الأحد ديسمبر 7, 2025

الدرس العشرون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰن الرَّحِيمِ

بيان أن مشيئة الله نافذة ولا تتغير

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى وهو في بيان أنَّ مشيئة الله نافذة ولا تتغير.

قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى ءاله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فمن أصول الإيمان الذي لا يكون الإنسان مؤمنًا إذا خالف فيه معرفة الله ورسوله، لا يكون الإنسان مؤمنًا إلا بمعرفة الله ورسوله.

أما معرفة الله فهو اعتقاد أن الله موجود ليس كمثله شيء من الأشياء لا يشبه شيئًا من العالم، ليس جسمًا لطيفًا ولا جسمًا كثيفًا، ولا جسمًا صغيرًا ولا جسمًا كبيرًا، إنما هو موجود لا يشبه شيئًا، لا يمكن تصوره في النفس، هذا معنى معرفة الله.

أما معرفة الرسول فهو اعتقاد أن محمد بن عبد الله رسول الله صادق في كل ما يبلغه عن الله.

ثم الأصل الثاني من أصول الإيمان اعتقاد أن الله هو خالق كل شيء، هو خالق الأجسام صغيرها وكبيرها، الخردلة هي من أصغر الأجسام ثم بعدها شيء أكبر منها ثم بعد ذلك شيء أكبر منه، إلى أن ينتهي كبر الجسم إلى العرش، بعد العرش لا يوجد شيء أكبر من العرش، ما خلق الله شيئًا أكبر منه.

الله كان قبل العرش وقبل السماوات وقبل الأرض بلا مكان بلا جهة ثم خلق العرش والماء وغير ذلك، ولم يتخذ شيئًا من هؤلاء مكانًا له.

كذلك الحركات والسكنات، حركات الإنسان وسكناته وتقلب قلبه والعلوم والإدراكات، علوم الخلق وإدراكاتهم وتصوراتهم وخواطرهم كل ذلك لا يخلقه إلا الله، الإنسان لا يخلق شيئًا، يفعلُ لكن لا يخلق، وإذا نظر إلى شيء، هذا النظر ليس هو يخلقه وإذا تفكر في شيء فهذا التفكر الله يخلقه فيه ليس الإنسان يخلقه، هذا الأصل الثاني، فمن فقد شيئًا من هذا فهو ليس بمسلم ليس بمؤمن بل هو كافر.

الله تعالى لا يتغير لا يجوز عليه أن يكون كخلقه الخلق بعضه ساكن بلا حركة العرش والسموات السبع ساكنون بلا حركة، منذ خلقهم الله تعالى ساكنون لا يتحركون، والنجوم متحركة منذ خلقها الله، الإنسان والملائكة والجن والبهائم يتحركون مرة ويسكنون مرة ويكون بعضهم في جهة وبعضهم في جهة أخرى أما الله تعالى لا يجوز عليه أن يكون كخلقه متحيزًا في جهة فوق أو في جهة تحت ولا يجوز أن يكون متحركًا دائمًا ولا ساكنًا دائمًا ولا متحركًا في بعض الأوقات وساكنًا في بعض الأوقات، كلُّ هذا الله منزهٌ عنه لأنه أنزل في القرءان {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء}([i]) هذه الآية معناها أن الله لا يشبه شيئًا من العالم بوجه من الوجوه؟ هذه الآيةُ تُنَزِّهُ الله عن كل صفات الخلق، تُنزّهه عن أن يكون حجمًا كبيرًا أو صغيرًا، وتُنزّهه عن أن يكون في جهة من الجهات، فوق أو تحت، وتنزهه عن أن يكون متحركًا أو ساكنًا وتنزهه عن أن يكون متغيرًا، تنزهه عن أن تكون صفاتُه متغيرةً علمُه وقدرتُه ومشيئتُه وسمعُه وبصرُه وحياتُه وكلامُه وتنزهه عن أن تكون كل صفاته كصفات العالم، علمُه لا يزيد ولا ينقص لأنه بعلم واحد يعلم كل شيء حصل ويعلم كل ما سيحصل لا يتجدد له علم كذلك بمشيئة واحدة شاء وجود هذا العالم الذي دخل في الوجود، والذي سيدخل في الوجود شاء بمشيئة واحدة في الأزل لا تحدُثُ له مشيئة جديدة.

