الثلاثاء أبريل 16, 2024

المبحث السابع عشر

تحقير الوهابية وعدم احترامهم للأموات المسلمين وجنائزهم

الوهابية تحقّر الأموات وجنائزهم، وتُحرِّم على أقربائهم المسلمين أن ينفعوهم بالدعاء وأن يهدوهم ثواب أعمالهم الصالحة بعد مماتهم، وبذلك تخالف قوله ﷺ: «إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عَمَلُهُ إلا منْ ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ ينتفعُ به، وولدٍ صالحٍ يَدْعو لهُ». رواه الترمذي([1])، وقال: «هذا حديث حسن صحيح».

والوهابية تُحرّم وضع جريد النخل على قبر الميت، وتحرّم الإعلان عن وفاة الميت على المنارة، وقول: الفاتحة عن روح الميت عند العلم بموته، والجهر بالذكر عند غسل الميت والجنازة وتشييعه، والتعزية عند القبور والاجتماع مكان التعزية، وقول: عظم الله أجركم عند التعزية، وتهيئة الطعام من أهل الميت عن روح الميت([2]).

الوهابية تحرم على المسلمين أن يقولوا في تشييع الجنازة: وحّدوا الله([3])، وتحرم اتباع النساء للجنائز، وكذلك عمل «الشَّادر» لقراءة القرآن([4])، وتقول الوهابية([5]): «إن زيارة المرأة للقبور محرمة؛ بل من كبائر الذنوب»، لأن النبي ﷺ قال([6]): «لعن الله زائرات القبور». وفات ابن باز وابن عثيمين هنا أن هذا الحديث منسوخ بحديث رسول الله ﷺ([7]): «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها».

وما رأيناه من جهل ابن باز وابن عثيمين في هذا الموضع بأن الحديث منسوخ لم نستغربه.

ولكن ما نستغربه هو أن رجلًا لا يحفظ شيئًا من كتب الحديث ولا من كتب الفقه، يصير مرجعًا في الفتوى ورئيسًا لما يسمّى «هيئة كبار العلماء»، وهذا هو الذي أخبر عنه سيدنا النبي محمَّد ﷺ مما يكون في آخر الزمان، حين يقبض العلماء وَيَتَصَدَّر أهل الجهل الذين يروى عن الإمام علي([8]) رضي الله عنه أنه قال فيهم: [البسيط]

مَا الفَخْرُ إِلَّا لأَهْلِ العِلْمِ إِنَّهُمُ
وَقَدْرُ كل امرئٍ مَا كَانَ يُحسِنُهُ

 

عَلَى الهُدَى لمن اسْتَهْدَى أدلَّاءُ
والجَاهِلُون لأهلِ العِلْمِ أعداءُ

والوهابية تُحرِّم حضور المشايخ لقراءة القرآن للميّت، وتُحرِّم أيضًا قول «صدق الله العظيم» بعد قراءة القرآن([9]) وتعتبرها بدعة مردودة، أما أهل السُّنَّة والجماعة فيرون ذلك جائزًا، وأن ثواب القراءة يصل للميت بإذن الله. أما قول الوهابية بأن ذلك لا أصل له فمردود بحديث البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله عنها: «ذاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فأستغفرُ لكِ وأَدعُو لَكِ»([10])، فدخل في ذلك دعاء الرجل بعد قراءة شيء من القرآن لإيصال الثواب للميت. وقد نقل الإمام المحدّث مرتضى الزبيدي في «شرح الإحياء»([11]) عن الإمام الشافعي([12]) جواز ذلك. وتحرم الوهابية قراءة يس على المقابر([13])، وهذا رد صريح لحديث رسول الله ﷺ: «اقرؤُوا على موتاكمْ يس». رواه ابن حبان ([14]) في صحيحه ([15]) وغيره. وتحرم الوهابية قراءة الفاتحة على الميت([16]).

 

وتحرم الوهابية تخصيص زيارة القبور بيومي العيدين، وإرسال السلام إلى سيدنا النبي محمَّد ﷺ عبر من يزوره([17]).

