1020- ودفنه في بقعة الوفاة |
| بخبر الصديق بالإثبات |
(و)أما (دفنه) ﷺ فقد اختلف الصحابة أين يدفنون رسول الله ﷺ، ثم استقر الأمر على ما كان لقول أبي بكر رضي الله عنه: سمعت من رسول الله ﷺ يقول: «ما قبض الله نبيا إلا في الـموضع الذي يحب أن يدفن فيه» ادفنوه في موضع فراشه، وهو حديث رواه مالك في «الموطأ»، فأخروا فراشه وخطوا حول الفراش خطا ثم حفروا له تحته، واحتمله علي والعباس والفضل وأهله، وباشر القوم في الحفر يحفرون حيث كان الفراش لدفنه (في) نفس (بقعة الوفاة) أي وفاته ﷺ، فعمل الصحابة (بـ)ـما جاء في (خبر) أبي بكر (الصديق) الذي رواه لهم عن رسول الله ﷺ في قضية دفن رسول الله ﷺ (بالإثبات) أي بما أثبته الخبر.
(ودخل القبر) أي نزل في قبر رسول الله ﷺ (الألى) أي الذين كانوا (في الغسل) يلون تغسيله ﷺ: علي والفضل وقثم ابنا العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله ﷺ وأوس بن خولي، (وقيل لا) لم يكن فيمن نزل في القبر (أسامة) بالتنوين للضرورة (و)لا كان أوس بن (خولي) و(زاد ابن سعد أيضا) في رواية عبد الرحمن (ابن عوف مع عقيل) ابن أبي طالب أي مع ترك أسامة وأوس، وهؤلاء المذكورون كلهم قد (أمنوا من خوف) فكانوا من فضلاء الصحابة.
(وفرشت) أي مدت (في قبره) ﷺ (قطيفة) حمراء لأن أرض الـمدينة سبخة (وقيل) مدت ثم (أخرجت) من القبر (وهذا) الأخير (أثبت) أي أصح.
(و)أدخل رسول الله ﷺ في القبر من قبل القبلة (ولحدوا) أي حفروا (لحدا له) أي تحت الجدار القبلي للقبر لا شقا وضرحا([1])، (ونصبت عليه) في القبر البن نصبا، ويقال إنها (تسع لبنات) كما قال البيهقي([2]) و(أطبقت) اللبنات أي جعلت مطبقة متصلة ببعضها ليس بينها فرج، ثم أهالوا التراب فوقها (وسطحوا) القبر ثم سنموه أي جعلوا له ارتفاعا ونتوءا بالحصباء نحوا من شبر، وقال بعضهم: بل كان مسطحا لا تسنيم فيه، وما ذكرناه من الجمع بين الأمرين هو الذي قاله الحافظ البيهقي ونصه: «يمكن أن يقال: إن أصل قبر النبي ﷺ جعل مسطحا وسنم على البطحاء، فمن رواه مسطحا أراد
دون الحصباء، ومن رواه مسنما أراد بالحصباء».
فجعلوا فوق التراب الحصباء (مع رشهم) للقبر (بالماء) وكان الذي رش الماء بقربة بلال بن رباح رضي الله عنه، بدأ من قبل رأسه الشريف ﷺ من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه الشريفتين ﷺ.
وكان الـمغيرة بن شعبة رضي الله عنه يقول: أخذت خاتمي فألقيته في القبر وقلت: إن خاتمي في القبر، وإنما طرحته عمدا لأمس رسول الله ﷺ فأكون ءاخر الناس به عهدا.
(واشترك الأنام) أي الناس (في العزاء) فكان إذا التقوا عزى بعضهم بعضا بوفاة سيد الأولين والآخرين رسول الله محمد ﷺ.
روى الطبراني في «المعجم الكبير» عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «سيعزي الناس بعضهم بعضا من بعدي للتعزية في»، فلما قبض رسول الله ﷺ لقي الناس بعضهم بعضا يعزي بعضهم بعضا برسول الله ﷺ.
(وذاك) أي عزاؤهم بوفاة سيد الخلق كان عقيب دفنه ﷺ، وكان دفنه ﷺ (في) أوسط (ليلة الأربعاء) بعد أن كانت وفاته ضحى أو ظهر الاثنين (أو) أن دفنه ﷺ كان (قبلها) أي قبل الأربعاء (بليلة) يعني كان دفنه ﷺ بليلة الثلاثاء الـ(ـليلاء) أي الـمظلمة (وقيل) كان دفنه ﷺ (يوم الموت) أي يوم الاثنين اشتغالا (بالتعجيل) في دفنه ﷺ، وهذا القول هو الذي (صححه) الحافظ أبو عبد الله (الحاكم) النيسابوري (في) كتاب÷ («الإكليل») مستدلا لذلك بحديث.
([1]) الضرح بفتح الضاد وإسكان الراء حفر الضريح للميت، والضريح قبر بلا لحد، قاله الأزهري في «التهذيب» (3/254).