الجمعة مارس 29, 2024

حُكم التهنِئةِ بدُخول العام الهجريّ

اختلف الفقهاء في ذلك بين الإباحةِ والنَّدب، فقال القاضي نجم الدين القَمُوليُّ (1) الشافعي: لم أرَ لأحدٍ من أصحابنا كلامًا في التهنئةِ بالعيدِ والأعوامِ والأشهُر كما يفعله الناسُ، لكن نقل الحافظُ المُنذريُّ عن الحافظ المقدسيّ أنه أجابَ عن ذلك بأنَّ الناسَ لم يزالوا مُختَلفين فيه والذي  أراهُ أنهُ مباحٌ لا سُنَّةَ فيه ولا بِدعة اهـ ونقل القاضي زكريا الأنصاريّ ما أجابَ عنه ابنُ حجرٍ الهيتميّ بأنها مشروعةٌ، واحتجَّ له بأنَّ البيهقيّ عقد لذلك بابًا فقال: “بابُ ما رُويَ في قولِ الناس بعضِهم لبعضٍ في يوم العيد: تقبَّلَ اللهُ مِنَّا ومنكَ” وساقَ ما ذكرهُ من أخبارٍ وآثارٍ ضعيفةٍ لكنّ مجموعَها يُحتجُّ به في مثل ذلك. ثم قال الهيتميُّ: ويُحتجُّ لعُمومِ التهنئةِ لِما يحدُث من نِعمةٍ أو يندفعُ من نقمةٍ بمشروعيةِ سُجودِ الشُّكرِ والتعزيةِ، وبما في الصحيحَين عن كعب بنِ مالكٍ في قصةِ توبتهِ لمّا تخلَّفَ عن غزوةِ تبوكَ أنهُ لمّا بُشِّرَ بقَبولِ توبتهِ ومضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قامَ إليهِ طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ فهنَّأهُ (2)، قال كعب: فلمّا سلَّمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ وهو يبرُق وجهُه من السرور: “أبْشِرْ بخيرِ يومٍ مرَّ عليكَ منذُ ولَدَتْكَ أمُّكَ”.

ونقلَ الشيخ الفقيه عبد الحميد الشَّرواني الشافعي في حاشيته على “تحفة المحتاج” أيضًا عن بعض مشايخه سُنِّيَّةَ التهنئةِ بالعيدِ ونحوهِ من العامِ والشهرِ على المعتمدِ معَ المصافحةِ إنِ اتَّحَدَ الجِنسُ، فلا يُصافِحُ الرجلُ المرأة الأجنبيةَ ولا عكسُه، ويُسَنُّ أن يدعُوَ له بنَحو: “تقبَّلَ اللهُ منكُم” أي الأعمال الصالحةِ، و”أحياكُم اللهُ لأمثالهِ”، و”كلَّ عامٍ وأنتُم بخيرٍ”.

__________

  • بفتح القاف وضمّ الميم المخفّفة.
  • وذلك بحضور النبي صلى الله عليه وسلم فأقرَّه النبي ولم ينكر عليه.

 

 

 

ويلتحِقُ بذلكَ جوازُ التهنئةِ بيوم الجمُعة بنحو: “جُمعة مباركة”، وليس الأمرُ كما يقولُ بعضُ مشايخِ الوهابيةِ المجسّمة كصالح الفُوزان وغيره بأنهُ يحرُمُ قولُها، والعياذُ بالله، بل جاءَتْ نصوصٌ كثيرةٌ تدُلُّ في عُمومها على جوازِ ذلك، كالحديث الذي رواهُ الطبرانيّ عن عمرو بن شُعَيبٍ عن أبيه عن جدِّهِ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرَ حقَّ الجارِ فقال: “وإنْ أصابَهُ خَيرٌ هنَّأتَهُ”، وقوله تعالى {قُلْ بفَضْلِ اللهِ وبِرحمتِهِ فبذلكَ فلْيَفْرَحُوا هُوَ خيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، وقوله أيضًا: {وذَكِّرْهُم بأَيَّامِ اللهِ} أي بأنعُمِ الله.