الخميس مارس 28, 2024
  • حِوَارُ الجَاهْلِ مَعَ العالمِ

    قال بعض الجهال: «الإسلام يظلم المرأة، يقيِّدُها بأغلالٍ وسلاسلَ، يجعلها أسيرةً عند الأب والأخ ثم الزَّوج والابن».

    قالت امرأةٌ مِمَّن نوَّر الله قلوبهنَّ: «الحقيقة الساطعة أن الإسلامَ دينٌ أنصف المرأة المسلمة وأعزّها وأكرمها وحثّ وحرّض الأب والأخ والزوج على الإحسان إليها وإكرامها والرفق بها، وأمَر الابن البالغ ببرّها، وتوعده بالعذاب إن ءاذاها بغير حق».

    قالوا: «حَبَسَكِ زوجُكِ في قفصٍ باسم الزوجية».

    قالت: «بل أقول توَّجني ملِكةً في مملكته الصغيرة وأقعدني على عرشِ قلبه معزَّزَةً مُكَرَّمة».

    قالوا: «له عليك حقوقٌ كثيرةٌ يجب عليك فِعلُها».

    قالت: «ولي عليه حقوق كثير يجب عليه فعلها».

    قالوا: «ليس لك أن تخرجي من بيته إلا بإذنه».

    قالت: «محميةٌ أنا ومُصانةٌ من الضَّيَاعِ والفساد والمفسدين، وما أكثرهم في أيامنا».

    قالوا: «بيده طلاقُكِ متى شاء».

    قالت: «اختارَني بينَ كلِّ النساء بحرِّيَّتِه واخترتُ الموافقة عليهِ وأنا أعلم أن القلوبَ تتقلبُ، والأحوالَ تتغير، فإن كانتِ المعاشرةُ بمعروفٍ مفقودةً؛ فالتسريح بإحسان يُبَلسم. وفي الحالين أنا مدعوةً لطاعة الله، فإما أن أبلُغَ الجنة برضا الزوجِ وإما أن أبلغها بالصبر على فراقِ الأحبةِ أو أذى بعض البَشَر».

    قالوا: «له أن يتزوج مثنى وثلاثًا ورباعًا».

    قالت: «الأصل في الشرع جواز تعدد الزوجات، والله  ما أحل شيء إلا لِحِكمَةٍ، لكنْ نُذَكِّرُ أنَّ النظرة بشهوةٍ إلى غير الحليلةِ مُحَرَّمَةٌ، فكيف بأكثر؟ من نحو خلوةٍ ولَمسٍ ومقدماتِ زنًا، مما يفعله الملايين ممن ينتقد الإسلام على حِلِّ تعدد الزوجات، وهم متلوثون بتعدد الزنا والغرق في الفحشاء.

    نعم أجاز الله للرجل المسلم الجمع بين أربعة من النساء الحرائر، فإياك أن ترفضي أختي المسلمة هذا الحكمَ؛ بل دافعي عنه، فالحكمة فيه، مراعاةً لقوة الشهوة عند الرجال وحاجاتِهِم، وطبيعة المرأة من حيث حاجاتها وحملها ونفاسها وفترات الإرضاع وغير ذلك، وليستِ المدنيَّةُ والتحضرُ والتطورُ في تعاطي الزنا والعلاقاتِ المحرمة كما يفعل أدعياء الحريَّةِ في الغرب، ولا في الجمع بالحرام بين أكثر من امرأة وأكثر من رجل في علاقةٍ واحدةٍ، إذ الفجور سمتهم ويسمونه تَحَرُّرًا، ويريدون تعميمه ظنًّا منهم أنه مع مرور الوقت تعتاده المجتمعات وتتمسك به، وتدافع عنه باسم الحرية الفردية ومواكبة الحضارات والتطور، كما فعلوا بما يسمونه «المساكنة»».

    قالوا: «أنت تعملين في الخارجِ والداخلِ، وتتعبين أكثرَ من الرجل في الإنجاب والتربية».

    قالت: «هل تعلمون أن عملي في الخارج والداخل تطوع مني للتعاون مع رُبَّانِ سفينة الأسرة والتخفيف عنه، مبتغية الثواب من الله ، هو إذن خيارٌ – لم يجبرنا الزوج وليس له شرعًا أن يجبرَنا عليه – للسَّيرِ بالعائلة إلى برِّ الأمان نمخر([1]) معًا عباب هذه الحياة الصعبة متعاونين متكاتفين، فأين يتعارض ما أفعل مع شعاراتكم بالتعاون، سوى أنني أنوي لله فأكسب الثوابَ بالعمل لجَنْيِ المال الحلال فأكرم به زوجي وأولادي.

    وأما الإنجاب: فأنا فيه ألبي حاجاتي الطبيعية الجسدية والمعنوية ساعيةً للحصول على أسرة تعطيني وأعطيها الكثير من الحنان والسكينة والفرح.

    وأما الحضانة: فهل تعلمون أن الزوجَ هو العمدة في ذلك والمرأة تساعده إن شاءت إحسانًا منها طلبًا للأجر».

    أقول: ملاك([2]) الأمر هو العلم ليذوب الجهل المتراكِم من عصور، وما نَزَال نُحَرِّض الناس على العلم؛ لأنه النور الذي يُهتدى به، إلا أنَّنَا نخص النساء بهذا المؤلف، لبعد أغلبهن عن العلم، وغلبة الهوى على أكثرهن بالطبع؛ فإن هذا الجهل ينمو معهن منذ نعومة أظفارهن، إذ في الغالب تنشأ الفتاة لا تُلقَّن القرءان، ولا تعرف الطهارة من الحيض، ولا تعلم أيضًا أركان الصلاة، ولا تُحدَّث قبل التزويج بحقوق الزوج… ولا تعرف ما لها ولا ما عليها، وربما رأت أمها تؤخِّر الغُسل من الحيض إلى حين غسل الثياب، أو تستهون فتقول باللغة العامية «غسِلِيُنْ بغُسُل» فتمكن زوجها من الجماع قبل الغسل من الحيض، وتتعرى وتقول ما معي إلا أختي وابنتي، وتأخذ من مال الزوج بغير إذنه، وتسحره، تدّعي أنها تفعل هذا لتعطفه عليها ولتحافظ على بيتها، وتصلي بزعمها مع القدرة على القيام قاعدةً، إلى غير ذلك من الآفات التي سنذكر منها ما يدل على غفلة القلوب وجهل العقول.

    والنساء وإن كانَ أغلبهن مُعرضات عن العلم، فلا يخلو الزوان من صالحةٍ صادقةٍ تطلبُ العلمَ لتعمل به عمل الناجِيَات المخلصات.

    [1])) مَخَرتِ السفينة إذا جرت تشقُّ الماءَ مَعَ صوتٍ. مختار الصحاح، الرازي، باب: الميم، (ص642).

    [2])) مَلَاكُ الأمر بفتح الميم وكسرها ما يقوم به. مختار الصحاح، الرازي، باب: الميم، (ص642).