الجمعة مارس 29, 2024
  • حَدِيثٌ: تَصَدَّقْنَ فإنِّي رَأيتُكُنَّ أكثرَ أهْلِ النّار

    قَالَ الْإِمَامُ الْهَرَرِيُّ t: «ففي «صحيحِ البخاريِّ» وغيرِه أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ ذاتَ يومٍ وكان يومَ عيدٍ وكان اتَّبعَهُ بلالٌ t إلى النِّسَاءِ؛ لأنَّ النساءَ في ذلك الزَّمنِ كُنَّ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ بأَمْرٍ من رَسُولِ اللهِ ﷺ، فمن كُنَّ منهنَّ على طُهْرٍ كُنَّ يصلِّينَ صلاةَ العيد خلفَ الرسولِ ﷺ في غيرِ المسجدِ في بريَّةٍ، فضاءٍ، في مكانٍ يُقالُ له الـمُصَلَّى غيرُ المسجدِ، قريبٌ من المسجدِ من حيثُ المسَافَةُ، كنَّ يَخرُجْنَ إلى هناكَ ويُصَلِّينَ خلفَهُ، أما الحُيَّضُ فيقِفْنَ وحدّهُنَّ لتنالَهُنَّ بَرَكَةُ الدُّعَاءِ لا ليصلِّينَ مع الآخرينَ أي مع الرجالِ والنساءِ اللاتي هُنَّ على طُهرٍ. ذاتَ يومٍ قال لهنَّ: «تصَدَّقْنَ فإنِّي رَأيتُكُنَّ أكثرَ أهْلِ النَّارِ»، قلنَ: «أيٍّ؟» قالَ: «لأنَّكنَّ تَكْفُرْن»، قلنَ: «الكُفرُ باللهِ» قال: «لا، تكفُرْنَ الإحْسَانَ وتُكْثِرْنَ اللَّعن».

    كفرُ الإحسانِ من الكبائرِ، إذا إنسانٌ أحسنَ إلى إنسانٍ فقالَ له: أنت ما عمِلتَ معي خيرًا، جَحَدَ، عليه ذنبٌ كبيرٌ، ولا سيَّما الزوجةُ إذا قالت لزوجِها: ما تعملُ معي خيرًا أنت، ما تعملُ معي معروفًا، وقد عمِلَ معها كثيرًا، تنكرُ، هذا الإنكارُ ذنبٌ كبيرٌ.

    وهذا يحصلُ من النِّساءِ كثيرًا، لذلك الرسولُ قال: «تتكفرنَ»، شبَّهَهُ بالكفرِ، شبَّهَ هذا الشيءَ الإكثارَ من اللعنِ وجحدَ الإحسانِ، جحْدَ الجميلِ، إنكارَ الجميلِ من الزوجِ، هذينِ الأمرينِ، أي: إكثارَ اللعنِ وجحدَ الجميل، أي: الإحسانِ شبَّهَهُما رسولُ اللهِ بالكفرِ الذي هو كفرٌ حقيقيٌ الذي هو الخروجُ من الإسلامِ، شبَّهَهُمَا بذلكَ لأنهما ذنبانِ كبيرانِ، لعنُ المسلمِ الذي لا يَستحِقُّ اللعنَ ذنْبٌ كَبِيرٌ كَبِيرٌ كَبِيرٌ، كأنَّه قتلَهُ، الذي يلعنُ مسلمًا بغيرِ سببٍ كأنه قتلَهُ، من عِظَمِ ذنْبِهِ، كما قالَ الرَّسُولُ ذَلِكَ: «لَعْنُ المسلم كقتلِه» كذلك جَحْدُ الْعَشِيرِ، أيْ: إحسانِ الزوجِ، الزوجُ إذا كان لزوْجَتِهِ مُحْسِنًا ثم ذاتَ يومٍ تخاصما فَغَضِبَتْ منه وقالَت: أنا ما رأيتُ منكَ خيرًا، هذا ذنبٌ كبيرٌ عندَ اللهِ، وهذا شيءٌ كثيرٌ من النِّسَاءِ، يُكْثِرْنَ من اللعنِ كما قالَ الرسولُ، ويُكثرنَ من كفرانِ العشيرِ، أي: إنكارِ الإحْسَانِ، فهذا الأمرُ، أي: كفرانُ الجميلِ، جحدُ الإحسانِ لو كان مع غيرِ الزوجِ، لو كان مع أيٍّ إنسانٍ أحسَنَ إليك، فإنكارُ هذا المعروف ذنبٌ كبيرٌ، لا يجوزُ؛ لأنَّ ذلكَ الإنسانُ يتَأَذَّى، عندما يُقالُ له أنتَ ما عمِلْتَ معي معروفًا، وما رأيتُ لك إحسانًا، ما عملتَ معي إحْسَانًان عندما يُقالُ له ذلكَ وهو كان قد أحسنَ إلى هذا الإنسانِ يتأذَّى من هذا، يكادُ قَلْبُه يتمزَّقُ من هذا غَيْظًا يقولُ كيف يُنْكِرُ جميلِي وأنا أحسنتُ إليه عمِلتُ له كذا وكذا، في نفسِه يقولُ عن لم يذكر بلسانِه، يقولُ في نفسِه أنا عملتُ لهذه الزوجةِ كذا وكذا وبَعدَ كلِّ هذا تنكرُ جمِيلي، يحترقُ قلبُه.

