعود وبه قال أبو هريرة ومقاتل.

وقال الفراء: “هي الملائكة”.

والثالث: أنهم الرسلُ بما يُعرفون به من المعجزات. ذكره الزجاج.

والرابع الملائكة والرياح.

  • {فالعَاصِفاتِ عَصْفًا}: قيل إنها الرياحُ الشديدةُ الهبوب، قاله الجمهور، والثاني الملائكة، قاله مسلم بنُ صبيح، قال الزجاج: تعصف بأرواح الكفار.
  • {والنَّاشِراتِ نَشْرًا}: وفي الناشرات أقوال:

أحدها أنها الرياح تنشر السحاب، قاله ابن مسعود والجمهور.

والثاني: الملائكةُ تنشرُ الكتب.

والثالث: البعثُ للقيامةِ تنشر فيه الأرواح.

والرابع: المطرُ ينشرُ النبات، قاله الماوردي.

  • {فالفَارِقاتِ فَرْقًا}: فيها أقوال:

أحدها: الملائكةُ تأتي بما يُفرّق بين الحقّ والباطل، قاله الأكثرون.

والثاني: ءايُ القرءان فرّقت بين الحلال والحرام.

والثالث: قيل الرياحُ تفرّق بين السحاب فتبددُهُ، قاله مجاهد.

والرابع: الرسل.

  • {فالمُلْقِياتِ ذِكْرًا}: فيها قولان:

أحدهما: الملائكةُ تلقي ما حملَت من الوحي إلى الأنبياء. وهذا مذهب ابن عباس وقتادة.

والثاني: الرسلُ يُلقون ما أنزلَ عليهم إلى الأمم.