بعض الناس من جهلهم بالعقيدة يظنون أن الله تعالى إذا إنسان دعاه أو تصدق صدقة، أو دعا ليلة النصف من شعبان أن الله يغير له مشيئته ويظنون أنه قد يكون الله شاء أن يكون فلانٌ فقيرًا يعيش في الفقر أو شاء أن يكون على الشقاوة ثم لَمَّا يدعو هذا الإنسان ليلة النصف من شعبان الله تعالى يغير مشيئته، هؤلاء كفار ما عرفوا الله هؤلاء جعلوا الله مثل خلقه، نحن مشيئتنا تتغير، الإنسان قد يعزم على شيء أن يفعل كذا وكذا ثم يغير مشيئته أما الله تعالى لا يجوز عليه هذا، ما شاء في الأزل أن يكون لا بد أن يكون وما لم يشأ في الأزل أن يكون فلا يكون.

أما الدعاء والصدقة وسائر الأشياء التي يحصل منها نفع ليس معنى ذلك أن الله يغير مشيئته التي هيَ سبقت إلى خلافها إنما الدعاء معناه أن الإنسان يطلب من الله أن يعطيه شيئًا أو أن يصرف عنه شيئًا من البلاء والمكروه، ثم الله تبارك وتعالى إن شاء في الأزل أن هذا الإنسان يدعو بكذا فيعطيه ما يريد أن يدفع عنه ما أراد الله أن يصرف عنه يحصُلُ ذلك، هذا معنى الدعاء. وكذلك الصدقة اللهُ عالم في الأزل أن هذا الإنسان يتصدق بكذا وكذا فيصرف عنه من البلاء كذا وكذا. الله عالم في الأزل بأن هذا الإنسان يدعو ليلة النصف من شعبان بأن يصرف الله عنه من البلاء كذا وأن يزيل عنه الفقر الذي كان فيه فيصرف عنه ويعطيه ما طلب أو لا يعطيه ما طلب، اللهُ عالم في الأزل قبل أن يدعوَ الناسُ في تلك الليلة.

الرسول عليه الصلاة والسلام سأل ربه أربعة أشياء سأله أن لا تَكْفُرَ أمتُهُ جملةً قال فأعطاه الله ذك وسأل أن لا يُهْلِكَ أمتَه بهلاكٍ شاملٍ كهلاك قومِ نوحٍ، قومُ نوح كل البشر الذين لم يؤمنوا به الله أهلكَهم بالغرق إلا نحو ثمانين شخصًا كانوا ءامنوا به هؤلاء ركبوا معه السفينة، الله علَّمَه أن يعمل سفينة فركب هو وأركب من البهائم والطيور في هذه السفينة، مَنْ سوى هؤلاء الثمانين – نَحوِ الثمانين- البشر الكبار والصغار حتى الأطفال الرضع الماءُ أكلهم، الرسولُ دعا أن لا يُسلّط على أمته هلاكًا مثلَ هذا الهلاك قال فأعطانيه فلا يصير فيها بعد سيدنا محمد إلى يوم القيامة هلاكٌ عام لا بالمجاعة ولا بالغرقِ إنما يهلِك قسم، بعض أمته يحصل لهم زلازل يهلِكون وبعض الأمة يحصل لهم مجاعة يهلِكون أما الهلاك العام فإن الله تعالى رفعه عنهم استجاب له فيه، ثم سأل الله تبارك وتعالى أن لا يُسَلّط كفارًا يبيدون أمته فأعطاه الله ذلك، الكفار مهما قَوُوا مهما كثروا لو كان عندهم سلاح أكثر مما بين أيديهم اليوم لا يستطيعون أن يبيدوا أمَّة محمد لا يستطيعون أن يمحُوْهُم من الوجود بالقتل، وسأله أن لا يقاتل بعضُهم بعضًا أي أن لا يصير بين بعضهم البعض عداوة وقتال فمنعنيها، لذلك بين المسلمين يصير قتال بعد كل مدة يقاتل بعضهم بعضًا. أيام سيدنا علِيّ حصل قتال بين المسلمين قتل بعضهم بعضًا وبعد ذلك بعد كل برهة يتجدد ولو كان الله تعالى يغير لدعاء إنسان شيئًا كتبه وقدره كان أعطى سيدنا محمدًا هذه الرابعة لكن الله لا يغير مشيئته وأعطاه الثلاثة الأول أما هذه الرابعة ما أعطاه، لو كان الله يغير مشيئته لعبد من عباده كان غير لسيدنا محمد لأنه أحب الخلق إلى الله.