    ثمَّ هذا الشيءُ فيه كذِبٌ، فيه أمرانِ إيذَاءُ هذا المسلمِ الزوجِ، والكذبُ، ذنبانِ مشتَرِكَانِ، من ناحيةٍ كذبٌ والكذِبُ حرامٌ، ومن ناحيةٍ إيذاءٌ للمسْلِمِ، إيذاءٌ للزوجِ، لذلك الرسولُ شبَّهَ هذا الذنبَ بالكفرِ فقال: «تكفُرنَ»، ثم فسَّرَ هذا الشيءَ بأمريْنِ، إكثارِ اللَّعن وكُفْران العشيرِ، أي: جحدِ الجميلِ من الزوجِ، جحد جميلِ الزوجِ، أي: إحسانِه.

    فإياكُنَّ، احذَرْن وحذِّرن، من كان لها زوجٌ فلا تنكرْ جميلَ زوجِها مهما غضبت، مهما ساءتِ الحالةُ بينَهما إلى التنافرِ والتباغضِ لا تنكرِ الجميلَ الذي سبقَ من الزوجِ أن عمِلَه معها، لتقتصِرْ على طلبِ حقِّها إن كان لها منهُ حَقٌّ شَرْعِيٌّ وإلَّا تسكت، هناك في الآخرةِ حسابٌ للإنسانِ على ما يقولُه من القوْلِ وحسابٌ على الْعَمَلِ الذي يعملُه، على القولِ المحرَّمِ، على الكلامِ الذي يتكلمُ به الإنْسَانُ مما هُوَ حَرَامٌ، من أَيِّ نوعٍ كان، والكلامُ المحرَّمُ كَثِيرٌ كثيرٌ كثيرٌ، وعلى الفِعلِ المحرَّمِ هناك حِسَابٌ، ذلك اليومُ اللهُ تبارك وتعالى يكشِفُ الأمور التي كانت خافيةً، التي كان الإنسانُ يُبْطِنها في صدرِه، هذه الأمورُ اللهُ تعالى يُظهِرها، لذلك ينبغي للنساءِ ولغيرِهن الابتعادُ من كفْرانِ الجميل، أي: الإحسانِ.

    ثمَّ بعد ذلك النساءُ صِرْنَ يتصدَّقْنَ، هذه تخْرِجُ حُلِيَّهَا الذي في أذُنِهَا ويرمِينَهُ في ثوبِ بلالٍ t ليصرِفَهُ رسولُ اللهِ ﷺ لمصالحِ المسلمينَ.

    ولا يأخذُ الرسولُ الصدقةَ، أي: صدقةَ التطوعِ ولا الزكاةَ، حرامٌ عليه، اللهُ تعالى حرَّمَ على نبيّه ﷺ صدقَةَ التَّطَوُّعِ والزكاةَ، النبيُّ لنفسِه لا يأخذُ، إنما قال للنساءِ تصدَّقْن فإني رأيتُكُنَّ أكثرَ أهلِ النارِ، ليوزعَهُ للمسلمينَ، ليوزعَهُ في مصالحِ المسلمينَ، الزكاةُ الواجبةُ حرامٌ عليه وعلى الهاشميِّينَ والمطَّلبيِّنَ، هْؤلاءِ قبيلةُ الرسولِ، بنو هاشمٍ وبنو المطلبِ، اللهُ حرَّمَ عليهمُ الزكاةَ، أما غيرُ الزكاةِ، صدقةُ التطوعِ اللهُ تعالى أباحَ لهم، أحَلَّ لهم، أما الرسولُ اللهُ حرَّمَ عليه الزكاةَ وصدقةَ التطوِّعِ، كليهما، فلما قالَ الرسولُ ﷺ: «تصدقْنَ فإنِّي رأيتُكُنَّ أكثرَ أهل النارِ». أخرَجْنَ من الحُليّ الذي كان عندهنَّ وصِرنَ يرمِينَهُ في ثوبِ بلالٍ t عَمَلًا بقولِ رسولِ الله ﷺ حيث أَمَرَهُنَّ بالصدقةِ، وهذا لأنَّ الصَّدقةَ من المالِ الحلالِ لوجهِ اللهِ تعالى أحيانًا يمحو اللهُ تعالى بها الذنبَ الكبيرَ أيضًا كما يمحو الذنبَ الصغيرَ، اللهُ تعالى يفعلُ ما يُرِيدُ. الذنبُ الكبيرُ مثلُ إنكارِ الجميلِ واللَّعنِ، لعنُ المسلمِ هذا إن غفرَهُ اللهُ لعبدِه يغفِرُه بالتوبةِ، والتوبةُ تكون بالنسبةِ للعنِ إذا لعنَ مسلمٌ مسلمًا في وجهِه يستسمِحُه ويندمُ وينوي أنه لا يعودُ، يكونُ تابَ، فيمحو اللهُ عنه، كذلك الزوجةُ عندما تُنكِرُ جميلَ زوجِهَا إذا أرادتِ التوبةَ تَسْتَسْمِحُهُ؛ لأنّه يتأذَّى قلبُه، قلبُه تألَّمَ من إنكارِها هذا، بعضُهم يَبْطِشُ بالضَّرْبِ الشَّدِيدِ فِي تلك الحالةِ يقولُ كيف تنكرُ وأنا قد عمِلْتُ لها كَذاَ وَكَذَا وَكَذَا؟! يضربهُا ضربًا شديدًا وقد يُطَلِّقُهَا، يتولَّدُ منه مفاسدُ، تستسمحُه وتندمُ وتعزِمُ أنها لا تعودُ بعدَ ذَلِكَ، تكونُ تابتْ، محا اللهُ عنها.

