وَحَجَّ عليه السّلام بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَقَبْلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ.
وَخَرَجَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ نَهَارًا بَعْدَ أَنْ تَرَجَّلَ([1]) وَادَّهَنَ وَتَطَيَّبَ، فَبَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَقَالَ [صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ]: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ ءاتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ»، فَأَحْرَمَ بِهِمَا([2]) قَارِنًا.
وَدَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْأَحَدِ بُكْرَةً مِنْ كَدَاءٍ مِنَ الثَّنِيَّةِ العُلْيَا، وَطَافَ لِلْقُدُومِ فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا فَسَعَى رَاكِبًا، ثُمَّ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَنَزَلَ بِأَعْلَى الْحَجُونِ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهَ إِلَى مِنًى، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَبَاتَ بِهَا، وَصَلَّى بِهَا، وَصَلَّى بِهَا الصُّبْحَ.
فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ سَارَ إِلَى عَرَفَةَ، وَضُرِبَتْ قُبَّتُهُ بِنَمِرَةَ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى زَالَتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَصَلَّى بِهِمْ الظُّهرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ.
ثُمَّ رَاحَ إِلَى الْمَوْقِفِ، فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ حَتَّى زَاغَتِ الشَّْمسُ.
ثُمَّ دَفَعَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَبَاتَ بِهَا، وَصَلَّى الصُّبْحَ.
ثُمَّ وَقَفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ([3]) حَتَّى أَسْفَرَ.
ثُمَّ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى مِنًى، فَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَانَ يَرْمِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ مَاشِيًا بِسَبْعٍ سَبْعٍ، يَبْدَأُ بِالَّتِي تَلِي الْخَيْفَ ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَيُطِيلُ الدُّعاءَ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ.
وَنَحَرَ يَوْمَ نُزُولِهِ مِنًى، وَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ سَبْعًا، ثُمَّ أَتَى السِّقَايَةَ فَاسْتَسْقَى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى.
ثُمَّ نَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَنَزَلَ الْمُحَصَّبَ([4])، وَأَعْمَرَ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْها] مِنَ التَّنْعِيمِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالرَّحِيلِ.
ثُمَّ طَافَ لِلْوَدَاعِ، وَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَأَمَّا عُمْرُهُ فَأَرْبَعٌ، كُلُّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ([5]).
([2]) كذا في «ج» و«د»، وأما في «أ» و«ب»: «بها» اهـ.
([4]) قال القسطلاني في «إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» (3/126): «موضع متسع بين مكة ومنى، وسمي به لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيل لانهباطه وهو الأبطح» اهـ.
([5]) إلا العمرة التي اعتمر بها في حجّة الوداع. روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقبِلِ فِي ذي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. اهـ.