وتحرم الوهابية أيضًا تلقين الميت([18])، وهذا رد لحديث رسول الله ﷺ والذي فيه استحباب التلقين للميت، فقد روى الطبراني([19]) عن أبي أمامة الباهلي([20]) قال: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله ﷺ أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول الله فقال: «إذا ماتَ أحدُكُمْ فسوَّيتُمْ عَلَيهِ الترابَ، فليقُمْ أَحدُكُم على رَأْسِ قبرهِ ثُمَّ يقولُ: يا فلانُ ابنَ فلانةَ، فإنَّهُ يسمَعُ ولا يُجِيبُ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فلانُ ابنَ فلانةَ، فَإِنَهُ يَستَوي قَاعِدًا، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلَانُ ابنَ فلانةَ، فإنَّهُ يقولُ: أرشِدْنَا يَرحمْكَ اللهُ، ولكِنَّكُمْ لا تَشعُرُونَ، فليقُل: اذكر مَا خَرجْتَ عَلَيْه مِن الدُّنيا شهادةَ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأنك رضيتَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا، وبالقرآنِ إمامًا، فإنَّ منكرًا ونكيرًا يأخُذُ أحَدُهما بيدِ صاحبِهِ فيقولُ: انطلق بِنَا، مَا يُقْعِدُنَا عَنْدَ مَنْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ». وقال ابن حجر العسقلاني في «تلخيص الحبير»: «إسناده صالح»([21]).

 

 

[1])) الترمذي، سنن الترمذي، كتاب الأحكام، باب: في الوقف، ج3، ص53.

[2])) علي عبد الحميد، الموت عظاته وأحكامه، ص40، 42 – 44.

[3])) علي عبد الحميد، الموت عظاته وأحكامه، ص29.

[4])) ابن باز وابن العثيمين، فتاوى وأذكار، ص13.

[5])) ابن باز وابن العثيمين، الكتاب المسمّى فتاوى مهمة لعموم الأمة، ص149.

[6])) ابن حبان، صحيح ابن حبان، ج10، ص425.

[7])) مسلم، صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب: استئذان النبي r ربه U في زيارة قبر أمه، ج2، ص672.

[8])) أبو العباس الفاسي الصوفي، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، ج2، ص362.

[9])) مُحمد بن جميل زينو (المجسم)، الكتاب المسمّى توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع، ص116، 177، المجلة المسماة مجلة البحوث الإسلامية، في سؤال اللجنة رئيسها ابن باز، العدد 45، جمادى الآخرة، 1416هـ، ص92.

[10])) البخاري، صحيح البخاري، كتاب المرضى: باب: ما رخّص للمريض أن يقول: إني وجع، ج5، ص2145.

[11])) مرتضى الزبيدي، إتحاف السادة المتقين، ج10، ص369.

[12])) مُحمد بن إِدْرِيسَ بن العبَّاس بن عُثمان بن شَافع، وإلى شافِع ينْسب. صاحب المذهب الشافعي المشهور، وأَحد الأئمة الأربعة، وله تصانيف عديدة منها: «المسند». ولد سنة 150هـ، وتوفي سنة 204هـ، أبو إسحاق الشيرازي، طبقات الفقهاء، ج1، ص71.

[13])) علي عبد الحميد، الموت عظاته وأحكامه، ص45.

[14])) ابن حبّان، الإمام، العلامة، الحافظ، المجدِّد، شيخ خراسان، أبو حاتم، محمّد بن حبان بن أحمد ابن حبّان بن مُعاذ بن معبد التميميّ الدارميّ، البُسْتيّ، صاحب الكتب المشهورة، كان من حفّاظ الآثار وفقهاء الدين، عالـمًا بالطب وبالنجوم وفنون العلم، صنّف «المسند الصحيح»، وله: «تاريخ الثقات»، و«مناقب مالك»، و«مناقب الشافعيّ»، وغيرها. ولد سنة مائتين وبضع وسبعين، توفي بسجستان بمدينة «بُسْت» في شوّال سنة 354هـ. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج10، ص384 – 389، رقم الترجمة: 3408.

[15])) ابن حبان، صحيح ابن حبان، ج10، ص255.

[16])) ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين، الكتاب المسمّى فتاوى إسلامية، ج1، ص39.

[17])) علي عبد الحميد، الموت عظاته وأحكامه، ص45.

[18])) علي عبد الحميد، الموت عظاته وأحكامه، ص36.

[19])) الطبراني، المعجم الكبير، ج8، ص249.

[20])) صدي بن عجلان بن عمرو، أبو أمامة الباهلي، صحب رسول الله r، وروى عنه وعن عمر ابن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح وغيرهم. قدم الشام وسكن حمص. روى عنه القاسم أبو عبد الرحمٰن، وعمر بن عبد الله الحضرمي وغيرهما. توفي سنة 86هـ، وهو ابن 91 سنة. ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج24، ص50، رقم الترجمة: 2877.

[21])) ابن حجر العسقلاني، تلخيص الحبير، ج2، ص135، 136.