    أمَّا إن لم يكن بَلَغَهُ، في خلفِه هذا اللَّعْنُ الَّذِي لُعِنَهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ شرعيٍّ، ما أحدٌ أبلغَهُ إلى ءاخرِ الحياةِ فهذا أهْوَنُ؛ لأنَّه إن بلغَهُ هذا اللَّعنُ يتأذى هذا المسلمُ وغنْ لم ي بلغْهُ لا يتأذى، ولكنَّه مكتوبٌ عندَ اللهِ، ذنبُه مكتُوبٌ، هذه المعصيةُ كُتبَتْ لكنَّها أهونُ إذا لم يَبلُغِ الشخصُ أنَّه لعَنَهُ.

    ثمَّ من الجائزِ وليسَ من المحالِ أن يُسَامِحَ اللهُ [بَعْضَ] من ماتَ على الإسلامِ من ذنبٍ كبيرٍ أو صغيرٍ، ييسامحُ اللهُ من س يَشَاءُ، حتى لو كان لَيْسَ له حسناتٌ كَثِيرَةٌ يُوَفَّى بها المظَالِمُ التي ظلمَها الناسَ بالسَّبِّ أو بالفعلِ كالضَّربِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ أو كأكلِ مالِ إنسانٍ مُسْلِمٍ ظلمًا وحَرامًا وغيرِ ذلك.

    اللهُ تعالى يعفو عن بعضِ المسلمينَ ولكنَّ الكثيرَ الكثيرَ يُؤخذُ من حسناتِهم فَيُوَفَّى مظالمُ الناسِ، يُوَفَّى من حسناتِ هذا الإنسانِ الذي ظلمَ النَّاسَ بالقولِ أو بالفعلِ.

    فالمطلوبُ أن تتجَّنَّبْنَ هذه المعصيةَ بل المعصيتينِ، وتُحَذِّرْنَ غيرَكُنَّ منها. فإذا رأيتُنَّ واحدةً تُخاصمُ زوجَها وتقعُ في هذه المعصيةِ الكبيرةِ، تُنكرُ جميلَ زوجِها لا تُساعِدْنَها؛ بل انهَيْنَها قلنَ لها: «اتَّقِي اللهَ لِمَ تُنْكِرينَ جميلَهُ، هذا حرامٌ عَظيمٌ كَبِيرٌ، ينبغي منعُها ونهْيُها. أمَّا السكوتُ لها حتى تتمادى فهذه التي تسكتُ أيضًا يلحقُها ذنبٌ، حديثُ رسولِ اللهِ ﷺ هذا دليلٌ على أنّ هذا الشيءَ يقعُ كثيرًا من النساءِ، ليسَ من الأقلِّ؛ بل من الأكثرِ، هذا هو الواقعُ، أكثرُ النساءِ يُنْكِرْنَ جميلَ الزوج، الرسولُ قال بيانًا لذلك، أي: مبالغةً في البيانِ قال: «لو أحْسَنْتَ إلى إحداهُنَّ ثم رأتْ منك شيئًا قالت: واللهِ ما رأيتُ منك خيرًا قطُّ الدهر»، يعني: زمانًا.

    لو كنتَ تظّلُّ تُحْسِنُ إلى المرأةِ، أي: أغلبِ النساءِ وليس كلَّهنَّ لو ظَلَلتَ تُحسِنُ إلى إحداهُنَّ الدهرَ، أي: الزمانَ الطويلَ ثم رأتْ منك شيئًا، أي: غَاضَبَتْكَ تَقُولُ: وَاللهِ ما رأيْتُ منك شيئًا قطُّ، أيْ: من الإحسانِ، ما رأيتُ لكَ إحْسَانًا، وهذا هو الواقعُ.

    وسبحان الله والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الأمين، وءاله وأصحابه الطيبين».