الأحد ديسمبر 7, 2025

باب في ذكر بعض خصائص النبي r وخصائص أمته

  • عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا ولـم ير أحد سوءتي([1])».

أخرجه الحافظ الضياء في «الأحاديث الـمختارة»، وأما ابن الجوزي فأورده في «الأحاديث الواهية» من طريق سفيان بن محمدٍ وضعفه به وقال: ولا أشك أنه r ولد مختونا وإن لم يصح هذا الحديث.

  • عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: «ولد النبي r مختونا مسرورا، فأعجب جده عبد الـمطلب وحظي عنده وقال: ليكونن لابني هذا شأن، فكان له شأن». هذا الإسناد أقوى من الذي قبله مع ضعفٍ فيه.
  • روى البخاري ومسلم عن عائشة عن أبي بكرٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «لا نورث([2])، ما تركناه صدقة([3])»، وسببه أن فاطمة رضي الله عنها جاءت تطلب ميراثها من النبي r ([4]).
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فاطمة عليها السلام جاءت أبا بكرٍ وعمر رضي الله عنهما تطلب ميراثها من النبي r فقالا: إنا سمعنا رسول الله r يقول: «إني لا أورث». هذا حديث حسن أخرجه الترمذي.
  • وأما ما أخرجه أحمد وأبو يعلى من رواية أبي الطفيل أن فاطمة رضي الله عنا أرسلت إلى أبي بكؤر رضي الله عنه تقول: أنت ورثت النبي r أم أهله؟ فقال: لا بل أهله ولكني سمعت النبي r يقول: «إن الله إذا أطعم نبيه طعمة([5]) ثـم قبضه([6]) جعلها لمن يقوم من بعده([7])» فرجاله ثقات أخرج لهم مسلم، لكنه شاذ الـمتن لأن ظاهره([8]) كون النبي يورث وهو مخالف للأحاديث الصحيحة الـمتواترة.
  • عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «أعطيت خمسا لـم يعطهن نبي قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود([9])، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا([10])، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحدٍ قبلي([11])، ونصرت بالرعب يرعب مني العدو مسيرة شهرٍ([12])، وقيل لي: سل تعط، فاختبأت دعوتي([13]) شفاعة لأمتي فهي نائلة منهم من مات لا يشرك بالله شيئا». هذا حديث صحيح أخرجه أحمد.
  • عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «وضع الله عن أمتي الخطأ([14]) والنسيان وما استكرهوا عليه». هذا حديث حسن أخرجه ابن ماجه.

[1])) قال شيخنا رحمه الله: «المعنى: أنه عليه الصلاة والسلام لـم يختن كما يختن الأطفال، الله أغناه عن ذلك لأنه r كامل من كل جهةٍ، فهو كان حييا، أي: كثير الاستحياء، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت منه ولا رأى مني» وهذا حال الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام».

[2])) يعني معاشر الأنبياء. قال الحافظ العسقلاني في الفتح (12/7): «قوله: (لا نورث) بالفتح في الرواية، ولو روي بالكسر لصح المعنى أيضا».

[3])) قال شيخنا رحمه الله: «معناه: إذا مات أحدهم فماله صدقة لبيت المال يكون، لا يرثه أقرباؤه».

وقال البدر العيني في العمدة (23/232): «فهذا عام في جميع الأنبياء عليهم السلام، ولا يعارضه قوله تعالى: {وورث سليمان داود} [سورة النمل: 16] لأن الـمراد إرث النبوة والعلم والحكم، وكذلك قوله تعالى حكاية عن زكريا: {يرثني ويرث من ءال يعقوب} [سورة مريم: 6]».

[4])) قال شيخنا رحمه الله: «لـما طلبت فاطمة رضي الله عنها الـميراث من أبيها رسول الله r ما أعطاها أبو بكرٍ رضي الله عنه، هي ما كانت سمعت من الرسول r ولا ممن سمع من الرسول هذا الحديث، فعلى حسب ظنها أنها ترثه كما ترث سائر بنات الناس ءاباءهن، أما أبو بكرٍ فكان عنده علم من رسول الله أن الأنبياء لا يورثون. بعض الناس يقولون من جهلهم: «هذا غير صحيح، هذا يخالف القرءان». لو كان الرسول r يورث المال كان قال علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه لأنه أعلم الصحابة في ذلك، لكنه ما قال له: كيف تمنعها يا أبا بكرٍ حقها من ميراث أبيها».