  • {عُذرًا أوْ نُذْرًا}: قال الزجاج: “فالملقيات عذرًا أو نذرًا، ويجوز أن يكون المعنى فالملقيات ذكرًا للإعذار والإنذار، وهذه المذكورات مجروراتٌ بالقسم وجواب القسم ءايةُ”.
  • {إنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ}: قال المفسرون: إنَّ ما تُوعَدونَ به من أمرِ الساعةِ والبعث والجزاء لواقعٌ أي لكائن، ثم ذكر متى يقع، فقال تعالى:
  • {فإذا النُّجُومُ طُمِسَتْ}: أي مُحيَ نورها.
  • {وإذا السماءُ فُرِجَتْ}: أي شُقّت.
  • {وإذا الجبالُ نُسِفَتْ}: قُلِعَت من أماكنها.
  • {وإذا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}: وقرئ بالواو “وُقِّتت” ومعناهما واحدٌ، أي جمعت لميقات يومٍ معلومٍ، وهو يومُ القيامةِ ليشهدوا على الأمم.
  • {لأيِّ يومٍ أُجِّلَتْ}: أي أخِّرَت، وفيه تعظيم لليوم وتعجيب من هوله. ثم بيّنه فقال تعالى:
  • {لِيَومِ الفَصْلِ}: قال ابن عباس رضي الله عنهما: “يومَ يفصِلُ الرحمنُ فيه بينَ الخلائق”، ثم عظَّمَ ذلك اليوم بقوله:
  • {وما أدراكَ ما يومُ الفصلِ}: أي وما أعلمَك بيوم الفصلِ وهولِهِ وشدته.
  • {وَيْلٌ يومئذٍ للمُكَذِّبينَ}: أي بالتوحيد، والنبوةِ، والمعادِ، والبعثِ والحساب.
  • {ألمْ نُهْلِكِ الأوَّلينَ}: يعني الأممَ الماضيةَ بالعذابِ في الدنيا حين كذّبوا رسلَهم.
  • {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرينَ}: يعني السالكين سبيلَهم في الكفر والتكذيب، وهم كفار قريش، أي نهلكُهم بتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقال ابنُ جرير: “الأوّلون قوم نوحٍ، وعادٍ وثمودَ. والآخرون قوم إبراهيم ولوطٍ ومدين”.
  • {كذلكَ نفعلُ بالمُجرِمينَ}: أي مثلَ ذلك نفعلُ بالمكذبين.
  • {ويلٌ يومئذٍ للمُكَذِّبينَ}: بهذا.
  • {ألَمْ نَخْلُقكُّم مِن ماءٍ مَّهينٍ}: أي ضعيف وهو النطفة.
  • {فَجَعَلناهُ في قَرارٍ مَكينٍ}: يعني الرَحِم.
  • {إلى قَدَرٍ مَعلومٍ}: وهو مدةُ الحمل.
  • {فَقَدَرْنا}: قُرِئَ بالتشديد أي قدَّرنا ذلك تقديرًا.
  • {فَنِعْمَ القادِرونَ}: أي المقدّرونَ له. وقُرِئَ بالتخفيفِ من القدرة أي قدَرنا على خلقِه وتصويرهِ كيف شِئنا، فنِعْمَ القادرون حيث خلقناه في أحسن صورةٍ وهيئة.
  • {ويلٌ يومئذٍ للمُكذِّبينَ}: أي المنكرينَ للبعثِ لأنَّ القادرَ على الابتداءِ قادرٌ على الإعادةِ.
  • {ألَمْ نجعَلِ الأرضَ كِفاتًا}: قال اللغويون: “الكفت في اللغة الضم”، والمعنى أنها تضمُّ أهلها أحياءً على ظهرِها وأمواتًا في بطنها.
  • {أحياءً وأمواتًا}: يعني تَكفُتُهم أحياءً على ظهرها بمعنى تضمُّهم في دورِهم ومنازلهم وتكفُتُهم أمواتًا في بطنها في قبورهم، ولذلك تُسمّى الأرضُ أمًّا.
  • {وجَعَلْنا فيها رَواسِيَ شامِخاتٍ}: أي جبالاً عالياتٍ.
  • {وأسْقَيناكُم ماءً فُراتًا}: عذبًا.
  • {وَيلٌ يومئذٍ للمُكَذِّبينَ}: بهذه النعمة. ثم ذكرَ ما يُقالُ لهم في الآخرةِ.
  • {انطَلِقُوا إلى ما كُنتُمْ بهِ تُكَذِّبونَ}: أي إلى العذابِ الذي كنتم في الدنيا به تكذبون، ثم فسره بقوله:
  • {انْطَلِقُوا إلى ظِلٍّ ذي ثَلاثِ شُعَبٍ}: يعني دخانَ جهنم إذا سطعَ وارتفعَ تشعبَ وتفرّقَ ثلاثَ فرقٍ، وكذلكَ شأنُ الدخانِ العظيم، فيُقال لهم كونوا فيه إلى أن يُفرغَ من الحساب، كما يكون أولياءُ الله في ظلّ عرشهِ.
  • {لا ظَليلٍ}: أي لا يُظلُّكم من حرّ هذا اليوم بل يُدنيكم من لهبِ النار إلى ما هو أشدّ من حر الشمس.
  • {ولا يُغني منَ اللهبِ}: أي لا يدفع عنكم لهب جهنم. ثم وصف النار فقال:
