الأحد ديسمبر 7, 2025

أهمية علم التوحيد

إن العلم بالله تعالى وصفاته أجل العلوم وأعلاها وأوجبها وأولاها، ويسمى علم الأصول وعلم التوحيد وعلم العقيدة، وقد خص النبي ﷺ نفسه بالترقي في هذا العلم فقال: «أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له»([1]) فكان هذا العلم أهم العلوم تحصيلا وأحقها تبجيلا وتعظيما قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} [محمد: 19] قدم الأمر بمعرفة التوحيد على الأمر بالاستغفار لتعلق التوحيد بعلم الأصول، وتعلق الاستغفار لتعلق التوحيد بعلم الأصول، وتعلق الاستغفار بعلم الفروع.

ويسمى هذا العلم أيضا مع أدلته العقلية والنقلية من الكتاب والسنة علم الكلام؛ والسبب في تسميته بهذا الاسم كثرة المخالفين فيه من المنتسبين على الإسلام وطول الكلام فيه من أهل السنة لتقرير الحق؛ وقيل لأن أشهر الخلافات فيه مسالة كلام الله تعالى أنه قديم – وهو الحق – أو حادث. فالحشوية قالت كلامه صوت وحرف، حتى بالغ بعضهم فقال إن هذا الصوت أزلي قديم وإن أشكال الحروف التي في المصحف أزلية قديمة، فخرجوا عن دائرة العقل، وقالت طائفة أخرى إن الله تعالى متكلم بمعنى أنه خالق الكلام في غيره كالشجرة التي سمع عندها موسى كلام الله لا بمعنى أنه قام بذات الله كلام هو صفة من صفاته وهم المعتزلة قبحهم الله. وقال أهل السنة إن الله متكلم بكلام ذاتي أزلي أبدي ليس حرفا ولا صوتا ولا يختلف باختلاف اللغات.

وموضوع علم الكلام هو النظر أي الاستدلال بخلق الله تعالى لإثبات وجوده وصفاته الكمالية وبالنصوص الشرعية المستخرج منها البراهين، وهو على قانون الإسلام لا على أصول الفلاسفة لأن الفلاسفة لهم كلام في ذلك يعرف عندهم بالإلٰهيات؛ وعلماء التوحيد لا يتكلمون في حق الله وفي حق الملائكة وغير ذلك اعتمادا على مجرد النظر بالعقل بل يتكلمون في ذلك من باب الاستشهاد بالعقل على صحة ما جاء عن رسول الله ﷺ؛ فالعقل عند علماء التوحيد شاهد للشرع ليس أصلا للدين، وأما الفلاسفة فجعلوه أصلا من غير التفات إلى ما جاء عن الأنبياء فلا يتقيدون بالجمع بين النظر العقلي وبين ما جاء عن الأنبياء، على أن النظر العقلي السليم لا يخرج عما جاء به الشرع ولا يتناقض معه.

وقد حث الله عباده في القرءان على النظر في ملكوته لمعرفة جبروته فقال تعالى: {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض} [الأعراف:185]، وقال تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [فصلت:53].

فإن قيل لم ينقل أنه ﷺ علم أحدا من أصحابه هذا العلم ولا عن أحد من أصحابه أنه تعلم أو علم غيره وإنما حدث هذا العلم بعد انقراضهم بزمان؛ فلو كان هذا العلم مهما في الدين لكان أولى به الصحابة والتابعون.

قلنا إن عني بهذا المقال أنهم لم يعلموا ذات الله وصفاته وتوحيده وتنزيهه وحقية رسوله وصحة معجزاته بدلالة العقل بل أقروا بذلك تقليدا فهو بعيد من القول شنيع من الكلام؛ وقد رد الله عز وجل في كتابه على من قلد أباه في عبادة الأصنام بقوله: {إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} [الزخرف: 22] أي: أن أولئك اقتدوا بآبائهم في إشراكهم بغير دليل يقوم على صحة ذلك الدين، وهذا يفهم منه أن علم الدليل مطلوب.

وإن أريد أن الصحابة لم يتلفظوا بهذه العبارات المصطلحة عند أهل هذه الصناعة نحو الجوهر والعرض والجائز والمحال والحدث والقدم فهذا مسلم به، لكننا نعارض هذا بمثله في سائر العلوم، على أنه في عصر النبي ﷺ لم تظهر الأهواء والبدع فلم تمس الحاجة إلى الدخول في التفاصيل والاصطلاحات.

وهذا العلم أصله كان موجودا بين الصحابة متوفرا بينهم أكثر ممن جاء بعدهم، والكلام فيه بالرد على أهل البدع بدأ في عصر الصحابة.

وقد أمر القرءان بتعلم الأدلة على العقائد الإسلامية على وجوده تعالى. ولم يطعن إمام معتبر في هذا العلم الذي هو مقصد أهل السنة والجماعة من السلف والخلف.

 

 

([1]) بوب البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان: باب قول النبي ﷺ: «أنا أعلمكم بالله».