[5])) قال ابن الأثير في النهاية (3/126): «الطعمة بالضم شبه الرزق يريد به ما كان له من الفيء وغيره، وجمعها طعم».

[6])) أي: أماته بقدرته عز وجل.

[7])) قال الشهاب الرملي في شرح أبي داود (12/634): «(فهي) إذا مات (للذي يقوم) في الأمر (من بعده) لـم يقل بهذا إلا أبو ثورٍ، فإنه قال: كان الصفي – وهو شيء يختار من الـمغنم قبل القسمة كالجارية والثوب والسيف ونحوهما – فكان ثابتا للنبي r في حياته، وهو من بعده يأخذه الإمام الذي يقوم من بعده نحو ما كان يأخذه النبي r. قال ابن الـمنذر: لا أعلم أحدا سبق أبا ثورٍ إلى هذا القول. وقال أكثر العلماء: إن ذلك انقطع بموت النبي r».

[8])) وهو قول: «لا بل أهله».

[9])) قال ابن الأثير في النهاية (1/437): «(بعثت إلى الأحمر والأسود)، أي: العجم والعرب لأن الغالب على ألوان العجم الحمرة والبياض. وقيل: أراد الجن والإنس. وقيل: أراد بالأحمر الأبيض مطلقا، فإن العرب تقول: امرأة حمراء، أي: بيضاء».

وقال شيخنا رحمه الله: «الـمقصود بالأحمر هنا ما هو مقابل الأسود. في لغة العرب إذا قيل أحمر فمعناه مقابل الأسود، الأبيض يدخل في الأحمر».

[10])) قال شيخنا رحمه الله: «(وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) رواه البخاري ومسلم، إذا لـم يجد الإنسان ماء يتطهر بالتراب، الصعيد عند الشافعي التراب فقط، هكذا هو في لغة العرب، وعند بعض الأئمة كمالكٍ وأبي حنيفة وأحمد الصعيد هو وجه الأرض، فالحجر دخل والتراب دخل، فالحجر النظيف عندهم يجوز التيمم به. وحيثما أدرك رجل من أمة محمدٍ r الصلاة في مكانٍ طاهرٍ تطهر وصلى، ولـم تكن الأمم السابقة تصلي إلا في أماكن مخصوصةٍ».

[11])) قال شيخنا رحمه الله: «وأحل الله لهم الغنائم ولم يحلها لنبي من الأنبياء قبل محمدٍ r. كانوا إذا قاتلوا الكفار فغلبوهم، فما كان من أموال الكفار النقد (أي: الذهب والفضة) وغيره – إلا ذوي الأرواح أي البهائم – يجمع في مكانٍ فتنزل نار من السماء فتأكلها، أما في هذه الأمة الله تعالى علم ضعفها فأحل لهم أن يأكلوها وحرم عليهم أن يحرقوها بالنار».

[12])) قال شيخنا رحمه الله: «هذا خاص بالنبي r ليس لأمته، ومعناه: الكفار أعداؤه يدخلهم الرعب من مسيرة شهرٍ، لو كانوا في مسيرة شهرٍ وأرادوا قتاله يدخلهم الرعب وهم في أماكنهم، فكيف بالذين هم أدنى من ذلك».

[13])) قال الطيبي في شرح المشكاة (5/1703): «(اختبأت دعوتي)، أي: ادخرتها وجعلتها خبيئة».

[14])) قال شيخنا رحمه الله: «قوله عليه السلام: «وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» الخطأ المذكور في الحديث المراد به ما حصل بلا إرادةٍ من فاعله كالذي ينطق بالقول الـمحرم والكفر وغيره عن سبق لسانٍ، والفعل الذي يكون على هذا الوجه كفعل من أراد أن يرمي إلى صيدٍ فأصاب سهمه إنسانا مسلما مؤمنا فقتله، المراد بالخطأ الذي لا يؤاخذ به المسلم ما يكون بدون إرادةٍ، فكل ما يتكلم به المسلم بلا إرادةٍ من الكلام والفعل فهو غير مؤاخذٍ به، وأما القول فهو ككلمة كفرٍ بلا إرادةٍ، وأما الفعل فهو كإلقاء الـمصحف بالقاذورات بلا إرادةٍ، وليس المراد بالخطأ في هذا الحديث أن يتكلم الشخص عمدا بكلام مخالفٍ للشرع مع الجهل بحكمه فإن هذا يؤاخذ به، فمن تكلم بكلمة كفرٍ جاهلا بكونها كفرا كفر ولا عذر له».