  • {إنَّها ترمي بِشَرَرٍ}: وهو جمعُ شرارةٍ، وهو ما يتطايرُ من النارِ متفرقًا.
  • {كالقَصْرِ}: يعني كالبناءِ العظيم، وقيل كأصول النخلةِ المقطوعةِ المقلوعة.
  • {كأنَّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ}: جمع الجمال، وقال ابن عباس: “هي حبال السفن يُجمع بعضها إلى بعضٍ حتى تكون كأوساط الجمال، والصّفر ههنا السودُ، يقال للإبل التي هي سودٌ تضرب إلى الصفرة إبلٌ صفرٌ”.
  • {ويلٌ يومئذٍ للمُكَذِّبينَ}: بأنّ هذه صفتها.
  • {هذا يومُ لا ينطِقُونَ}: أي يوم القيامةِ لا ينطِقونَ بحجةٍ تنفعهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “هذا في بعضِ مواطنِ القيامةِ ومواقفها وذلك لأنّ في بعضها يتكلمون وفي بعضها يختصمون وفي بعضها يُختَمُ على أفواههم فلا ينطِقون”.
  • {ولا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرونَ}: أي لا يكون لهم إذن واعتذار.
  • {ويلٌ يومئذٍ للمُكذِّبينَ}: بهذا اليوم.
  • {هذا يومُ الفَصْلِ}: يعني بين أهل الجنةِ وأهل النار، وقيل بين العبادِ في الحقوقِ والمحاكمات.
  • {جَمَعْناكُمْ والأوَّلِينَ}: يعني مكذبي هذه الأمةِ والذين كذبوا أنبياءهم من الأمم الماضيةِ فتحاسبون وتعذبون جميعًا.
  • {فإن كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}: أي إن كانت لكم حيلةٌ تدفعونَ بها العذابَ عن أنفسكم فاحتالوا عليَّ بتخليص أنفسكم من العذابِ وهم يَعلمون أنّ الحيل منقطعةٌ يومئذٍ لا تنفعُ وفي هذا نهايةُ التوبيخ والتقريع.
  • {ويلٌ يؤمئذٍ للمُكذبينَ}: بالبعث.
  • {إنَّ المُتَّقينَ}: أي الذين اتقوا الشرك وقيل المتقين من عذاب الله.
  • {في ظِلالٍ}: جمعُ ظلٍّ وهو ظِلُّ الأشجارِ.
  • {وعُيُونٍ}: جارية في الجنة.
  • {وفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ}: أي لذيذةٍ مشتهاةٍ يتلذذونَ بها.
  • {كُلُوا واشْرَبُوا}: أي ويقال لهم كُلوا واشربوا وهذا القول يحتملُ أن يكون من الله تعالى بلا واسطة، وما أعظمها من نعمةٍ أو يكون من جهة الملائكة على سبيل الإكرام.
  • {هَنيئًا}: أي خالصَ اللذةِ لا يَشوبُهُ تنغيص.
  • {بِما كُنتُمْ تَعْمَلونَ}: أي في الدنيا من الطاعات.
  • {إنَّا كذلكَ نَجْزِي المُحْسِنينَ}: قيل المقصودُ منه تذكيرُ الكفار ما فاتهم من النعمِ العظيمةِ ليعلموا أنهم لو كانوا من المتقين المحسنين لفازوا بمثلِ ذلك الخير العظيم، فلمّا لم يفعلوا ذلك وقعوا في قوله:
  • {ويلٌ يومئذٍ للمُكذّبين}: بالجنة.
  • {كُلُوا وتَمَتَّعُوا قليلاً}: يقول لكفار مكة كلوا وتمتعوا قليلاً في الدنيا إلى منتهى ءاجالكم وهذا وإن كان في ظاهر اللفظ أمرًا إلا أنه في المعنى نهيٌ بليغٌ وزجرٌ عظيمٌ.
  • {إنَّكُم مُجرِمونَ}: أي مشركون بالله، مستحقون للعقاب.
  • {ويلٌ يومئذٍ للمُكَذِّبينَ}: بالنعم.
  • {وإذا قيلَ لهُمُ ارْكَعُوا لا يرْكَعُونَ}: فيها قولان:

أحدهما أنه حين يدعَون إلى السجود يوم القيامةِ, رويَ عن ابن عباس.

والثاني أنه في الدنيا كان إذا قيل لهم اركعوا أي صلّوا لا يركعون.

قيل: نزلت في ثقيفٍ حين أمرَهم صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فقالوا: لا نَحني فإنها مسبةٌ علينا، فقال: “لا خير في دين ليس فيه ركوع”. أخرجه أبو داود وأحمد.

  • {ويلٌ يومئذٍ للمُكذبينَ}: بالأمر والنهي.
  • {فبِأيِّ حديثٍ بعْدَهُ يُؤمِنُونَ}: أي بعد نزولِ القرءانِ إذا لم يؤمنوا به فبأيِّ شئٍ يُؤمنون.