هذا والله تبارك وتعالى منفرد بخلق كل ما يدخل في الوجود. الأجسام مهما كانت صغيرة هو يخلقها لا خالق لها غيره، وحركات الخلق وسكناتهم وخواطر قلوبهم وتقلب أبصارهم ينظر مرة هكذا ومرة هكذا ويفكر فيُحَصّلُ معلوماتٍ وإدراكات كل هذا ليس العبد يخلقه، كذلك إذا إنسان طلع تقيًّا، مؤمنًا تقيًّا وليًّا، الله تعالى خلق فيه هذه الطاعة ليس هو هذا المؤمن التقِيّ خلق لنفسه هذه الأعمال الصالحة، والكافر أيضًا يكفر بمشيئة الله الأزلية الكافر ليس هو خلق كفره، الله يخلق فيه الكفر لكن الله يحب الإيمان والطاعة وهو يخلقه في خلقه ويكره الكفر والمعاصي ومع ذلك هو يخلقه في خلقه، الكفار ليس هم خلقوا كفرهم الله تعالى خلق فيهم هذا الكفر بعلمه وقدرته ومشيئته وتقديره، من خالف هذا فهو كافر. كان يوجد شخصٌ في أواخر أيام الصحابة كان أصله من موالي سيدنا عثمان بن عفان، كان عبدًا مملوكًا، ثم هذا أزاغ الله قلبه صار يقول الأعمال التي نحن نعملها نحن نخلقها بمشيئتنا نحن نخلقها، صار يوسوس لهذا ولهذا ولهذا، صار شره كبيرًا، ثم أيام عمرَ بنِ عبد العزيز عند نهاية المائة الأولى بلغ خبرُهُ عمرَ بنَ عبد العزيز رَضِيَ الله عنه فطلبه وقال له أنت بلغني أنك تتكلم بكذا في القدر فقال يا أمير المؤمنين يكذبون عَلَيّ، وكان عمر بن عبد العزيز له هيبة بالتقوى ليس كبعض الملوك الذين كانوا من عشيرته مبذّرًا مسرفًا متعجرفًا كان من أشد الناس تواضعًا، ورافضًا للتنعم لا يتنعم حتى إنه عندما يصلّي في بيته يفرش ترابًا ليسجد على التراب من أجل التذلل لله ما تجرأ غيلان أن يقول نعم أنا قلت كذا بل قال يكذبون عَلَيّ يا أمير المؤمنين، سيدنا عمر ما اطمأن قلبه بكلامه قال إن كان في قلبك خلافُ ما تقول بلسانك الله تعالى يذيقك حَزَّ السيف. اهـ. يعني تُقْتَلُ يُقْطع رأسُك بسيف. بعدما مات سيدنا عمر بدأ يتكلم ثم جاء خليفة ءاخر هو هشام بن عبد الملك فطلبه فقال له أنت تتكلم في القدر قال نعم يا أمير المؤمنين إن شئتَ اجمعني بشخص يناظرني فأرسل بطلب الإمام الأوزاعيّ كان هنا في بيروت وهشام كان بدمشق وغيلان كان بدمشق جمعه بسيدنا الأوزاعيّ في الشام فحَطَّمَهُ سيدنا الأوزاعيّ بالعلم ثم قال الأوزاعِيّ عن غيلان لأمير المؤمنين هشام كافر وربِّ الكعبة يا أمير المؤمنين فقتله لأنه اعتبره كافرًا كذَّبَ قول الله تعالى: {قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}([ii]) قطع يديه ورجليه ثم قطع رأسه وعلقه بباب دمشق.

انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.

([i]) سورة الشورى، الآية: (11).

([ii]) سورة الرعد، الآية: (16).